الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

الأعمال المنزلية؛ فرضٌ من السلطة الأبوية على النساء

إنَّ العمل المنزلي نوعٌ من الاستلاب الاقتصادي للنساء؛ إذ تتعرض المرأة لعملية تبخيسٍ دائمٍ لجهدها، مما يسمح للرجل باستغلال هذا الجهد دون مقابلٍ أحيانًا، وبمقابلٍ هزيلٍ أحيانًا أخرى. وإنَّ هذا الأمر ما هو إلا نتاج عملية تشريطٍ اجتماعيةٍ تخضع لها المرأة منذ نعومة أظافرها؛ إذ تُحرَم من فرص الارتقاء النفسي والذهني وفرص التقدم المهني كلِّها من خلال سجنها في البيت، وفرض مُهمات المنزل عليها، بينما يحتفظ الرجل بالأعمال ذات القيمة مترفعًا عن أعمال المنزل التي تستنزف كيان المرأة بحجة أنه معيل الأسرة.

ويُفرَض على النساء أن يكنَّ المسؤولات عن الأعمال المنزلية وأن يبقين في خدمة الأسرة حتى حين يعملن خارجًا؛ الأمر الذي قد يؤثر بدرجةٍ أكبر في معاناة النساء من أعمال المنزل أكثر من الرجال (1).

وازدادت مشاركة النساء في سوق العمل في العقود الأخيرة كثيرًا، ولكن بالمقابل لم تزددْ مشاركة الرجال في أعمال المنزل في المقدار ذاته، وترجع أسباب تقسيم العمل المنزلي بين الشريكين إلى أنَّ الشريك الذي يحصل على مدخولٍ ماديٍّ أعلى يقضي وقتًا أقل في الأعمال المنزلية، أو الذي لديه وقت فراغٍ أكبر يعمل في المنزل، وذلك يرجع إلى النظرة التقليدية للأدوار الجندرية بأن الرجل يعمل في الخارج والمرأة تعمل في المنزل (2)، ولكن أثبتت الدراسات الحديثة أنه على الرغم من عمل المرأة في وظائفَ ذات رواتبَ عاليةٍ أو تستغرق وقتًا أطول؛ تستمر الفروق الجندرية في العمل المنزلي (3).

ويتجه تقليدٌ واسعٌ نحو دراساتٍ مختصةٍ بالعلاقة بين العمل والمنزل؛ إذ لا ينحصر تأثير الضغوطات النفسية والاجتماعية في العمل ضمن مجال العمل ذاته؛ بل إنه يمتد أيضًا إلى الحياة الشخصية مما يؤدي إلى نشوء صراعٍ بين العمل والأسرة، وقد يواجه الأفراد تضاربًا بين أدوارهم في العمل والمنزل إما بسبب ضيق الوقت، وإما بسبب التوتر والضغط العالي الذي قد يمرون به، وقد تُساهم التوقعات السلوكية التنافسية بدوْرٍ في ذلك أيضًا. وأظهرت بعض الأبحاث أن ضغط الدَّوْر الذي يؤديه الشخص في العمل أو المنزل يولِّد عواقبَ سلبيةً على المجال الآخر. لذا فإن فعالية الدور المنزلي ستخلق صعوباتٍ للمساهمة الفعالة في العمل، الأمر الذي ينتج عنه الصراع بين المنزل والعمل. وتعيق درجة المشاركة في مجال العمل الأداءَ الذي يُظهره الفرد بدوره داخل الأسرة أيضًا، مما يؤدي إلى احتدام الصراع القائم على الإجهاد، والوقت بين العمل والمنزل، وقد أثبتت الدراسات والإحصائيات أنَّ مستوى تأثير العمل المنزلي في التطور الوظيفي يرتفع لدى النساء أكثر منه عند الرجال، بما في ذلك رعاية الأطفال، إذ تقضي النساء ضعف الوقت تقريبًا في العمل غير مدفوع الأجر (1).

