الكيمياء والصيدلة > كيمياء

كيمياء الخوف!

يُعدّ الخوف عاطفة إنسانية طبيعية وقوية؛ تشمل استجابة كيميائية حيوية شاملة؛ واستجابة عاطفية فردية عالية. وينبِّهنا الخوف على وجود خطر أو تهديد بالأذية والضرر، سواء كان ذلك الضرر جسديَّاً أو نفسيَّاً (1).

ينبع الخوف من تهديدات حقيقية أحياناً، ولكن يمكن أن ينشأ من مخاطر تخيلية أيضاً، ويمكن أن يكون أحد أعراض بعض حالات الصحة العقلية؛ بما في ذلك اضطراب الهلع واضطراب القلق الاجتماعي وأحد أنواع الرهاب (الفوبيا phobia) واضطراب ما بعد الصدمة (post-traumatic stress disorder (PTSD

(1).

ويتكون الخوف من استجابتين أساسيَّتين تجاه تهديد ما؛ استجابة كيميائية حيوية واستجابة عاطفية.

- الاستجابة الكيميائية الحيوية:

يعد الخوف آلية للبقاء، وتستجيب أجسامنا بطرائق محددة عندما نواجه تهديداً محسوساً؛ فتشمل ردود الفعل الجسدية للخوف التعرق وزيادة معدل ضربات القلب وارتفاع مستويات الأدرينالين التي تجعلنا في حالة تأهب قصوى، وتُعرَف هذه الاستجابة الجسدية أيضاً باسم استجابة "الكر أو الفر" “fight or flight” response؛ إذ يجهِّز الجسم نفسه عن طريقها إما للدخول في القتال أو الهروب (1).

- الاستجابة العاطفية:

تعد هذه الاستجابة شخصية للغاية نظراً لانطواء الخوف على بعض التفاعلات الكيميائية المسؤولة -أيضاً- عن توليد المشاعر الإيجابية في أدمغتنا كالسعادة والإثارة، لذلك قد يكون الشعور بالخوف في ظل ظروف معينة ممتعاً؛ كمشاهدة أفلام الرعب على سبيل المثال. وعلى الرغم من وجود الاستجابة الفيزيائية نفسها؛ فقد يُنظَر إلى تجربة الخوف على أنها إيجابية أو سلبية؛ وذلك حسب الشخص نفسه (1).

تبدأ استجابة الخوف في الدماغ؛ الذي يعد عضواً معقداً للغاية؛ إذ تُشكِّل أكثر من 100 مليار خلية عصبية شبكة معقدة من الاتصالات، وهي -بدروها- تشكل نقطة البداية لكل ما نشعر ونفكر به ونفعله. وتؤدّي بعض هذه الاتصالات إلى تفكير ورد فعل واعيين، في حين يُنتِج البعض الآخر ردود فعل ذاتية، وتُعدّ استجابة الخوف ذاتية بالكامل تقريباً؛ فنحن لا نثيرها بوعينا أبداً (2).

تبدأ كل العملية من المهاد thalamus الذي يمرر المنبهات الخارجية إلى اللوزة amygdala، ويشترك الحصين hippocampus مع القشرة الجبهية prefrontal cortex في المساعدة على تفسير التهديد المُلاحَظ (3).

وبعد تفسير التهديد؛ تنقل اللوزة الإشارة إلى مناطق أخرى من الدماغ؛ مما يطلق الاستجابات المعروفة بالخوف، فتُحفِّز السنجابية المحيطة بالمسال the periaqueductal gray (PAG) -وهي منطقة في الدماغ المتوسط- القفز أو الجمود كاستجابة للخوف. وبالإضافة إلى ذلك؛ تمرر ناقلات عصبية عدة الإشارات بين مناطق الدماغ في أثناء استجابة الخوف،  وللغلوتامات glutamate دور رئيس فيها، وتتضمن العملية السيروتونين serotonin وحمض الغاما أمينوبوتيريك GABA أيضاً (3).

ويعزز ازدياد نشاط اللوزة بدوره نشاط النواة الوطائية المجاورة للبطين paraventricular nucleus of hypothalamus عن طريق البروزات  المباشرة direct projections، وتفرز النواة الوطائية المجاورة للبطين بعدها هرمون المنمية القشرية (الكورتيكوتروفين) corticotrophin؛ مما ينشط الغدة النخامية التي تزيد بدورها مستويات الهرمون الموجه لقشرة الكظر المحيطي؛ الذي يحفِّز الغدتين الكظريتين  لإفراز القشرانيات السكرية glucocorticoids ومن ضمنها الـ (cortisol (4. 

ويحفّز الوطاء hypothalamus استجابة القتال أو الهروب أيضاً؛ عن طريق تنبيه الغدتين الكظريتين لإفراز ما يُسمى بهرمونات التوتر؛ وهي تتضمن الأدرينالين adrenaline والنورأدرينالين noradrenaline، وتسبب هذه الهرمونات بعض التغيرات الحيوية التي تظهر على الجسم عند الخوف (3)؛ من أبرز هذه التغييرات:

وقد تظهر بعض العلامات والأعراض العاطفية أو الجسدية أو الفيزيولوجية الأخرى، ونذكر منها ما يأتي:

وفي النهاية؛ من المهم ألّا ننسى أن الخوف هو شعور إنساني مهم يساعدنا على حماية أنفسنا من الخطر؛ وعلى إعداد الجسم وتحضيره لاتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ولكن؛ من الضروري أيضاً أن نجد طرائق مناسبة للتحكم بخوفنا والتعامل مع هذه المشاعر تعاملاً أفضل؛ حتى نمنع تطور حالة طويلة الأمد من القلق (1).

المصادر:

1. The Psychology Behind Fear [Internet]. Verywell Mind. 2020 [cited 4 November 2020]. Available from: هنا

2. Garden H, HowStuffWorks, Science, Science, Mind, Emotions. How Fear Works [Internet]. HowStuffWorks. 2020 [cited 15 November 2020]. Available from: هنا

3. Periodic Graphics: The science of fear [Internet]. Chemical & Engineering News. 2020 [cited 4 November 2020]. Available from: هنا

4. Garcia R. Neurobiology of fear and specific phobias. Learning & Memory. 2017;24(9):462-471.