الهندسة والآليات > الروبوتات

هل يمكن للروبوت أن يتطور؟

تؤدي الروبوتات عملًا مذهلًا في مجالات عدة؛ كالعمل في المناجم واستكشاف البيئات التي لا يُمكن للإنسان التجول فيها، سواء على الأرض أو الكواكب الأخرى، ومع ذلك ما زلنا بحاجة إلى تطوير تصاميم جديدةٍ للروبوتات لجعل سلوكها متكيفًا مع الظروف المختلفة، فإذا قبلنا حقيقة أنَّ السلوك البشري يُحدَّد عن طريق الجسم والعقل، ويُحدد بالنسبة إلى الروبوتات بواسطة الشكل والبرمجيات؛ فإنَّ علماء الذكاء الصنعي والحوسبة الشكلية -الفيزيائية المعتمدة على الكيان الصلب- أو المورفولوجية Morphological computing بنوا الروبوتات حتى الآن بالاعتماد على مراقبة العلاقة بين أجسام وذكاء الحيوانات، ومع ذلك فحتى الآن لم نصل إلى تقدم كافٍ في هذا المجال (1).

انطلاقًا من رغبتها بابتكار طريقة جديدةٍ في تصميم الروبوتات؛ تُساهم الدكتورة إيمّا هارت Emma Hart من جامعة  Edinburgh Napier University مع مجموعة من الباحثين من عدة جامعات أوروبية في مشروع متفرِّد هدفه تهجين نظام روبوتي فيزيائي تطوري مع نظام افتراضي بحيث يكونان كالأبوين الذَين ينجبان روبوتًا جديدًا دون تدخل من البشر (1). هذا المفهوم سنطلق عليه في المقال باللغة العربية كلمة (تطور) أي Evolution على مبدأ داروين كي لا يلتبس الأمر عليك عزيزي القارئ مع كلمة (تطور) التي تعني التحسن مثلاً.

يرى هؤلاء الباحثون أنَّ هناك دافعَين وراء ما يفعلونه:

 1ـ الدافع الأول يكمن في صنع أنظمة تطورية صنعية فيزيائية تبني قطعًا أو روبوتات حقيقية، فتشكل بذلك مظهرًا آخر لمبادئ التطور الدارويني! ربَّما يكون ذلك معقدًا في الفهم، ولكن للتبسيط يمكن ملاحظة مظهرين في وقتنا الحالي للتطور؛ هما التطور الحيوي على الأرض (الذي يحكم وجودنا) والتطور الحوسبي أو البرمجي أو ما يُعرف بالحوسبة التطورية (سنشرحه باختصار بعد قليل).

 2 ـ الدافع الثاني من منظور هندسي يقترح أن الحياة على الأرض تشكلت نتيجةً لكلِّ البيئات الموجودة عليها وأنتجت مظاهر حياة تتناسب مع هذه البيئات، وبهذا سنفترض أن التطور الصنعي قادرٌ على إنتاج روبوتات ستتناسب مع البيئات والمهمات المتعلقة فيها؛ أي أنه إذا وضعنا مجتمعًا من الروبوتات في بيئة غير معروفةٍ سابقًا لها، فباستخدام التطور الذاتي للروبوتات ستنتج آلات تتكيف في الشكل والسلوك مع هذه البيئات (2).

الحوسبة التطورية Evolutionary Computation، هو مجال في علم الحاسوب يستقي أفكاره من التطور البيولوجي لحل المُعضلات الحسابية. يحتاج عديدٌ من هذه المسائل إلى البحث في كميات ضخمة من الحلول الممكنة؛ مثلًا البحث في مجموعة القواعد التي ستتحكم بروبوت في أثناء تجواله في بيئته، فمثل هذه المسائل تحتاج إلى نظام يستطيع التكيُّف مع تغيرات البيئة المحيطة؛ إذ يعتقد العلماء اليوم أنه من الصعب كتابة برامج قواعد الذكاء الصنعي بالطريقة التقليدية من الأعلى إلى الأسفل (أي اعتمادًا على النتائج المرغوبة تُبنى تفاصيل النظام)، بل يرون أنه على البشر كتابة القواعد البسيطة فقط مع تزويدها بأدوات (برامج) تسهِّل التكيف والتغير مع البيئة (3).

