الطبيعة والعلوم البيئية > عجائب الأحياء

نحلٌ مصابٌ بفيروس قاتل؛ تباعدٌ اجتماعي في خليته وحصان طروادة في خلايا الجوار

يواجه نحل العسل العديد من التحديات البيئية مثل التلوث والمبيدات الكيميائية وفقدان التنوع النباتي والأكاروسات المتطفلة أو حتى العوامل الممرضة كالفيروسات وغيرها؛ التي يسهم أسلوبُ حياة النحل في تفشيها (1)؛ إذ يعيش النحل ضمن مستعمراتٍ بأعدادٍ كبيرةٍ وظروف ازدحام، علاوةً على ذلك يملك نحل العسل أجهزةً مناعيَّةً ضعيفةً مقارنةً بالحشرات الأخرى، ويعتمد بدلاً من ذلك على مجموعةٍ من السلوكيات الصحية الاجتماعية مثل: الاستبعاد، وإزالة اليرقات المريضة والتباعد (2).

ومن المشكلات الخطيرة التي يمكن أن تصيب النحل، فيروس الشلل الحاد القاتل (IAPV)، وهو فيروس شائع يصيب النحل عن طريق الطعام لينتقل إلى الخلايا الظهارية للأمعاء (1)، ويسبب هذا الفيروس موت عاملات النحل بأعدادٍ كبيرةٍ فيما يسمى اضطراب انهيار مستعمرات النحل (CCD) الذي سبب خسارة 50-90% من خلايا تربية النحل في الولايات المتحدة الأمريكية (3).

وُجد في دراسة جديدة أجريت على نحلٍ مصابٍ بهذا الفيروس أن النحل مارس التباعد الاجتماعي؛ إذ لوحظ انخفاضٌ كبيرٌ في حالات التلامس بين النحل المصاب بالفيروس والنحل السليم ضمن الخلية الواحدة. على العكس من ذلك، ازدادت قدرة أفراد النحل المصابة على تخطي النحل الحارس للخلايا الأخرى، ما دفع العلماء للافتراض أن الفيروس قد طور طريقةً للانتشار إلى خلايا مجاورةٍ سليمة؛ أي إن الفيروس يغير سلوك النحل بطريقةٍ ما للتغلب على الاستجابات الدفاعية الطبيعية للنحل (2، 4).

استعان الباحثون في هذه الدراسة بنظامٍ حاسوبيٍّ متطورٍ قادرٍ على تتبع سلوك أعدادٍ كبيرةٍ من أفراد النحل في الوقت نفسه، وذلك عن طريق لصق رمز باركود (QR) على ظهر كل نحلة لتمييزها عن غيرها وتعقبها عن طريق كاميرات تلتقط هذه الرموز (الشكل 1)، وراقب الباحثون باستخدام هذا النظام إحدى السلوكيات الاجتماعية الهامة عند نحل العسل وهي تبادل الغذاء (Trophallaxis)، تعمل فيها أفراد النحل على إطعام بعضها بعضًا عن طريق الفم، ويرافق العمليةَ تبادلُ إفرازات ومركبات كيميائية وهرمونية تحمل معلوماتٍ إلى أنحاء الخلية، أي تخدم بكونها وسيلة انتقال للغذاء والتواصل ضمن الخلية (2، 4). 

استخدم الباحثون هذا النظام الآلي لتتبع سلوك 90-150 نحلة مصابة بالفيروس أطلقت في خلايا نحل تجريبية، ومن أجل المقارنة أطلقت مجموعة أخرى من أفراد النحل بعد تحفيز جهازها المناعي لتقليد العدوى بالفيروس، وتبين للباحثين أن النحل المصاب والنحل الذي أثير جهازه المناعي قد نبذه الأفراد الأخرى السليمة ضمن خليتها الأم عندما حاول إجراء عملية التبادل الغذائي (Trophallaxis) معها (2، 4).

على العكس تماماً، عندما وضع الباحثون أفرادَ نحل مصابةً في خلايا مع نحل حارس من خلايا أخرى، أجرى النحل المصاب عملياتِ تبادل غذائي (Trophallaxis) أكثر معها. علاوة على ذلك، كان احتمال سماح حراس الخلايا الأخرى بدخوله ضعفا احتمال السماح بدخول نحل سليم غريب؛ أي إن الفيروس يحدث تغييراً عضوياً أو سلوكياً في النحل المصاب لجعله أكثر قبولاً لدى حراس الخلايا الأخرى (2، 4). 

شك الباحثون في أن هذا التغيير يكمن في الروائح التي تغطي جسم النحل وهي تفيد في تعرف النحل بعضه على بعض ويستخدمها الحراس لتمييز العدو من الصديق. وللتأكد من ذلك، حلل الباحثون التركيب الكيميائي للهيدروكربونات التي تغطي جدار الجسم الخارجي للنحل وتعمل بوصفها إشاراتٍ اجتماعيةً تعرف هوية النحل، ليكتشفوا اختلافاً في هذه المركبات بين النحل المصاب بالفيروس والنحل السليم، أي أن الفيروس سبب تغير رائحة النحلة المصابة ليسهل دخولها إلى خلايا أخرى غريبة. ولاحظ الباحثون تغيراً آخر في سلوك النحل المصاب، إذ لوحظ أن النحل المصاب يصبح أكثر خضوعاً عند تعامله ومناورته للحراس العدائيين ويشارك طعاماً أكثر معهم عند اقترابهم (2، 4).

تخطي النحل المصاب لحراس الخلايا الغريبة بسهولة يتكامل مع ما وجد في دراسات سابقة في أن أفراد النحل المصابة يزيد احتمال ضياعها في أثناء عودتها إلى خليتها الأم بعد رحلة البحث عن الطعام، وبالنتيجة تزيد إمكانية دخولها خلايا أخرى، الأمر الذي يزيد من فرص انتشار الفيروس ضمن الخلايا المجاورة السليمة (2، 4).

إن هذه النتائج تؤكد لنا وجوب إجراء تباعد للخلايا عن بعضها ضمن المناحل والمزارع لتجنب انتشار الأوبئة والأمراض فيما بينها، خاصَّةً أن نحل العسل يعد من أكثر العوامل المساهمة في إلقاح أزهار المحاصيل الزراعية، إذ تقدر مساهمة نحل العسل في إنتاج الغذاء في الولايات المتحدة الأمريكية بقرابة الثلث، أي ما يعادل 15 مليار دولار (1).

الشكل (1): عاملات نحل العسل مزودة برموز باركود (QR) في أثناء إجراء عملية التبادل الغذائي (Trophallaxis).

المصادر:

1. Li S. Putative receptor for Israeli acute paralysis virus of the honey bee (Apis mellifera) [Internet]. Iowa State University; 2017 [cited 2021 Jan 30]. Available from: هنا

2. Geffre A, Gernat T, Harwood G, Jones B, Morselli Gysi D, Hamilton A et al. Honey bee virus causes context-dependent changes in host social behavior. Proceedings of the National Academy of Sciences [Internet]. 2020 [cited 4 February 2021];117(19):10406-10413. Available from: هنا

3. Virus Implicated In Colony Collapse Disorder In Bees [Internet]. [cited 2021 Jan 30]. Available from: هنا

4. Researchers Find Bee Virus Spreads by Altering Honey Bees’ Social Distancing Behavior [Internet]. 2020 [cited 2021 Jan 29]. Available from: هنا