قد يؤدي هذا الانخراط الأكبر للمرأة في محيط أسْرتها والتأثير المتداخل للمهامِّ المنزلية على العمل إلى زيادة الخلافات الزوجية، ولا يبذل الرجال مع ذلك جهدًا أكبر بالمساهمة في الأعمال المنزلية عندما تتراكم ضغوط العمل على زوجاتهم حين يُضطررن أحيانًا بسببها إلى إكمالها في المنزل (1).

وتُحَدد (الأيديولوجية الجندرية - Gender Ideology) -التي تُعرَّف على أنها المعتقدات والقيم المُتفَق عليها في مجتمعٍ ما حول ما هو مناسب للرجال أو النساء- الطرائقَ التي يحكم بها مجتمعٌ معينٌ أو يقيِّم "السلوكَ السليم" للرجل أو للمرأة (1).

ويفترض الدور الجندري التقليدي أنَّ العمل والسعي نحو المنفعة مجالاتٌ أكثر أهمية للرجال منها للنساء، في حين تُعدُّ الواجبات المنزلية والملكات التعبيرية أكثر أهميةً بالنسبة للنساء (1)، ولكن اختلاف الناس في تأييدهم للأدوار الجندرية التقليدية يؤثر في تجاربهم وتوقعاتهم للمساواة الأسرية، وإن رفضها سيمنح الشريكين مساواةً أكبر في تقسيم أعمال المنزل بينهما (3)، ولكن ذلك يتعلق بعمر الشريكين أيضًا؛ إذ يميل الشركاء في الجيل الأقدم إلى الأدوار التقليدية (2).

وإن تلك الأدوار التقليدية ليست إلا نتيجةً للتنميط الجندري من خلال إطلاق تعميماتٍ غير مُبررَّةٍ وتأويلها إلى مجالاتٍ أوسع. ففي حين تُعدُّ فكرة أن النساء عمومًا أقصر من الرجال حقيقة؛ لكنه ليس أمرًا واضحًا ما إذا كانت النساء أكثر عطفًا أو حنانًا من الرجال، وبذلك عليهن رعاية الأطفال؛ لأن معظم المجتمعات تعلِّم الفتيات منذ نعومة أظافرهن على أن يكنَّ عاطفياتٍ (4). وحتى وإنْ لم تخضع النساء سابقًا لهذا التنميط الاجتماعي الذي عُمِّمَ عليهن، بل ناضلن في سبيل التحرر من هذه القيود كلٌّ بطريقتها. ومن أبرزهنَّ الفيلسوفة الوجودية الفرنسية "سيمون دي بوڤوار - Simone De Beauvior" التي سعت بأعمالها المختلفة إلى الدفاع عن حق المرأة في الحصول على الحرية والمساحة التي يحصل عليها الرجال. وفي كتابها (مذكَّرات فتاةٍ رصينةٍ - Memoirs of a Dutiful Daughter)، تُسلِّط "دي بوڤوار" الضوْء على العملية الطويلة التي تمر بها الفتاة لتصبح أنثى، إضافةً إلى الطريقة المعقدة التي يكتسب من خلالها الأطفال إحساسًا مبكرًا بالآثار الاجتماعية المرافقة لجنسهم (5).

المصادر:

1. Cerrato J, Cifre E. Gender Inequality in Household Chores and Work-Family Conflict. Frontiers in Psychology [Internet]. 2018;9(1330). Available from: هنا

2. Voicu M, Voicu B, Strapcova K. Housework and Gender Inequality in European Countries. European Sociological Review [Internet]. 2008;25(3):365-377. Available from: هنا

3. Fetterolf J, Rudman L. Gender Inequality in the Home: The Role of Relative Income, Support for Traditional Gender Roles, and Perceived Entitlement. Gender Issues [Internet]. 2014;31(3-4):219-237. Available from: هنا

4. Bruce S, Yearly S. Gender Stereotyping. The Sage Dictionary of Sociology. 1st ed. London: Sage Publications; 2006. p. 121.

5. Turner B. Gender. The Cambridge Dictionary of Sociology. 1st ed. New York: Cambridge University Press; 2006. p. 229.