الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

التمييز الإيجابي؛ وسيلةٌ للقضاء على التمييز أم أسلوبٌ جديدٌ لترسيخه؟!

لا يزال التمييز يقوِّض الجهود المبذولة لتحقيق عالمٍ أكثر عدلًا وإنصافًا، ويسبِّب المعاناة لكثيرٍ من الناس، وللتمييز أشكالٌ عديدة؛ فمن التمييز العرقي أو الديني إلى التمييز على أساس الجنس أو التوجه الجنسي أو العمر. ولهذا السبب؛ اتَّخذت الأمم المتحدة 1 آذار (مارس) يومًا عالميًّا للقضاء على التمييز «Zero Discrimination Day» (1).

ويصادف في هذه الفترة الإعلان عن مسلسلٍ يدور حول حياة "آن بولين - Anne Boleyn" زوجة ملك إنكلترا "هنري الثامن"، والمثير في هذا الإعلان اختيار ممثلةٍ سوداء البشرة للقيام بدور الملكة التي كانت بيضاء، مما أثار ضجةً واتهاماتٍ بتمادي التمييز المُتعمَّد أو ما يُعرَف بـ«التمييز الإيجابي - Positive Discrimination» (2).

ويُقصَد بـ«التمييز الإيجابي»: "السياسات التي تهدف إلى تشجيع المجموعات غير المُمثَّلة في المجتمع ودعمها"، ويحدد «التمييزُ الإيجابي» خصائصَ معينةً لهذه المجموعات التي تُعدُّ مجموعةً محرومةً أو غير مُمثلةٍ بالمقارنة مع أغلبية الناس دون أي خطأٍ مباشرٍ من جانبهم (كالجنس والعرق والإعاقة والدين والتوجه الجنسي والعمر). ومن الممارسات المطبَّقة في مكان العمل: حملة التوظيف لزيادة نسبة المتقدمين من الأقليات العرقية، أو تشجيع النساء ودفعهنَّ للانخراط في الأدوار الإدارية وفي مراكز صنع القرار (3). 

وتجب أولًا لفهم الأسباب التي تدفع الباحثين للمطالبة بتطبيق هذه السياسات معرفةُ أهم الحجج التي قامت عليها هذه المطالبات:

الحاجة إلى مثلٍ أعلًى:

يحتاج جميع الناس إلى مُثلٍ عليا يُحتذَى بها، ومعرفةُ أنَّ الآخرين الذين يشبهونهم يمكنهم النجاح يشجِّعهم على السعي للتميُّز من خلال محاكاة (أبطالهم) أو (قدوتهم من بني جنسهم) الذين نجحوا من قبل.

الحاجة إلى التعويض:

لقد تعرَّض السُّود للظلم، ولحقهم أذًى شديدٌ من قِبَلِ البِيضِ في الولايات المتحدة. تقترح هذه النظرية تعويض السُّود عن الإصابات التي لحقت بهم من خلال «التمييز الإيجابي» في سياسات التوظيف ومَنْح العقود والمِنَح الدراسية التفضيلية، ويعتقدون أنها طريقةٌ مناسبةٌ للتعويض عن أخطاء الماضي.

التنوع الثقافي والعرْقي:

يجب للعيش بسلامٍ في عالمٍ تعدديٍّ الاختلاطُ بالثقافات والأعراق الأخرى قدْرَ الإمكان، وبذلك يجب أن يكون هناك مدارسُ متكاملةٌ متنوعةٌ وسياساتٌ توظيفيةٌ تشجِّع التنوع. التنوعُ له قيمةٌ إيجابيةٌ في العديد من المواقف، فعلى سبيل  المثال: يحتاج المجتمع المتنوع عرقيًا إلى شرطةٍ متنوعةٍ عرقيًا إذا أرادت منظمة الشرطة كسب ثقة مختلف أعضاء المجتمع واحترامهم، ولكي لا يشعرَ جزءٌ من المجتمع بأنه مُسيطَرٌ عليه من قِبَلِ طرفٍ آخر (4).

وعلى الرغم من أنَّ الطروحات المُقدَّمة من قِبَلِ الباحثين المطالِبين بتطبيق سياسات «التمييز الإيجابي» منطقيةٌ وبعض تأثيراتها الإيجابية مدعومةٌ بالأدلة البحثية؛ إلَّا أنه لا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ هناك فئةٌ لا يُستهَان بها من الرافضين لهذه السياسات من المختصين وغير المختصين. وقدَّم المناهضون لهذه السياسات حججًا وأدلةً على طروحاتهم بما يكفي لعدِّ الجدل بخصوص هذه السياسات لن ينتهيَ قريبًا، وأنَّ المعضلة قد تكون أكبر من أنْ تُعالَج عن طريق بعض السياسات التفضيلية.

المصادر:

1. Zero Discrimination Day [Internet]. World Health Organization. 2018. Available from: هنا

2. Addo R. Jodie Turner-Smith transforms into Anne Boleyn in first look at the new drama after becoming the first black actress to play Henry VIII's wife. Daily Mail Online [Internet]. 2021 [cited 22 February 2021]. Available from: هنا

3. Noon M. The shackled runner: time to rethink positive discrimination?. Work, Employment and Society [Internet]. 2010 [cited 23 February 2021];24(4):728-739. Available from: هنا

4. Pojman LP. The Case Against Affirmative Action. International Journal of Applied Philosophy [Internet]. 1998;12(1):97–115. Available from: هنا