كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية حكواتي الليل؛ حكاياتٌ في السبعين من عمرها

يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

رفيق شامي الاسم المُستعار للكاتب سهيل فاضل. ولد  سهيل فاضل في مدينة دمشق، حصل على شهادة البكالوريوس من كلية العلوم ثم سافر إلى ألمانيا عام 1971 ودرس في كلية الكيمياء ونال شهادة الدكتوراه، ثم تفرغ للعمل الأدبي في 1982. يُعتبر شامي من أنجح الكُتّاب في ألمانيا فقد تُرجمت أعماله إلى 23 لغة، ومُنح عشرات الجوائز على مدى مسيرته في ألمانيا وخارجها.

تدور أحداث الرواية في الجزء القديم من مدينة دمشق بين ستينات و خمسينات القرن العشرين. الشخصية الرئيسية  في الرواية سليم المُلقَّب بالعربجي وقد اكتسب هذا اللقب لأنه يعمل على عربة تنقل المسافرين بين دمشق وبيروت. تدور حول شخصية سليم تساؤلات كثيرة؛ فهو يمتلك خيالًا خصبًا ولسانًا حلوًا يسرد بهما مغامرات حصلت وأخرى لم تحصل، وتكمن مهارته في أن المستمع لن يستطيع التمييز بينهما، فهو حكواتي ساحر ومغامراته ترفيهٌ يقدمه العربجي لركابه كي لا يشعروا بوقت الرحلة، ثم تتحول تلك الحكايات إلى أسلوب لاصطياد الزبائن وإغرائهم برحلة تمتد حدودها أبعد من المسافة التي تفصل بيروت عن دمشق. ومع تقدم سليم في السن لم يتمكن من الاستمرار بعمله عربجيًا إلا أنه احتفظ بموهبة سرد الحكايات والمغامرات، ويمتلك سليم موهبة أخرى فريدة من نوعها، وهي شفاء طيور السنونو المريضة، وهذه الموهبة سر غامض آخر يحوم حول سليم العربجي.

يُبدع الكاتب في وصف مدينة دمشق القديمة، فيظهرها مدينةً سحرية خرجت من مصباح علاء الدين بعد مسح الغبار عنه، وفتاةً فائقة الجمال تبللت بعرقها البشري بعد سيرها تحت أشعة الشمس الحارقة صيفًا وكان ذلك العرق عطر الورد الجوري. ويصف الكاتب دمشق أنها لا تتعطر بياسمينها في الربيع فحسب، بل بروائح آلاف التوابل التي تفترش عشرات محلات الأسواق المسقوفة، مشبِّهًل التوابل بكلمات الحكايات التي تضيف لمسة خاصة لأحداث الرواية كما تضيف التوابل طعمًا إضافياً لذيذًا للمأكولات بشرط عدم الإفراط في استخدامها.

تجمع سليم صحبة متينة مع ستة أصدقاء، جميعهم في السبعينات تقريبًا وهم: عليّ، حدادٌ، ومهدي، مدرّس سابق لمادة الجغرافيا، وموسى، حلاقٌ، وفارس، وزيرٌ سابق للمالية، وتوما، مُغتربٌ عاد للوطن منذ عدة سنوات، ويونس، قهوجيٌّ كان مقهاه مكان لقاءاتهم، أما أصغر المُجتمعين معهم فكاتب هذه الرواية عندما كان طفلًا صغيرًا مُلازمًا لسليم بطل الرواية.

الحدث الرئيسي في الرواية فقدان سليم الحكواتي لصوته على نحوٍ مريب؛ يتبين لاحقًا أن سليم فقد صوته لأن جنية سرقته منه. تترك له الجنية أحجية وتمنحه ثلاثة أشهر ليحلها ويستعيد صوته، وإن لم يحلها فلن يستعيد صوته مطلقًا. ما جعله هو وأصدقاءه يدخلون في حيرة من أمرهم محاولين استعادة صوته. يحاولون جهدهم فك تلك الشيفرة دون أن ينجحوا بذلك، فيصيبهم الارتباك والحزن لأن صديقهم أضحى أبكمًا. لكنَّ اليأس لم يعرف طريقًا إليهم، فكلما جربوا حلًّا وبدا فاشلًا، كانوا يبتكرون حلًّا آخر لعلَّه ينفع صديقهم التعيس ويعيده إلى سرد حكاياته.

وبعيدًا عن الحكايات والجنيّات يظهر بين سطور الرواية التوجه السياسي للكاتب، فهو لم يترك مناسبة دون أن يظهر نقده اللاذع لحال البلاد في تلك الفترة فقد سخر باستمرار من الحكومة وقرعها بأشد الألفاظ، وأبدى حزنه على حال الناس الذين قُطعت ألسنتهم حين أُجبروا على السكوت خوفًا من أجهزة المخابرات التي وصلت إلى سوريا بُعيد الوحدة مع مصر. انفضت الوحدة بين الدولتين لكن تلك الأجهزة لم ترحل، بل أطبقت طوقها على الناس جميعهم.

استخدم الكاتب أسلوبًا لا يقل سحرًا عن حكايات رواياته وشخصياتها، وتظهر البراعة بلا شك في عملية الترجمة، فالرواية كُتبت باللغة الألمانية وتُرجِمت بالمساعدة مع معهد غوته فخرجت بإتقان مُذهل في استخدام بعض الكلمات العامية في مواضعها، والإبقاء على بعض المُصطلحات الدمشقية، وهذا ليس سهلًا بالتأكيد. على الرغم من أن الرواية كُتبت عن دمشق بلغة أجنبية، إلا أنها كانت ساحرة، ثم جاءت الترجمة لتزيد سحر الرواية درجاتٍ ودرجات.  

معلومات الكتاب