من المفهوم أنه حتى اليوم لم يأخذ التطور الفيزيائي الشكلي للروبوتات الاهتمام الذي أخذه التطور الحوسبي لعقول أو متحكمات هذه الروبوتات نظرًا لقصور التكنولوجيا في السابق في هذا المجال، أمَّا اليوم فالتقدم الحاصل في الروبوتات والطابعات الثلاثية الأبعاد والتجميع المؤتمت للآلات يجعل فكرة التطور الشكلي ممكنة (2).

يُدعى النظام الذي يعمل عليه الباحثون بـالتطور الروبوتي الذاتي (ِِAutonomous Robot Evolution) واختصارًا ARE، سيخلق أنظمةً قادرة على تصميم وصنع الروبوتات عن طريق الخوارزميات والآلات بدلًا من البشر، ويسمي الباحثون هذه العملية بالتكاثر (2). 

تمثيل بيئة نظام ARE التي تُظهر المراحل الثلاث الأساسية في أنموذج (مثلث الحياة)، إضافةً إلى منشأة إعادة التصنيع

فُكِّر سابقًا في روبوتات تصنع غيرها بدلًا من البشر، ولكنَّها كانت قادرةً على نسخ نفسها فقط دون تغيير أو تطور كما يهدف مشروع ARE. (2)

صمَّم الباحثون إطارًا يوضح مراحل صنع الروبوت (أو مراحل حياة الروبوت) بصورة رمزية، (الصورة الثانية) يمثله على أرض الواقع النظام الذي رأيناه في الصورة الأولى، وهذا النظام يسمى بالـEvosphere. (2)

  

بنية النظام بصورة تمثيلية لتوضيح تطور الروبوت عن طريق مفهوم مثلث الحياة، طرائق التعلم في مرحلة الطفولة ليست بالضرورة تطورية.

تتألف دورة حياة الروبوت من ثلاث مراحل: التشكُّل، النشأة، وحياة النضج، وبذلك سيتألف الـEvosphere من ثلاثة أجزاء: 

1ـ مصنع الروبوت Robot Fabricator: الذي يشكِّله فيزيائيًّا (التشكّل). 

2ـ منشأة التدريب Training Facility: التي توفر بيئة تتعلم فيها الروبوتات الناشئة، وتُعطي تغذية عكسيةً سواء بواسطة نظام مراقبة حاسوبي أو بواسطة البشر، فيكون هذا المكان الذي يتعلم فيه الروبوت التحكم بجسمه الجديد وكيفية أداء المهمات البسيطة. تُعدُّ هذه المرحلة مهمة جدًّا قبل إرسال الروبوتات إلى الحياة الواقعية فتضمن نجاحهم وتمنع تكاثر روبوتات ضعيفة الأداء. 

3ـ الحلبة Arena: يدخل إليها الروبوت عندما يكتسب المهمات المطلوبة منه ويُعلَن كبالغ وهي تمثل العالم الواقعي؛ إذ يجب على الروبوت تنفيذ مهمات يحددها المستخدِم، وقد يُختار الروبوت للمشاركة في التكاثر. يمكن أن يكونَ الاختيار نابعًا من الروبوت نفسه عن طريق اختيار شركائه في التكاثر أو عن طريق مراقب بشري أو خوارزمية (2).

فيما يخص التكاثر في نظام ARE ولعدة أسباب منها أخلاقية وضمان السلامة؛ فإنَّ هذا النوع من التكاثر هو عملية تُحدَّد ليتحكم بها مصنع الروبوت وحده دون السماح للروبوتات بنفسها أن تتكاثر ذاتيًّا وتصنع أمثالًا أو تطويرات لها، ويُوقف عملية التطور إذا وجد المستخدم ذلك ضروريًّا (2).

يقدم نظام ARE  تكاملًا بين عملية التطور الافتراضية والفيزيائية؛ أي أن العمليتين تجريان على نحوٍ متزامن في الواقع الفيزيائي والافتراضي، وذلك بواسطة مدير النظام Ecosystem Manager الذي يتحكم ويربط عالم الواقع مع عالم البرمجيات hybrid physical-virtual system. الصورة الثالثة (2).

مخطط لمكونات نظام ARE.

