الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

تحديد النسل؛ حلٌّ منقذ؟

أصبحَ هناك اهتمام متزايد بتحديد النسل -نتيجةً للتزايد السكاني- بوصفه حلّاً لهذه المشكلة ولكن ظهرت مشكلات عدة لكون تحديد النسل لا يشمل وسائلَ منع الحمل فحسب بل يشمل الوصول إليها أيضًا، والإجهاض الآمن والقانوني والولادة الآمنة، وبذلك واجه الفردُ مشكلاتٍ بشأن استقلاليته في اتخاذه القرارات ووصوله إلى الخدمات والأساليب المختلفة لتحديد النسل وكانت أبرز الإشكاليات الأخلاقية عن الإجهاض أما أقلها فهو عن وسائل منع الحمل؛ إذ اُتفِق على عدم وجود مشكلات أخلاقية بخصوصه (1)، بل ساعد استخدامهم الأزواج والأفراد على إدراك حقهم الأساسي في أن يقرروا بحرية ومسؤولية إذا ما كان ينبغي لهم إنجاب الأطفال، ومتى يجب إنجابهم وكم عدد الأطفال الذين يمكن إنجابهم. وأدى الاستخدام المتزايد لوسائل منع الحمل إلى تحسين النتائج المتعلقة بالصحة مثل خفض معدل وفيات الأمهات ووفيات الرضع، كما أثّر إيجابيًا في تحسين مُستوى التعليم والاقتصاد في المجتمعات التي تميل إلى مساعدة الشركاء في تحديد النسل (2).

فوائد تحديد النسل (Family Planning)

 

أسباب عدم اللجوء إلى تحديد النسل

تكمن المعضلة في كيفية مُقاربة الأعراف الاجتماعية التي تؤثر مباشرةً في تنظيم الأسرة، ولُخصت أهم الجوانب الاجتماعية ذات التأثير كالآتي:

 1. اتخاذ القرار بالحمل

في العديد من العلاقات، يُهيمن الرجال على صنع القرار عن تنظيم الأسرة ومنع الحمل. وقد يؤدي أفراد الأسرة والمجتمع أيضًا أدوارًا مهمة. وقد لا يناقشه أولئك الذين يتخذون القرارات مع الأشخاص المعنيين بالأمر. تشمل الأسباب الرئيسة لعدم استخدام وسائل منع الحمل ما يلي:

في العديد من العلاقات، قد لا تشمل عملية صنع القرار الفتيات والنساء أنفسهن، وقد تؤدي أُسَر الشريكين وأفراد المجتمع الآخرون دورًا في صنع القرار أحياناً، إضافةً إلى أنّ الفتيات قد يتخذن القرارات دون مناقشة الموضوع وذلك لأسباب متنوعة مثل نقص الخبرة أو عدم الشعور بالراحة في التحدث عن القضايا الحساسة، ولكن مع ذلك يُعدُّ السبب الرئيسي لعدم استخدام وسائل منع الحمل هو معارضة الشريك الذكر. حتى إنّ دراساتٍ في بعض البلدان أكّدت أنّ استخدام موانع الحمل سراً أو ضدّ رغبات الزوج يُمكن أن يؤدي إلى عنفٍ أُسريٍ ضد المرأة أو الانفصال عنها (4).

2. الزواج المُبكّر

هناك أدلةٌ مختلطةٌ عن العلاقة بين الزواج المبكر وتنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل. يجد بعض الباحثين أنّ انتشار الزواج المبكر مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بانخفاض استخدام موانع الحمل وزيادة نسب الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن. في العديد من البلدان، تكون التطلعات المجتمعية والأُسَرية هي أنّ النساء يجب أن يحملن وينجبن بعد فترةٍ وجيزةٍ من الزواج، وفي هذه الحالات، غالباً ما تكون الأعراف التقليدية والدينية والضغوط المالية وتدني المساواة بين الجنسين عاملاً مباشراً في الزواج المبكر (4).

3. استخدام وسائل منع الحمل

في بعض الأحيان تكون وجهة النظر التقليدية لعدم استخدام وسائل منع الحمل الحديثة راسخةً بعمقٍ ويُمكن أن تستغرق وقتاً طويلاً للتغيير، الصور النمطية السلبية والوصم الاجتماعي بشأن منع الحمل والجنس يحدّان من استخدام وسائل منع الحمل وخاصة بين الشباب والشابات. لذلك فمن الضروري التدخل مبكرًا عندما يشكّل المراهقون هويّاتهم وشخصياتهم وتطوير فهمهم للمعايير الاجتماعية بشأن الجنس (4).

