الموسيقا > الموسيقا والطب

علاج التوحُّد بالموسيقا

مكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

مِن المستحيل أن تجد شخصًا لم تُؤثِّر به الموسيقا أو تترك انطباعًا لديه، حتى لو لم يكن لديه أي تدريب موسيقيٍّ أو موهبة موسيقيَّة. ولذلك؛ استُخدِمَتْ الموسيقا مُنذ قديم الأزل وسيلة علاجية؛ فالموسيقا تؤثِّر في فَصيِّ الدماغ الأيمن والأيسر معًا، بما في ذلك المناطق المسؤولة عن الإدراك والإحساس والحركة والعاطفة.

وتبعًا لطبيعة الموسيقا الجذَّابة وتنوُّع أشكالها؛ أصبحت وسيلةً فريدة وفعالة في عملية التعافي، واعتُمدَت جزءًا من خطة العلاج لعديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية عن طريق تحسين عديد من المهارات مثل التواصل والقدرة على التفاعُل مع المجتمع (1-3).

يُمكِن عادةً تشخيص التوحُّد في خلال السنواتِ الثلاث الأُولى من الحياة؛ ويُعرَفُ بأنه خللٌ شديد التعقيد يُؤثِّر في تنمية القدرات الاجتماعية واللفظية والمعرفية. يُمكِن لهذا الاضطراب أن يُؤثِّرَ في الطريقة التي يتواصل بها الأشخاص مع مَن حولِهم؛ إذ يُعاني واحدٌ من كل ثمانية وستين أمريكيًّا تقريبًا من أحد أشكال التوحُّد، وهو ليس بشيءٍ يُمكننا تجاوزه، والتشخيصُ المبكِّر يعني أن هناك فُرصة أفضل للعلاج، فإن معظم إستراتيجيات التدخُّل الحالية تستهدف الأطفال الأقل من 6 سنوات لتعزيز التغيير السلوكي المبكِّر (5،4).

يُمكِن تقسيم طرائق التدخل المُستَخدمة في العلاج بالموسيقا إلى تقنيات تفاعل واستقبال؛ فعندما يؤدي شخصٌ ما أداءً موسيقيًّا، سواء عن طريق الغناء أم العزف أم حتّى التأليف والارتجال، فإن هذا الشخص يستخدم تقنيات نَشِطة، ومن ناحيةٍ أخرى؛ تتضمن التقنيات الاستقبالية الاستماعَ إلى الموسيقا وتكوين استجابة لها، مثل الرقص أو تحليل كلمات الأغاني. 

غالبًا ما يُجمعُ بين التقنيات النشطة والاستقبالية في أثناء العلاج، ويُستخدَم كلاهُما نقطة انطلاق لتقييم المشاعر والقيم والأهداف (2).

يُمكِن إجراء العلاج بالموسيقا فرديًّا أو جماعيًّا، ويختار الموسيقا المُعالج أو الشخص الذي يتلقَّى المعالجة. ولكن المُعالِج لا بدَّ أن يتأكد من أنَّ الموسيقا المُستَخدمة تُلبِّي احتياجات الفرد من العلاج وأهدافه (3).

أحد الأسباب التي جعلت الموسيقا أداةً مُستَخدمة في علاج التوحُّد هو أنها يُمكن أن تحفِّز نصفيِّ الكرة المخيَّة، وليس فقط نصفًا واحدًا. 

هذا يعني أنه يمكن للمُعالِج استخدام أغنية أو آلة موسيقيَّة لدعم النشاط المعرفي لبِناء الوعي الذاتي وتحسين القدرة على تكوين علاقات مع الآخرين؛ إذ تُشجِّع الموسيقا التفاعل والتواصل، وهو أحد الصعوبات التي  ُيواجهها الأطفال المصابون بالتوحُّد. 

