الطب > طب الأطفال

الختان بين الفوائد والمضار، ماذا نفعل؟

تُعدّ عمليةُ الختانِ من أقدمِ العملياتِ الجراحيةِ وأكثرها انتشارًا في العالم، وتعودُ بداياتُ إجراءِ الختان إلى ما قبل الميلاد مع أدلةٍ على إجراء هذه العملية لدى الشعوب الساميّة والفراعنة، إذ يعود أقدم دليلٍ على إجراء الختان إلى عام 2300 قبل الميلاد لدى الحضارة الفرعونية، إذ كان يُمارس لعدة أسبابٍ دينية، وعِرقية؛ وبهدفِ النظافة الشخصية في أزمنةٍ لم يكن فيها أيّ وجودٍ لوسائلِ النظافة الشخصية أو الجنسية كالمياه والصابون والمعقمات... الخ. 

يترافقُ الختانُ مع العديد من الفوائد الطبية الوقائية، وتشمل: خفض معدّل الإنتانات التناسليَّة، وسرطان القضيب، والتهاب القضيب، وجلادات القضيب، والأمراض المنتقلة بالجنس. يُعَدُّ المعدَّل المنخفضُ للإنتانات التناسليّة هو الفائدة الرئيسة للختان في عمر الطُّفولة؛ إذ إنَّه في الذكور غير المختونين يُأمِّنُ الحيِّزُ القلفي وسطًا دافئًا ورطبًا، ويَحصُرُ العواملَ المُمرِضة خلالَه ويساعدها على التكاثر والنمو. بالمقابل يُعتَقَدُ أنّ الحشفة المغطاة بطبقة متقرِّنة عند الرجال المختونين بيئة غير مرغوبة لهذه العوامل الممرضة. 

سنتطرق لبعض الفوائد الكامنة للختان بشيء من التفصيل: 

1) الوقاية من الإنتانات التناسليّة لدى الذكور: 

يُخفِّضُ الختانُ من خطورة الإصابة بالإنتانات التناسليَّة، وخاصةً عند الأطفال على نحوٍ كبير، ففي مراجعة منهجيَّة ل 12 دراسة تضمنت بيانات قرابةَ 400000 ذكر بعمر أقلَّ من سنة، أظهرت أنَّ الختان يُخفِّضُ من خطر الإصابة بالإنتانات التناسليَّة بنسبة 90%. 

ما يجدر ذكره هنا هو أنَّ الختان ليس الحلَّ الوحيد للتقليل من الإنتانات التناسليّة، بل إن الحفاظ على النظافة الشخصية للقضيب والعناية بنظافةِ الطفل تُعطي النتيجة نفسها. 

2) الوقاية من سرطان القضيب: 

هو سرطانٌ نادر الحدوث وتقدَّرُ حالات حدوثه في الدولِ المتقدِّمة قرابةَ حالة واحدة من بين كل 100 ألف ذكر، فيُظهِر الرّجالُ المختونون خطرًا أقلّ للإصابة بسرطان القضيب مقارنةً مع الرجال غير المختونين، وكذلك قد يقللُّ الختان من خطر الإصابة بسرطان العنق عند الشريك الجنسي (الزوجة). 

ولكنّ ندرة حدوث هذا السَّرطان يجعلنا نطرح أسئلةً عن أهمّيَّة الختان في الوقاية منه: 

فعددُ حالات الختان الواجب إجراؤها للمولودين الجدد لمنع حالة واحدة فقط من سرطان القضيب قُدِّرت ب 909 إلى 322000 ختان، وعدد الاختلاطات الضَّارة للختان المتوقّعة لهذا العدد السابق من حالات الختان هو من 2 إلى 644 (أي من بين كل ألف إلى 300 ألف حالة ختان تُمنَع حالة سرطان قضيب واحدة من الحدوث، وبالوقت نفسه هناك خطر حدوث من 2 إلى 644 حالة مضاعفات لهذا العدد!)، وهذا الأمر وضع الأطباء والباحثين في حيرة بين فوائدِ الختانِ في الوقايةِ من حدوثِ سرطانِ القضيبِ وبين حدوث اختلاطات ضارّة مُحتَمَلَة للختان. مع العلم أنَّ هذه الدراسات أُجرِيت قبل الانتشار الواسع للقاح الفيروس الحليمي البشري HPV عند الإناث وكذلك الذُّكور، والذي قد يقلِّلُ من انتشار الأمراض المتعلِّقة بِهذا الفيروس (كالسّرطانات) وبذلك يمكن لهذا اللقاح أن يَفِي بالغرض بدلًا من الختان للوقاية من هذه الأمراض. 