إنَّ عمل هذا المدير باختصار هو نقل التمثيل الجيني للروبوتات بين العالمَين، فيمكن صنع روبوت في العالم الفيزيائي أو البرمجي من والدين فيزيائيين أو والدين برمجيين أو بصورة هجينة بينهما، ويمكن نسخ الروبوتات من العالم البرمجي إلى الفيزيائي أو العكس، ويتحكم المدير بكل ذلك بحسب الهدف الذي يحدده له المستخدم إمَّا مسبقًا فيعمل المدير بعدها ذاتيًّا أو مباشرةً. 

يحقق هذا التكامل الاستفادة من المزايا في العالمين، فيتسرع التطور الفيزيائي عن طريق استخدام عنصر برمجي يحقق أهدافًا للروبوت بوقت وموارد أقل ممَّا يحتاجه العنصر الفيزيائي لوحده، في حين يستفيد التطور البرمجي من اختبار الجينات (أي صفات الروبوت الفيزيائية) في العالم الواقعي؛ بما معناه أنه لكل تطور فيزيائي وحيد من الممكن حدوث مئات التطورات البرمجية على نحو موازٍ (2).

يشكل مصنع الروبوت هذه العملية، وهي عبارة عن تحويل الصفات الجينية (التي تأتيه من العالم البرمجي) إلى أشكال فيزيائية، والهدف النهائي أن يصبحَ النظام ليس بحاجة لأي تدخل إنساني أبدًا؛ أي أنه حتى عملية تقييم الروبوتات المنجزة تُنجَز عن طريق النظام. 

يُصنع الروبوت من (دماغ) أي متحكم إلكتروني وبطارية تغذي الروبوت وأعضاء أخرى تعمل حساساتٍ أو مشغلات يحدد موقعها ونوعها بواسطة جينوم تكتبه خوارزمية التطور، وفي أثناء عمل الروبوت في العالم الواقعي يتعرض لاختبارات متنوعة ومفيدة لعملية التطور بحيث يمكن تغيير شكله (التطور) دون تبديله بروبوت آخر، لأن أعضاءه مصنوعة على أساس يمكن تبديلها بصورة منفردة (2)

اختيرت مادة صنع الروبوتات من Plant-based Polymer PLA بوليمر نباتي (أو حيوي)، يتحلل في التراب ويُعاد تصنيعه ممَّا يقلل الهدر (2).

عندما يصنع الروبوت بواسطة خوارزميات التطور افتراضيًّا، يجب في البداية اختباره للتحقق من القدرة على تصنيعه شكليًّا عن طريق مصنع الروبوت، فيمر ذلك عن طريق اختبار القابلية الذي يتحقق اذا كان التصميم يخرق حدود قدرة مصنع الروبوتات، فهذه الحدود غير موجودة في أثناء المحاكاة في العالم الافتراضي (2).

حتى الآن مازال الباحثون في بداية الطريق، يصنعون الأجزاء الأولية للنظام ويصفون ذلك في ورقة بحثية، هدفهم الوصول لنظام مصنع روبوتات مؤتمت بشكل كامل. بالرغم من أنه الآن محدود بالتكنولوجيا الحالية، مع ذلك فإنه عندما يصنع الروبوتات وينشرها في العالم الواقعي سيسمح لنا ذلك بوضع أصابعنا على النقاط التي يجب تطويرها في شكل الروبوت، ونقيس الفجوة بين ما نتمنى صنعه وبين ما نستطيع حالياً صنعه، فنرسم خطة واعدة لصنع هذا النظام بحيث يتطور في المستقبل (2).

المصادر:

1. Hart E. autonomous robot evolution cradle to grave [Internet]. 2018 [cited 15 February 2021]. Available from: هنا 
2. Hale M, Buchanan E, Winfield A, Timmis J, Hart E, Eiben A et al. The ARE Robot Fabricator: How to (Re)produce Robots that Can Evolve in the Real World. The 2019 Conference on Artificial Life [Internet]. 2019 [cited 24 February 2021];(31):95-102. Available from: هنا  
3. Mitchell M, Taylor C. Evolutionary Computation: An Overview. Annual Review of Ecology and Systematics [Internet]. 1999 [cited 24 February 2021];30(1):593-616. Available from: هنا