الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الأخلاق وعلم الجمال

«مذهب اللذة - Hedonism»

«مذهب اللذة - Hedonism» رؤيةٌ تقرُّ أن المتعة (بما فيها غياب الألم) هي الخير الحقيقي الوحيد في الحياة، وبحسب «مذهب اللذة النفسي»؛ فإن الناس يسعون إلى المتعة بالفعل بصرف النظر عن المسائل الأخلاقية، وبحسب «مذهب اللذة الأخلاقي» ينبغي للناس أن يسعوا إلى المتعة بصرف النظر عن المسائل النفسية. وهكذا قد يرى المرء أن كل الدوافع البشرية مؤسسةٌ على المتعة المُحتمَلة الحاضرة أو الآجلة، وقد يعُدُّ بعض الفلاسفة أن كل خيارات الأفعال المستقبلية مؤسسةٌ على أن المرء يجد في الوقت الراهن متعةً أكبر في القيام بفعلٍ ما عوضًا عن فعلٍ آخرَ (1).

ولعل أشهر من دعا إلى «مذهب اللذة» بوصفها نظريةً أخلاقيةً وأوَّلهم الفيلسوف اليوناني "أبيقور  - Epicurus 341-270 BC" الذي يتفق مع "أرسطو" في أن الخير يحظى بقيمةٍ في ذاته ولا يستمد قيمته من شيءٍ آخر، وأن السعادةَ الخيرُ الأسمى، لكن موضع الاختلاف هو أن "أبيقور" يُماهي السعادة مع المتعة أو اللذة، وحجته في ذلك أن المتعةَ الشيُ الوحيد الذي ينشده البشر وله قيمةٌ في ذاته، والمتعة الأخلاقية تقوم على المتعة النفسية، فكل شيءٍ نفعله تكون غايته حصول ذواتنا على المتعة (2).

وللمتعة صلةٌ وثيقةٌ بإشباع رغبات المرء، ويميز "أبيقور" بين نوعين من المتعة: النوع الأول؛ هو «المتعة المتحركة»؛ وتحدث في أثناء القيام بإشباع الرغبة؛ كأن نتناول الطعام الذي نفضِّله عندما نجوع، وتتضمن هذه الرغبات إثارةً للحواس، وهذه المشاعر ما يسميها البشر بـ«المتعة»، أما الحالة التي يصبح فيها المرء بعد إشباعه لرغبته فلا يعود في حاجةٍ إلى شيءٍ ما؛ فيسميها "أبيقور" بـ«المتعة الثابتة»، والمُتَع الثابتة أفضل أنواع المُتَع. وينكر "أبيقور" وجود أي حالةٍ وسطيةٍ بين الألم والمتعة؛ لأنه عندما لا يشبِع المرء رغباتِه فإنه يكون في حالة ألم، وعندما يشبِع رغباتِه كافةً فإنه يصل إلى أقصى درجات المتعة (2).

لكن يرى "أبيقور" أنه إذا كانت المتعةُ الخيرَ الأعظم؛ فإن الألمَ الشرُ الأعظم، وأنه من الأفضل تفادي المتعة إذا كانت تقود إلى معاناةٍ طويلة الأمد، وأنه من النافع دائمًا تحمُّل الألم إذا كان سيؤدي في النهاية إلى متعةٍ طويلة الأمد. ولا يعني هذا أن فلسفته تدعو إلى حياةٍ شهوانية؛ فليس الإسراف في السُكْر والطعام والاحتفال وإشباع الغرائز الجنسية ما يولِّد الحياة الممتعة؛ بل إن الحياة الممتعة تكون عبر الشرف والحكمة والعدل والرصانة؛ فنظامٌ غذائيٌّ نباتيٌّ بسيطٌ وصحبة قليلٍ من الأصدقاء في حديقةٍ متواضعةٍ كافٍ لتحقيق السعادة حسب "أبيقور" (3).

وهكذا ليست كل رغبةٍ جديرةً بالإشباع؛ إذ يحدد "أبيقور" أنواع الرغبات بثلاثة أنواع هي:

1- رغباتٌ طبيعيةٌ وضرورية: ومن أمثلتها الرغبة في الطعام والمأوى وما في حكمها، وهي رغباتٌ سهلة الإشباع، ويمكن استيفاؤها بقدرٍ كمِّيٍّ محدد، وهي من صلب طبيعة الإنسان، ويتسبب إشباعها بالمتعة العظيمة، وهي ضروريةٌ للحياة، ويمكن للناس بعد إشباعها الانتقال لإشباع أنوات الرغبات الثانية (2).

