التاريخ وعلم الآثار > تحقيقات ووقائع تاريخية

آيا صوفيا؛ المبنى ذو التاريخ المضطرب

تُعرَف آيا صوفيا باللاتينية باسم (Sancta Sophia)، وعُرِفت أيضًا باسمَي كنيسة الحكمة المقدسة وكنيسة الحكمة الإلهية، وهي أعجوبة معمارية ضخمة، شُيِّدت في الأصل بوصفها كنيسةً مسيحية منذ قرابة 1500 عام، وأصبحت العلامة المُميِّزة لمدينة إسطنبول التركية مثلما هي الحال مع برج إيفل في باريس ومعبد البارثينون في أثينا (1,2). 

متى شُيّدت الكنيسة؟

شُيِّدت كنيسة آيا صوفيا (التي تشكل معظم عناصر المبنى المتبقي إلى يومنا هذا) في القرن السادس الميلادي بين عامَي (532-537) بتوجيه من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول (Justinian I)، وبتصميم المعماريَّين أنتيميوس (Anthemius of Tralles) وأﻳﺰﻳﺪور (Isidorus of Miletus). (1).

قبل تشييد هذه الكنيسة كان قد شُيِّدَ مبنىً سابق في الموقع نفسه بأمرٍ من قسطنطين الأول (Constantine I) عام 325م على أنقاض مَعبدٍ وثني، الذي كرَّسه ابنه قسطنطين الثاني بوصفه كنيسةً في العام 360م، وكانت تُعرف إسطنبول حينها باسم القسطنطينية، وفي العام 404م تضرَّرت الكنيسة في أثناء أعمال الشغب التي حدثت في المدينة إثر اندلاع النيران فيها، ليأمرَ الإمبراطورُ الروماني ثيودوسيوس الثاني (Theodosios II) بإعادة بنائها، وتألّفت الكنيسة الجديدة من خمسة صحون ومدخل صرحي ضخم جميعها مسقوفةٌ بالخشب، وما لبثت أن احترقت الكنيسة مرة أخرى إثر ما يُعرَف بتمرد "نيكا (Nika)" عام 532م، وهو ما أعطى الإمبراطور جستنيان الأول الفرصة لتصور مبنى جديد وتشييده، ألا وهو كنيسة آيا صوفيا الثالثة (1,2). 

لمَّا كان من غير الممكن إعادةُ تأهيل الكنيسة المتضررة أمرَ الإمبراطور جستنيان الأول في العام 532م بهدمها وتشييد أعظم كنيسة على الطراز البازيليكي يليق بسمعة عاصمة الإمبراطورية الرومانية، فحوَت صحنًا رئيسيًّا للصلاة مع سقف مُقبَّب ومَذبح نصف دائري مع رواقَين (3-1).

تصميم الكنيسة

استفاد المهندسون المعماريون -الذين كانوا أساسًا من علماء الرياضيات- من المفهومات المعمارية الجديدة لتلبية رغبات الإمبراطور وإنشاء مبنى بأكبر فراغ داخلي ممكن، فصمموا قبةً ضخمة ترتفع 55 مترًا عن الأرض ودعمَتها أربعة مثلثات كروية وظيفتُها نقل وزن القبة إلى هيكل علوي مربّع داعم لتفادي وجود أعمدة تقطع المساحة الداخلية للقبة. 

تبلغ أبعاد الهيكل الحالي ذي المسقط القريب من المربع لآيا صوفيا قرابة 81 مترًا بـ 73 مترًا، وانتهى تشييدها في العام 537م؛ وهو ما عُدَّ حينَها فترة قصيرة جدًّا لتشييد مثل هذه المنشأة الضخمة .

في العام 557م تضرَّرت القُبَّة نتيجة هزات أرضية وانهارت أجزاء منها، ليعاد بناؤها مع إدخال تحسينات عليها لتفادي المشكلات التي تسببت بانهيار سابقتها.

هذا وقد كُسيَت أرضية صحن الكنيسة (الفراغ الرئيسي أسفل القبة) بألواح رخامية ضخمة، أما الجدران والقبة فكُسيَت بالفسيفساء التي صورت مشاهد وأشخاصًا استُقُوا من الأناجيل (3-1).

مسقط الكنيسة

توضيح المثلث الكروي

الفراغ الداخلي

تاريخ آيا صوفيا المضطرب

بعد تشييدها؛ أصبحت كنيسة آيا صوفيا الكنيسة المركزية لأتباع مذهب الروم الأرثوذوكس؛ الدين الرسمي للبيزنطيين، وأصبحت المكان الذي يُتوَّج فيه الأباطرة الجدد، وأدّت الكنيسة دورًا مهمًّا في السياسة والثقافة البيزنطية في خلال السنوات الـ 900 الأولى من وجودها.

وفي أثناء الحروب الصليبية خضعت مدينة القسطنطينية -متضمنةً آيا صوفيا- إلى السيطرة الرومانية فترةً وجيزةً في القرن الثالث عشر الميلادي، وتعرضت كنيسة آيا صوفيا لأضرار جسيمة في هذه الفترة، وقد أُعيد إصلاحُها مجددًا عندما سيطر البيزنطيون مرة أخرى على المدينة (2). 

بدأت فترة التغير المهمّة التالية لآيا صوفيا بعد أقل من 200 عام، إذ سيطر العثمانيون بقيادة الإمبراطور فاتح سلطان محمد -المعروف باسم محمد الفاتح- على القسطنطينية في عام 1453م، التي بدّلوا اسمَها لاحقًا إلى إسطنبول.

حوَّل العثمانيون الكنيسة إلى مسجد، ورافق عملية التحويل هذه تغطية عديدٍ من رسومات الفسيفساء بكتابات ذهبية اللون مع إضافة ثماني رصائع ضخمة عليها كتابات عربية، وأضاف العثمانيون أيضاً محرابًا ومنبرًا وأربع مآذن ضخمة لأغراض دينية ولضرورات إنشائية لتدعيم المبنى إثر زلازل جديدة.

خضعَ مسجد آيا صوفيا تحت حكم السلطان عبد المجيد بين عامي 1847 و1849م إلى عملية تجديد واسعة النطاق (2,3).

الفراغ الداخلي

المآذن

في عام 1935م؛ أصدرَ الرئيس التركي -حينها- كمال أتاتورك قرارًا بتحويل المسجد إلى متحف، الذي أُدرج في عام 1985م بوصفه عنصرًا من موقع التراث العالمي لليونسكو "المناطق التاريخية في إسطنبول"، التي شملت المباني والمواقع الأثرية الرئيسية الأخرى في المدينة (1).

وأخيرًا؛ اتَّخذَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العام 2020م قرارًا بإعادة تحويل المبنى (المتحف) إلى مسجد، وهي خطوة أثارت كثيرًا من الجدل، وقد أعربت اليونسكو عن أسفها لهذا القرار الذي صدر دون الرجوع إليها، ومع ذلك بقيت آيا صوفيا مفتوحةً أمام الزوار باعتبارها أكثر الوجهات السياحية شعبيةً في تركيا (1,4).

المصادر:

1. Hagia Sophia | History, Facts, & Significance [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 13 March 2021]. Available from: هنا

2. Hagia Sophia [Internet]. HISTORY. 2018 [cited 13 March 2021]. Available from: هنا

3. Hagia Sophia [Internet]. World History Encyclopedia. 2015 [cited 13 March 2021]. Available from: هنا

4. UNESCO statement on Hagia Sophia, Istanbul [Internet]. UNESCO. 2020 [cited 13 March 2021]. Available from: هنا.