البيولوجيا والتطوّر > أبحاث السرطان

الخطواتُ الأولى لتطور سرطان الجلد، وتأثير الطفرات الناتجة عن التعرض للأشعة فوق البنفسجية

يُعَدُّ حدوثُ الطفرات في الحِمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA) أمرًا لا مفر منه؛ فعلى الرغم من الكفاءة العالية للآليات الخلوية المسؤولة عن إصلاح هذه الأخطاء، إلا أن الطفرات تتراكم في خلايا جسمنا مع التقدم في السن. من الممكن أن تنقسم الخلايا الحاوية على طفرات لتشكل مجموعة أو نسيلة (clone) من الخلايا الطافرة، وبالتالي يتشكَّل في جسمنا مجموعات من الخلايا ذات حِمض نووي مختلف عن الخلايا الأخرى، وقد تساهم هذه الخلايا في تطور عديدٍ من الأمراض المرتبطة بالسرطان والتقدم في السن (1). 

تُعَدُّ دراسةُ آلية تراكم الطفرات في الخلايا عمليةً مهمةً جدًّا لفهم آلية تطور السرطانات؛ ولنتمكن من فهم مدى انتشار الطفرات في خلايا الجسم، عمدَت مجموعة من الباحثين إلى سَلسَلة الـ DNA المُستخلَص من خزعات صغيرة من بشرة الجلد، التي تتعرض باستمرار للأشعة فوق البنفسجية المسؤولة عن إحداث الطفرات. 

كشفت هذه الدراسة أن الخلايا الطبيعية قد تحتوي عددًا كبيرًا جدًّا من الطفرات مشابه للعدد الذي يوجد في عديدٍ من السرطانات. إضافةً إلى ذلك، وجد الباحثون أن بشرة الجلد المعرضة للشمس تحتوي على آلاف النسائل الخلوية؛ تمتلك كلٌّ منها طفرات مختلفة، ولدى أكثر من ربع هذه الخلايا طفراتٍ مولِّدةً للسرطان، ومع ذلك فهي قادرة على الحفاظ على وظائفها الفيزيولوجية دون تحوّل سرطاني.

لكن؛ نظرًا إلى أن البشرة تتكوَّن من مجموعات مختلفة من الخلايا أكثرها عددًا هي الخلايا الكيراتينية keratinocytes (95% من خلايا البشرة)، فإن الطفرات التي كُشِف عنها في هذه الدراسة هي بالأساس الطفرات الموجودة في الخلايا الكيراتينية والتي تتطور منها سرطانات الجلد الشائعة والقابلة للعلاج (2). عند تعرض الخلايا الكيراتينية لجرعات عالية من الأشعة فوق البنفسجية يتفعل فيها سبيل p53 المحرِّض للاستماتة وذلك يفسِّر تقشُّر طبقاتٍ من بشرة الجلد بعد الإصابة بالحروق الناتجة عن التعرض الطويل لأشعة الشمس (3). أما بالنسبة إلى الميلانوما وهو نوع عدائي نادر من سرطان الجلد؛ فهو ينشأ من الخلايا الصباغية (melanocytes) والتي تشكِّل نسبةً صغيرةً جدًّا من خلايا بشرة الجلد.

 تُنتِج هذه الخلايا القليلة العدد الميلانين الذي يعطي الجلد لونه ويحميه من أشعة الشمس، وتنتشر متفرقةً في بشرة الجلد؛ الأمر الذي يجعل دراستَها وسَلسَلة الجينوم الخاص بها من الصعوبة بمكان؛ مما شكَّل عائقًا أمام فهم الخطوات الأولى لتطور الميلانوما.

لكن مع تطور التقنيات البحثية؛ تمكن باحثون في دراسة أجريَت حديثًا من سَلسَلة الجينوم في 133 خلية صِباغية مأخوذة من أشخاص سليمين وأشخاص مصابين بالميلانوما، كل خلية على حدة. كشفت هذه الدراسة أن عدد الطفرات يختلف باختلاف موقع الخلية الصباغية، وكما هو متوقَّع؛ فإن الخلايا الصباغية الموجودة في مناطق محمية من أشعة الشمس تمتلك عدد طفرات أقل من الخلايا الصباغية الموجود في مناطق معرضة لأشعة الشمس. لكن؛ من النتائج المفاجئة لهذه الدراسة أن المناطق التي تتعرض لأشعة الشمس باستمرار (الوجه مثلًا) تحتوي عددًا أقل من الطفرات، بالمقارنة مع المناطق التي تتعرض لأشعة الشمس بصورة متقطعة (مثل اليدين والظهر).

وجدت الدراسة أيضًا أن الخلايا الصباغية، التي تتوضع بالقرب من خلايا سرطان الجلد، تمتلك عددًا أكبر من الطفرات بالمقارنة مع الخلايا المأخوذة من متبرعين سليمين. وبذلك قد تكون دراسة الطفرات في الخلايا الصباغية مفيدةً لقياس الضرر التراكُمي الناتج عن أشعة الشمس وتقدير خطر سرطان الجلد (4).

المصادر:

1- Risques RA, Kennedy SR. Aging and the rise of somatic cancer-associated mutations in normal tissues. PLoS genetics. 2018 Jan 4;14(1):e1007108. هنا
2- Martincorena I, Roshan A, Gerstung M, Ellis P, Van Loo P, McLaren S, Wedge DC, Fullam A, Alexandrov LB, Tubio JM, Stebbings L. High burden and pervasive positive selection of somatic mutations in normal human skin. Science. 2015 May 22;348(6237):880-6. هنا
3- Ziegler A, Jonason AS, Leffellt DJ, Simon JA, Sharma HW, Kimmelman J, Remington L, Jacks T, Brash DE. Sunburn and p53 in the onset of skin cancer. Nature. 1994 Dec;372(6508):773-6. هنا
4. Tang J, Fewings E, Chang D, Zeng H, Liu S, Jorapur A et al. The genomic landscapes of individual melanocytes from human skin. Nature. 2020;586(7830):600-605. هنا