2- رغباتٌ جوفاءُ وعنجهية: ومن أمثلتها الرغبة في القوة والثروة والشهرة، وهي رغباتٌ صعبة الإشباع لعدم وجود حدٍّ طبيعيٍّ كمِّيٍّ كافٍ لها، فإذا رغب المرء في الثراء مثلًا؛ فإنه مهما بلغ من الثراء فيمكنه دائمًا أن يصير أكثر ثراءً، وهي رغباتٌ غير طبيعيةٍ بالنسبة للبشر، بل يفرضها المجتمع بسبب وجود اعتقاداتٍ باطلةٍ تفيد أن امتلاك القوة مثلًا سيحصِّن المرء من خطر الآخرين، ويرى "أبيقور" أن هذه الرغبات يجب أن تُستبَعد ولا تُشبَع (2).

3- رغباتٌ طبيعيةٌ غير ضرورية: ومن أمثلتها الرغبة في الطعام الفاخر، والرغبات الجنسية. فعدم إشباع هذه الرغبات لن يصحبه ألم، وهو أمرٌ مفاجىءٌ كما يرى بعضهم؛ لأن الحب غير المتبادل يمكن أن يتسبب في المعاناة، لكن شدة الرغبة كما يرى "أبيقور" سببها الخيال الرومانسي الجامح لدى العاشق وليس طبيعة الجنس. ولا مشكلة في إشباع الرغبات الطبيعية غير الضرورية إذا لم تتسبب بأذًى وما دام يحترم المرء القوانين والأعراف، لكنها  في نهاية المطاف لا تُعدُّ رغباتٍ خيِّرةً (3).

لكن «مذهب اللذة» مثل غيره من المذاهب لا يخلو من انتقادات؛ ولعل أبرز الصعوبات التي يواجهها هي (المفارقة اللذية - Hedonistic Paradox)، ويُعبَّر عنها كالآتي: كثيرٌ من أعمق مُتَع الحياة وأفضلها كمتعة الحب وتربية الأطفال والعمل أنشطةٌ لا تُمارَس من أجل المتعة، ولذا ليس هناك شكٌّ فحسب في أننا ننشد المتعة دائمًا (أو لا نعزو قيمةً لسواها)؛ بل هناك أيضًا شكٌّ في كون أفضل سُبُل تحقيق المتعة السعي إليها.

ومن المسائل الخلافية أيضًا هوية الأنشطة التي تفضي إلى القدر الأعظم من اللذة أو المتعة، والسؤال عما إذا كانت التنويعات المختلفة من المتعة تقبل فروقًا في الكم والكيف. فهل نستطيع على سبيل المثال القول إن مُتَع النشاط الفكري أسمى كيفًا من مُتَع مشاهدة البرامج الرياضية؟ وإذا أجبنا بالإثبات ألا نكون قد نأينا عن «مذهب اللذة» بمعناه الدقيق عبر طرح تمييزٍ قيميٍّ غير مُؤسَّسٍ على المتعة مطلقًا؟ (1).

أيضًا، عدُّ أنَّ الحصول على اللذة وتجنُّب الألم المحفزيْن الوحيديْن للسلوك يفضي إلى عدِّ أنَّ أولئك الذين يرفضون «مذهب المتعة» لا يعرفون هم أنفسهم ما الذي يدور في عقولهم بخصوص هذا الشأن، كذلك عدم وضوح ما إذا كانت اللذة النفسية تُعنَى بتوليد المتعة، بمعنى هل نسعى لأن نتسبب بالمتعة أو أننا بالأحرى عندما نضحك مثلًا فإننا نقوم بذلك لأننا نودُّ التعبير عن المتعة عوضًا عن توليدها (4).

 

المصادر:

1. Audi R. The Cambridge Dictionary of Philosophy. 2nd ed. Cambridge: Cambridge University Press; 1999. P. 364.

2. O’Keefe T. Epicurus | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. [cited 4 April 2021]. Available from: هنا

3- Kenny A. Ancient Philosophy: A new History of Western Philosophy. 1st ed. Oxford: Clarendon Press; 2006. P. 277-279.

4- Moore A. Hedonism (Stanford Encyclopedia of Philosophy/Winter 2019 Edition) [Internet]. Plato.stanford.edu. 2013 [cited 4 April 2021]. Available from: هنا