وبالنظرِ عن قُرب إلى الطريقة التي تعمل بها الفرق الموسيقية؛ فمن الواضح أن الآلات يجب أن تتناغم مع بعضها، لكن الطفل الذي يخضع للعلاج يحتاج فقط إلى التفاعل مع آلته في البداية؛ إذ إنه من الصعب للأطفالِ الذين يُعانون التوحُّد التفاعلَ مع الأخرين، ولكن بعد اعتيادهم على هذه الآلة قد يستطيعون التفاعل مع غيرهم من الأطفال (4).

هل تعمل هذه التقنيات بالفعلِ مع الأفراد المُصابين بالتوحُّد؟

الجواب على هذا السؤال هو "نعم"؛ إذ دعمت دراساتٌ عِدة فكرة أنَّ العلاج بالموسيقا عامةً ناجح في مساعدة الأفراد المصابين بالتوحُّد في الوصول إلى أهدافهم. إذ أُقيمت تجربةٌ عشوائية مُنظَّمة 

(randomised controlled trials) في جامعة ماكجيل في كندا بين مجموعتين من الأطفال المصابين بالتوحُّد؛ الأولى خَضعت إلى (8-12) أسبوعًا من التدخل الموسيقيّ، والثانية لم تخضع له. أظهرت هذه الدراسة أن المجموعة التي خضعت للعلاج بالموسيقا كان الاتصال الوظيفي للدماغ في حالة الراحة أكبر مقارنةً بالمجموعة التي لم تخضع له. 

ووَجدت غالبية هذه الدراسات أن المشاركين المصابون بالتوحُّد قد حققوا أهدافهم الأساسية في غضون عامٍ واحد من بَدءِ العمل مع المُعالج. 

إضافة إلى أنَّ هذا العلاج قابل للانتقال إلى حيِّز أكبر؛ أي من الجلسات الفردية إلى تدخُّل الأسرة فالمدرسة ثم المجتمع؛ مما يعودُ بالنفع الكبير على الأطفال، فعادةً ما يتعاون المُعالج الموسيقيّ مع أولياء الأمور والمعلمين لتحديد هذه الأهداف الأساسية.

وبعد تحقيق هذه الأهداف، يضع المُعالِج أهدافًا جديدةً لتعزيز قدرات هؤلاء الأطفال وتطوير مزيد من مهاراتِهم.

يتوقعُ معظم الناس أنَّ العلاج بالموسيقا يُعزِّز القدرات الموسيقية للطفل، ولكن ما يميِّزه هو أنه يؤثر في مهاراته السلوكية والاجتماعية وقدرته على التواصل أيضًا.

في الواقع، ركَّزت أكثر الأهدافُ أنموذجية الموجودة في هذه الدراسات على تحسين المشكلات السلوكية، وتعزيز التفاعل الاجتماعي وقدرات التواصل.

وعلى الرغم من كفاءةِ العلاج بالموسيقا لتحسين عديد من القدرات لدى المصابين بالتوحُّد إلا أنه يبقى علاجًا مُتمِّمًا يرافق العلاج السلوكي ويُزيد من وَتيرة التحسُّن (5،3).

المصادر:

1. Publishing H. How music can help you heal - Harvard Health [Internet]. Harvard Health. 2016 [cited 25 December 2020]. Available from: هنا

2. Help G, Professionals F, Listed G, Help G, Professionals F, Therapist F et al. Music Therapy [Internet]. Goodtherapy.org. 2015 [cited 25 December 2020]. Available from: هنا

3. Series: The Potential Power of Music Therapy within the Autism Community – Voices Together: Music Therapy and Autism in Schools [Internet]. Sites.duke.edu. [cited 25 December 2020]. Available from: هنا

4. The Benefits Of Music Therapy For Autistic Children [Internet]. NurseJournal. 2020 [cited 25 December 2020]. Available from: هنا

5. Sharda M, Tuerk C, Chowdhury R, Jamey K, Foster N, Custo-Blanch M et al. Music improves social communication and auditory–motor connectivity in children with autism. NCBI [Internet]. 2018 [cited 26 December 2020];. Available from: هنا