العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

كيف سيبدو مستقبلنا في ظل تحكم الذكاء الاصطناعي بالبنى التحتية لمدننا؟

يتفاقم عدد سكان المدن حول العالم باستمرار، ويُتوقَّع أن يزداد هذا العدد مليارًا ونصف بحلول العام 2030 وفق تقديرات الأمم المتحدة، وسينتج عن هذا التزايد مشكلات عدة، لذلك ظهرت العديد من المقاربات من أجل الوصول إلى مدنٍ مستدامةٍ تقلِّل أضرار النمو السكاني، ومن ضمن هذه المقاربات فكرة "المدن الذكية" التي تزايد اهتمام العلماء والباحثين من مختلف التخصصات العلمية في سَبر أغوارها، والتعرف إلى التقنيات المُستخدمة فيها وخصوصًا مع ظهور الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) ونظام البيانات الكبيرة (Big Data) بوصفهما فرصًا جديدة لإنشاء مدنٍ أكثر استدامة (1).

فما العقبات والمشكلات التي ستواجه البشر بوجودهم ضمن المدن التي تعتمد على هذه التقنيات الجديدة وتوظِّفها في مجالات الحياة المختلفة؟ وما مستقبلهم بوجود هذا الكم من البيانات؟

يشير مصطلح (المدينة الذكية Smart City) إلى الإدارة الذكية لرأس المال الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للمدن عن طريق استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، إذ يمكن عدُّ هذه الحلول التكنولوجية ذكية لأنها توفر إمكانية تحقيق التطور الاجتماعي والثقافي والحضاري، إضافةً إلى تحسين الوظائف والكفاءات الاجتماعية والسياسية (1).

ومن الأمثلة عمَّا سبق؛ بحثٌ أظهر أنَّ العديد من المدن في شمال شرق وغرب وسط الولايات المتحدة الأميركية تعاني من مشكلة انخفاض التعداد السكاني وارتفاع نسب العاطلين عن العمل وهبوط أسعار المساكن والضعف الاقتصادي، نتيجةً لهجرة فرص العمل والأفراد من مراكز المدن، ممَّا أدى إلى زيادة الأملاك السكنية الفارغة، وقد ساهمت ظاهرة البيوت المهجورة في هبوط مستوى الأحياء السكنية لجذبها نشاطاتٍ إجرامية قد تؤدي إلى زيادة خطر نشوب الاشتباكات في المناطق السكنية وظهور ممارسات تهدِّد الصحة العامة. للتعامل مع هذه الظاهرة طوَّر البحث نظام تحليل المعلومات (systems-of-systems)  اعتمادًا على الأنظمة الهندسية؛ إذ يجمع هذا النظام البيانات ويحلِّلها وينشر المعلومات الضرورية مع أقسام المدينة والهيئات الإقليمية والمنظمات غير الربحية ومجموعات المواطنين، وتندمج هذه الأنظمة مع العديد من الأنظمة الفرعية في المدينة، وتمكِّن من تحديد مؤشِّرات العوامل التي تساهم في حدوث المشكلات السابقة ضمن المدينة واتخاذ الخطوات الوقائية اللازمة للحد منها (2).

وفي بحثٍ آخر، أجريت مقابلات عدة مع أربع منظَّمات تستخدم نظام المعلومات الذكي في المدن الذكية (Smart City SIS)، وهذه المنظمات (Amsterdam CTO) و(Helsinki Municipality) و(Copenhagen Solutions Lab - City Data Exchange) و(Deutsche Telekom - MySMARTLife)، وتوصل هذه البحث إلى تحديد 5 مسائل أخلاقية متشابكة عند استخدام هذه التكنولوجيا:

