الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

دماغنا وثاني أكسيد الكربون؛ ما الرابط؟

وجد بحث جديد أن الزيادة المتوقعة في تراكيز ثاني أكسيد الكربون في أماكن المعيشة والعمل بحلول عام 2100 قد تؤدي إلى إضعاف الإدراك لدى البشر (1).

ومع مرور القرن الحادي والعشرين، سيؤدي ارتفاع تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى زيادة مستويات هذا الغاز في المناطق السكنية والداخلية، ما قد يقلل بدرجةٍ كبيرةٍ من قدراتنا الأساسية على اتخاذ القرار والتفكير الاستراتيجي المعقد وذلك وفقاً للبحث الذي أجراه باحثون من جامعة كولورادو - بولدر (CU Boulder)، وبحلول نهاية القرن الحالي يمكن أن يتعرض الناس في الأماكن المغلقة إلى مستويات من ثاني أكسيد الكربون قد تصل إلى 1400 جزء في المليون*، أي أكثر بقرابة ثلاث مرات من مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء الطلق اليوم، وأكثر بكثير مما شهده البشر على الإطلاق (1).

لا بد وأنكم اختبرتم ذلك الشعور عندما جلستم طويلاً في قاعة محاضرة مزدحمة أو غرفة اجتماعات وبدأتم الشعور بالنعاس والخمول؛ ذلك لأن تراكيز ثاني أكسيد الكربون تكون أعلى في الأماكن الداخلية منها في الهواء الطلق، إضافةً إلى كون تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الطلق للمناطق السكنية أعلى منها في المناطق غير المأهولة (1).

وإذا ما نظرنا إلى الظاهرة على نحوٍ عام؛ فإن مستويات ثاني أكسيد الكربون بدأت ترتفع في الغلاف الجوي منذ الثورة الصناعية، وقد وصلت هذه المستويات إلى ذروة 414 جزءاً في المليون** في مرصد ماونا لوا التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) في هاواي في عام 2019، وتبعاً للوضع الحالي الذي لا تقلل فيه الشعوب على الأرض من انبعاثات غازات الدفيئة، تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ‎(IPCC) ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء الطلق لتصل إلى 930 جزءاً في المليون بحلول عام 2100 (1).

ووجد الباحثون أنه إذا ارتفعت تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الطلق إلى 930 جزءاً في المليون، فإن ذلك سيرفع تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الأماكن الداخلية إلى مستوياتٍ شديدة الضرر وقد تصل إلى 1400 جزء في المليون (1).

وبتأثير ذلك قد تتأثر المهارات المعرفية العالية المستوى مثل مهارات اتخاذ القرار والتخطيط على نحوٍ خاص بزيادة تراكيز ثاني أكسيد الكربون (1).

وقد تكون هناك طرائق عديدة للتكيف مع التراكيز المتزايدة لثاني أكسيد الكربون في الأماكن الداخلية، ولكن أفضل طريقة لمنع هذه المستويات من الوصول إلى الحدود الضارة هي تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري (1).

وفي الحقيقة فقد وجد الباحثون أنه عند التراكيز التي تقارب 1400 جزء في المليون لثاني أكسيد الكربون قد تنخفض قدرتنا الأساسية على اتخاذ القرار بنسبة 25%، والتفكير الاستراتيجي المعقد بقرابة 50% (1).

تؤدّي الأنشطة البشرية إلى ارتفاع تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البشرية، وتعد ظاهرة الاحترار العالمي إحدى أهم الآثار المتوقعة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النشاط البشري (1).

ومع ذلك فقد كشفت الدراسات التجريبية الحديثة في مجال جودة الهواء الداخلي وعلم النفس الإدراكي وعلم الأعصاب عن ارتباط مباشر وملحوظ بين مستويات ثاني أكسيد الكربون في الأماكن الداخلية والوظيفة المعرفية (1).