3)الوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس: 

هناك دليلٌ واضح عن دور الختان في الوقاية من الإصابة بفيروس الإيدز HIV والفيروس الحليمي البشري HPV، وفيروس الحلأ البسيط النّمط الثاني HSV-2 . وهناك دليلٌ عن دوره ضد الإصابة بالمشعرة المهبليّة والقريح الجنسي، بينما ليس للختان دورٌ في الوقاية من السّفلس، والسَّيلان البني، والكلاميديا. 

لكن مع الدورِ الكبيرِ للختانِ في الوقاية من الأمراضِ المُنتقلة بالجنس، فإنَّ العوامل السلوكيَّة كَتقليلِ عدد الشركاء الجنسيين والعلاقات الثابتة المستقيمة، والاستخدام الصحيح للواقي الذكري، كلّها عوامل تفوقُ أهميَّة الختان في الوقاية من الأمراض المنتقلة بالجنس. 

قد يكون للختان دور مهم في إنقاص احتمال الإصابة بالإيدز؛ لأنَّ التركيب الخلويّ للقلفة (التي تُزالُ عند الختان) يكون غنيًّا بمستقبلاتِ فيروس الإيدز HIV-1 بالمقارنة مع قلّة هذه المستقبلات في حشفة القضيب (رأس القضيب). لذلك فإنَّ إزالة هذه الخلايا الهدف قد يقلّل (لكن لا يمنع) من خطر الإصابة بفيروس الإيدز عند الذكور المعرّضين لذلك. 

ينتشرُ الإيدز في أفريقيا بنسبٍ مرتفعة، بالإضافةِ إلى ضعف استعمال الواقي الذكري على نحوٍ كبير، ولذلك أوصت منظمة الصحة العالمية WHO أنَّ الختان يُعَدُّ أحدَ توصيات الوقاية من انتشار مرض الإيدز *في أفريقيا*. 

أمّا تأثير الختان على انتقال فيروس الإيدز في الدّول ذات الانتشار المنخفض للإيدز فهو أقل وضوحًا، فلم يتم بعد الدّراسة والموازنة في هذه الدّول بين الفوائد المكتسبة للختان في الوقاية من الإيدز مقارنةً مع الاختلاطاتِ المُحتمَلِ حدوثُها وأيّهما أرجح، بل إنّ الدّراسات تركّزت في أفريقيا، إذ إنَّ الانتشار الكبير لهذا المرض يُضافُ إلى ضعف الثّقافة الجنسيّة السليمة. 

ومن الضروريّ معرفة أنَّ الختان فقط يقلّل (ولا يمنع) من انتقال فيروس الإيدز إلى قرابةِ النّصف، ولا يوجد دليلٌ قويّ أنّ الرّجال المختونين المصابين بفيروس الإيدز أقل نقلاً لفيروس الإيدز لشركائهم الجنسيّين. 

مخاطر الختان: 

الاختلاطات والمخاطر المتعِلّقة بالعمل الجراحي: 

أُجريت دراسة في مشفى أمريكي على 200 ألف طفل خضعوا لعمليَّة الختان، فكانت نسبة الاختلاطات الناتجة عن العمل الجراحي خلال الشهر الأوّل من العمليّة تقريباً 0.2% فقط . 

ومن الاختلاطات الممكن حدوثها إثر العمل الجراحيّ: 

• الختان غير الكافي للقضيب، والنزف بعد العمل الجراحي، وإنتان الجرح الذي يكون عادةً خفيفًا، ويُسَيطَر عليه بالصادَّات الحيويّة، ولكن سُجِّلت حالات إنتان دم ووفاة، واختلاطات مشوّهة للقضيب كَناسور جلدي إحليلي، ونقص جلد القضيب، وكيسات ضمن القضيب. 