  1. التحيز ودقة نظام المعلومات الذكي: يحتاج النظام من أجل الحصول على المعلومات الدقيقة أن يُزوَّد بالمعلومات الكافية، ولكن قد يؤدي استخدام هذا النظام إلى انتهاك قانون حماية البيانات العام، لذلك يحتاج معتمدو هذا النظام إلى موافقة الزبون وأن تكون هذه البيانات مجهولة المصدر ومجمَّعة لتجنُّب هذه المشكلة.
  2. توفُّر ودقة البيانات: مسألة جمع المعلومات وتوفُّرها مسألةٌ صعبة إلى حدٍّ ما، وخصوصًا المعلومات المتعلِّقة بالشركات التجارية التي قد تؤثر في المنافسة بينهم، وحتى عند إمكانية جمعها ستظهر مشكلات أخرى؛ كأن يرغب مزود هذه البيانات بالتحكم بكيفية استخدامها، وتُعدُّ مسألة الحصول على البيانات بشرائها من الشركات الخاصة مسألةً معقَّدة، لذلك تسعى الجهات الحكومية والقطاع العام إلى ابتكار نظام جمع بيانات مدرَّب ومؤهَّل يتجاوز هذه المشكلة.
  3. الاقتصاد وعدم المساواة: لأنَّ مشاريع المدن الذكية تعتمد على مبدأ التعاون بين القطاع العام والخاص، لا بُدَّ من التغلب على عقباتٍ عدة في هذا السياق كمسألة البيروقراطية ومسألة التفاوض مع المستثمر بشأن الطاقة المستدامة مقابل الصعوبات الاقتصادية، وكل ذلك يساهم في تأخير تنفيذ المشروع، إضافةً إلى تباين وجهات النظر بين القطاع العام والخاص.
  4. الخصوصية وملكية البيانات: مسألة خصوصية الأفراد مسألةٌ بالغة الأهمية عند استخدام الـ (SIS)؛ إذ يجب أن يكون الأفراد قادرين على التحكم ببياناتهم الشخصية بالكامل، لذلك تحرص الجهات المستخدمة لهذا النظام غالبًا على جمع البيانات فقط في حال وجود عدد كبير من الأشخاص كي لا يمكن تحديد هوية الأفراد بين مجموعة من الناس، وفي حال جمع البيانات فرديًّا لا بد من وجود موافقةٍ صريحةٍ من الأفراد وأن تُنجز على نحوٍ مجهول.
  5. مسألة الشفافية والثقة: يجب توفُّرعلاقة ثقةٍ تكافليةٍ متبادلة بين الشركات والمواطنين والبلديات في مشاريع المدن الذكية، إذ ينص قانون الشفافية المتَّبع لدى بعض الشركات على أنَّ بعض البيانات يجب أن تكون متاحةً لجميع الناس ومتوفرةً على المواقع الرسمية لهذه الشركات (1).

علاوةً على ذلك هناك العديد من المسائل المتعلقة باستخدام هذه الأنظمة الذكية ما تزال مبهمةً كون البحث العلمي في هذا المضمار حديث النشأة، ومن ضمن هذه المسائل؛ كفاءة الـ (SIS) في تحقيق الاستدامة ولا سيِّما أنَّ هذه الكفاءة قد تُعلَّل بالفوائد الاقتصادية التي قد تجنيها والتي قد لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج مستدامة، لأنَّ التقنيات الحديثة لا تحل المشكلات الاجتماعية وقد تخلق في بعض الأحيان أشكال جديدة للانقسام وعدم المساواة الاجتماعية (3).

فإلى أية درجة يمكن أن تخدم هذه الأنظمة الذكية مدننا؟ وهل سيؤدي تطويرها إلى الوصول إلى مدنٍ أكثر استدامة؟

المصادر:

1_Mark R, Anya G. Ethics of Using Smart City AI and Big Data: The Case of Four Large European Cities. The ORBIT Journal [Internet]. 2019 [cited 1 February 2021];2(2):1-36. Available from: هنا

2_Appel S, Botti D, Jamison J, Plant L, Shyr J, Varshney L. Predictive analytics can facilitate proactive property vacancy policies for cities. Technological Forecasting and Social Change [Internet]. 2014 [cited 1 February 2021];89:161-173. Available from: هنا

3_Zhang J, He S. Smart technologies and urban life: A behavioral and social perspective. Sustainable Cities and Society [Internet]. 2020 [cited 1 February 2021];63:102460. Available from: هنا