كيف يمكن مساعدة المجتمع في تنظيم الأسرة وتحديد النسل؟

من بين 1.9 مليار امرأة في سن الإنجاب في العالم، هناك 1.1 مليار امرأة بحاجة إلى تنظيم الأسرة؛ وهن النساء المستخدمات الحاليات لوسائل منع الحمل أو اللواتي لديهنّ حاجة غير ملباة لتنظيم الأسرة. من بين هؤلاء 1.1 مليار امرأة، 842 مليون يستخدمن الوسائل الحديثة لمنع الحمل على حين يستخدم 80 مليون الوسائل التقليدية (5). إضافةً إلى رغبة العديد من الأفراد والأزواج في جميع أنحاء العالم في الحد من عدد مواليدهم ولكنّهم لا يستخدمون وسائل منع الحمل لأسباب عديدةً منها ما ذُكر أعلاه. 

يلزم وجود تدخل حكومي ولذا يمكن للسياسيين ومديري البرامج التنموية اتّخاذ الخطوات الرئيسة الآتية لضمان توفّر خدمات منع الحمل وإمكانية الحصول عليها لجميع من يريدونها (3).

1. إلغاء السياسات التي تحد من حرية الاختيار: تتضمن السياسات التي تُقيّد استخدام وسائل منع الحمل: جعل بعض الوسائل غير قانونية (مثل التعقيم الطوعي) وتقييد الإعلانات لوسائل منع الحمل وقصر توزيع وسائل منع الحمل على الأطباء فقط ومنع النساء من الحصول على وسائل منع الحمل دون إذن أزواجهن.

2. توفير الدعم المالي لخدمات تنظيم الأسرة: يُعدُّ تنظيم الأسرة استثماراً فعالاً من حيث التكلفة فهو ينقذ الأرواح في نهاية المطاف إضافةً إلى التوفير المادّي الناتج عنه.

3. استخدام إستراتيجيات المعلومات والتعليم والاتصال المناسبة لإعلام الناس عن تنظيم الأسرة: يمكن أن تُساعد البرامج في ضمان حصول الأزواج على معلوماتٍ كافيةٍ لاتّخاذ قرارٍ سليمٍ عن اختياراتهم لوسائل منع الحمل من خلال تقديم المشورة وجهاً لوجه مع المواد المطبوعة المناسبة واستخدام وسائل الإعلام. 

4. دعم البحث وتقييم طرائق تنظيم الأسرة وبرامجها: يُساهم البحث في تقنيات منع الحمل في تطوير طرائقَ جديدةٍ وتحسين الطرائق الحالية ومعرفة سلامة الطريقة التي تُنظّم الأسرة من خلال استعمالها. والبحث عن كيفية عمل برامج تنظيم الأسرة يُمكن أن يساعد على تحديد أفضل الطرائق لتقديم وسائل منع الحمل المختلفة في الثقافات المتعددة (3). 

من خلال السماح للمرأة بحرية التحكم في عدد مواليدها والمباعدة بينهم، يساعد تنظيم الأسرة النساء على الحفاظ على صحتهنّ وخصوبتهن ويساهم أيضًا في تحسين نوعية حياتهن عموماً. ويُساهم تنظيم الأسرة أيضاً في تحسين صحة الأطفال وضمان حصولهم على الغذاء الكافي والملابس والسكن والفرص التعليمية. ويُحقق تنظيم الأسرة هذه التحسينات في الصحة ونوعية الحياة بتكلفةٍ منخفضةٍ للغاية مقارنةً بالاستثمارات في معظم التدخلات الصحية والاجتماعية الأخرى.

إنّ تخصيص الموارد البشرية والمالية لتحسين خدمات تنظيم الأسرة لن يؤدّي فقط إلى تحسين صحة ورفاه العائلة، ولكنه سيدعم أيضاً الجهود المبذولة لتحقيق كثافةٍ سكانيةٍ مستدامة (3).

المصادر:

1. Hagenfeldt K. Ethics and family planning. Advances in Contraception [Internet]. 1991 [cited 5 March 2021];7(2-3):159-163. Available from: هنا
2. World Family Planning 2017 Highlights [Internet]. United Nations. Department of Economic and Social Affairs; 2017. Available from: هنا
3. Health benefits of family planning [Internet]. World Health Organization; 1995. Available from: هنا
4. Herbert S. Social norms, contraception and family planning [Internet]. Applied Knowledge Services. GSDRC; 2015. Available from: هنا
5. Family planning and the 2030 Agenda for Sustainable Development [Internet]. United Nations. Department of Economic and Social Affairs; 2019. Available from: هنا