وقد لُوحِظ أن ثاني أكسيد الكربون في المباني ينتج عن مزيج من العمليات مثل تسرب غاز ثاني أكسيد الكربون من الخارج إلى الداخل، أو دخوله مع نظام التهوية، وإنتاج ثاني أكسيد الكربون من قِبل قاطني المبنى في أثناء عملية الزفير، وعموماً؛ تُقارب التراكيز الداخلية النموذجية لثاني أكسيد الكربون المستوياتِ الخارجية إذا كان المبنى غير مزدحم نسبياً، في حين تكون الداخلية أعلى بكثير إذا كان المبنى مزدحماً وفقير الإمداد بالهواء الخارجي (1).

يمكن تجنب تأثير غاز CO2 في الوظائف الإدراكية مثلاً على نحوٍ كاملٍ تقريباً عن طريق تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وهو ما تنص عليه الأهداف العامة لاتفاقية باريس (Paris Agreement) التي قدّمتها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) (1). 

كيف يمكن أن يؤدي ثاني أكسيد الكربون إلى هذه الاضطرابات المعرفية؟

تؤدي المستويات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون في الهواء إلى تقليل عملية نقل الغازات في الجسم وزيادة ثاني أكسيد الكربون في الحويصلات الرئوية، والذي ينتشر في الدم عابراً الحاجز الدموي – الدماغي (2,3).

ترتبط زيادة ثاني أكسيد الكربون في الدم (hypercapnia) داخل الدماغ بانخفاض الأوكسجين (نقص الأكسجة)، وهو أمر بالغ الأهمية لوظائف الدماغ ونشاطه الذي يشير إلى انخفاض الإثارة (التنبيه) والانفعال (4).

من المعروف أن ثاني أكسيد الكربون يزيد من النعاس والقلق، وكلٌّ بدوره يضرُّ بالوظيفة الإدراكية المعرفية (5).

* التركيز ppm (جزء في المليون Part Per Million) هو من وحدات قياس التركيز ويعبَّر عنه في الشروط النظامية (ضغط 1) :

- في التربة بكمية 1 ميلي غرام\ 1 كيلو غرام.

- في المياه بقرابة 1 غرام\ متر مكعب أو 1 ميلي غرام\ 1 ليتر.

- في الهواء بقرابة 1 ميلي غرام\ متر مكعب (6).

** تتراوح تراكيز الهواء الخارجي عادةً من 320 إلى 400 جزء في المليون، وتعد التراكيز مقبولةً حتى 700 - 800 جزء في المليون، ويرتفع التركيز ليتراوح بين 2000 - 5000 جزء في المليون في الأماكن المزدحمة والفقيرة التهوية (7).

المصادر:

1. Karnauskas K, Miller S, Schapiro A. Fossil Fuel Combustion Is Driving Indoor CO2 Toward Levels Harmful to Human Cognition. GeoHealth [Internet]. 2020 [cited 13 February 2021];4(5):e2019GH000237. Available from: هنا  
2. Shriram S, Ramamurthy K, Ramakrishnan S. Effect of occupant-induced indoor CO2 concentration and bioeffluents on human physiology using a spirometric test. Building and Environment [Internet]. 2019 [cited 13 February 2021];149:58-67. Available from: هنا  
3. Azuma K, Kagi N, Yanagi U, Osawa H. Effects of low-level inhalation exposure to carbon dioxide in indoor environments: A short review on human health and psychomotor performance. Environment International [Internet]. 2018 [cited 13 February 2021];121:51-56. Available from: هنا  
4. Xu F, Uh J, Brier M, Hart J, Yezhuvath U, Gu H et al. The Influence of Carbon Dioxide on Brain Activity and Metabolism in Conscious Humans. Journal of Cerebral Blood Flow & Metabolism [Internet]. 2010 [cited 13 February 2021];31(1):58-67. Available from: هنا  
5. Zhang X, Wargocki P, Lian Z. Effects of Exposure to Carbon Dioxide and Human Bioeffluents on Cognitive Performance. Procedia Engineering [Internet]. 2015 [cited 13 February 2021];121:138-142. Available from: هنا  
6. Boguski TK. Understanding Units of Measurement. Center for Hazardous Substance Research. 2006;2. Available from: هنا 
7. Alberts W. Indoor air pollution: NO, NO2, CO, and CO2. Journal of Allergy and Clinical Immunology [Internet]. 1994 [cited 13 February 2021];94(2):289-295. Available from: هنا