هذه الاختلاطات غير شائعة، ونادرة وتكون أشيع عند الخُدَّج وعند المولودين مع تشوهات خَلقيّة في القضيب، وعند إجراء الختان من قِبَل أشخاصِ غير مدرَّبين أو مؤهَّلين قد يستخدمون أدواتِ غير مُعقَّمة، ولذلك نعيدُ التّأكيد هنا على أهمية أنّنا عندما نتخذ قرار ختان طفلنا، علينا أن نعهد بإجراء العمليّة إلى طبيب مُدرَّب ومُؤهَّل وأن تُجرَى ضمن شروط تعقيمٍ نظاميّة كأيّ عملٍ جراحيّ يملك خطورة. 

ومن الاختلاطات المذكورة أيضًا هي قلَّة المتعةِ الجنسيَّة عند المختونين؛ لأنَّ القلفة التي تُزال بالختان تحوي مستقبلات حسيَّة تساعد في نقل إحساسات المتعة. 

نصائح وعادات صحيَّة يجب اتباعها: 

العنايةُ الصحيّةُ الجيَّدة بالأعضاء التناسليّة (غسل كامل القضيب، والحشفة، بالماء و الصابون خلال الاستحمام) يُعدُّ مهمًّا لكل الرّجال، وعلى العموم يكون الغسيل والعناية أسهل عند المختونين. 

الذكور غير المختونين يجب أن يُعلَّموا أهمّيَّة الغسيل تحت القلفة دوريًّا، وذلك بسحبها وغسل الحشفة، فالعناية الصحية الجيّدة قد تَقِي من العديد من الأمراض والمشاكل المترافقة مع القلفة، ولكن تلك العناية تكون أصعب عند الصبيان غير المختونين، حتى في الدول المتقدّمة. فقد أُجريت دراسات في الصفوف المتوسّطة في بريطانيا واسكندنافيا بيَّنت أنّ العناية الصحيّة بالقضيب لم تكن كافية لدى الطلاب الذكور. 

وأخيرًا نصائح عن الختان: 

ختان الذكور حسب الأدب الطبي يكون دائمًا عمليّة اختياريَّة تُجرى تبعًا لرغبات الأهل الدينية، والثقافية، أو تبعاً لأسباب طبيّة. إذ يجب تزويد أهل المولود الجديد بمعلومات كافية ودقيقة وعلميَّة وغير منحازة ثقافيًّا أو دينيًّا عن الفوائد المُكتسبة والأضرار المُحتملة للختان. 

إنَّ العديد من أطباء الأطفال والبولية ينصحون بإجراء الختان كعملية وقائية صحية عامة، وبالمقابل هناك من يعارض الختان لأسبابٍ إنسانية وطبية، أي من المفترض أن تكون عمليَّة من حق صاحبها أن يقرِّرها بنفسه. 

ونعيد التأكيد على أهمية أن يعود الأهل -عند قرار ختان أطفالهم- إلى طبيبٍ مختص يجري العملية ويجب أن يكون ماهرًا، وفي شروط تعقيمٍ نظامية؛ لتجنب حدوث أي من المضاعفات للطفل. 

قدمنا لكم معلوماتٍ شاملة عن جوانب هذا الموضوع من الطرفين السّلبي والإيجابي، وفي النّهاية يعودُ القرارُ للقارئ، ونتمنى أن تكون هذه السلسلة قد أدَّت الغرض منها في توفير المعلومات للقارئ، والتي بناءً عليها يصبح قادرًا على اتخاذ قرارٍ كهذا عن علمٍ لا عن جهل، وستخصص الحلقة القادمة والأخيرة من السلسلة لموضوع ختان الإناث. 

المصادر:

هنا

هنا

لمتابعة المقال الأول لسلسلة الختان في ميزان العلم: هنا

لمتابعة المقال الثاني لسلسلة الختان في ميزان العلم: هنا