كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (قد تكون قصة حب): هل ننسى قصة حب؟

يطرح الكاتب الفرنسي (مارتن باج- Martin Page) في رواية (قد تكون قصة حب) قصةَ فيرجيل، وهو شاب من أصول إسبانية، لوالدين يعملان في السيرك، وقد عاش طفولةً غير مُتَّزنة ينتقل من مدينة إلى أخرى وذلك من أجل خيمة السيرك.

وقد شعر أول مرة بالأمان عندما استقر في باريس وبدأ دراسته الجامعية في كلية الحقوق، ولكنَّه لم ينجح بها، فانتقل إلى دراسة الفلسفة، وبدأ بعد تخرجه بالعمل في وكالة للدعاية والإعلان.

أما الرواية فتبدأ عند عودة فيرجيل من عمله مساءً وتلقِّيه رسالةً على مُجيب هاتفه الآلي من فتاةٍ تُدعى كلارا تخبره بأنَّها ستنفصل عنه وتهجره، فيعيش فيرجيل صدمةً مزدوجةً؛ فهو من جهة لا يعرف من تكون كلارا ولا يتذكرها إطلاقًا، ومن جهة أخرى يعاني ألم الانفصال على الرغم من عدم تذكره لشيء عن هذه العلاقة.

"هناك القليل من التجارب الأليمة التي تضاهي الانفصال.. يعاش الانفصال كاعتداء مدبر بدقة متناهية، لأن القنبلة قد تكون وضعت في قلبنا، يستحيل الإفلات من عنف الانفجار."

ويهرع فيرجيل إلى طبيبته النفسية في غير موعده ليخبرها بأمر الرسالة؛ لاعتقاده بأنَّه مُصاب بفقدان الذاكرة أو مرض ما تسبَّب له بهذا النسيان الغريب، ويطلب منها إجراء بعض الفحوصات لدماغه ليتأكد من سلامته أو يعرف حقيقة مرضه.

ثمَّ يلجأ فيرجيل إلى أصدقائه الذين تختلف قوة علاقته بهم ونوعيتها، ولكنَّهم يواسونه جميعًا لخسارته علاقته العاطفية، ويحاول فيرجيل -في الوقت ذاته- ما يستطيع لتذكر بعض تفاصيل تلك العلاقة؛ أين التقى بكلارا؟ وما لون شعرها؟ ولماذا اختلف معها وتسبَّب بالانفصال عنها؟

فيعيش فيرجيل في هواجس علاقة مبهمة غير واضحة المعالم، ونلاحظ جليًّا كيف فعلت تلك الرسالة فِعْلها في حياته؛ إذ إنَّها قلبت عالمه رأسًا على عقب، وهو الذي اختار أن يعيش حياةً رتيبة وحذرة وخالية من المفاجآت، وبسبب ذلك التغيير يبدأ فيرجيل بترتيب حياته وأولوياته في الحياة، ويقرر أن يستعيد كلارا، ويبدأ بالبحث عنها وتقصي أخبارها مُستخدمًا طرائق وأساليب مختلفة.

يقدم الكاتب هذا العمل بأسلوب كوميدي رومانسي لا يخلو من سخريةٍ في بعض الأحيان، ويطرح وجهة نظره في العلاقات الاجتماعية باختلافها من حب وصداقة وزواج، في دعوة إلى التأمل في مضمون علاقاتنا فيما بيننا، والتعمُّق في ماهية هذه العلاقات؛ فالعزلة -مثلًا- رغبةٌ منَّا بالابتعاد عن الناس للهروب من صخب الحياة بحسب تعبير الكاتب.

أما فيرجيل فله وجهة نظر مختلفة تجاه النساء جميعًا في حياته، وهو لسبب خوفه على حياة والدته في أثناء عملها في السيرك مع والده، نشأت لديه مشاعر مفرطة تجاه النساء من حوله جميعًا، فهو يحب المرأة ومن ثمَّ تصبح صديقته؛ ولذلك، نلاحظ لدى فيرجيل بأنَّ أصدقائه كلهم من النساء فحسب.

ويظهر لنا التناقض الذي يعيشه فيرجيل فهو يمتلك نظرة تشاؤمية للحب وما يتبعه من زواج وإنجاب وصعوبات مادية، لكنه في ذات الوقت يلهث راكضًا خلف علاقة غير موجودة ربما.

"للوقوع في الحب نتائج وخيمة، نخطط لمشاريع مستقبلية، ونقيم معا وأخيرا ذات يوم، يولد أطفال. وبالتالي، بسبب الآجار في باريس، يتعرض الزوجان لخطر الاختفاء في الضواحي".

من جهة أخرى نجد فيرجيل شخصية جدلية وغريبة فهو يرفض ترقية ينالها في عمله إضافة إلى زيادة في مرتبه لكنه لا يريد خسارة عمله، ويرى بأن هذه الترقية هي لنظام يريد السيطرة عليه.

"في الحياة، يجب على المرء أن يجهد في الوقت ذاته لكيلا يخسر ولا يكسب. هذا مران صعب لأن لهذين القطبين قدرة جذب قوية"

في النهاية يتركك الكاتب في حيرة هل عاش فيرجيل قصة حب؟ أم كان يتوهم؟ على الرغم من أن كلارا تلك ذكرت اسمه بنحو صريح في رسالتها التي تركتها له. وأسوأ من تلك الحيرة النهاية المفاجِئة لأحداث الرواية، وكأن الكاتب قد تعمد أن تكون الغرابة الاسم الآخر للرواية.

يمكنكم قراءة مراجعة كتاب (كيف أصبحت غبيًّا) للكاتب مارتن باج هنا

معلومات الكتاب: