الهندسة والآليات > اختراعات

جلد التَّخفي

في عالم الطَّبيعة القاسي، نجد أنَّ لقدرة التَّخفي والتَّمويه دور أساسي في بقاء ونجاة عددٍ كبيرٍ من الحيوانات سواءً في أعماق البحار أو على اليابسة، ومن أشهر الحيوانات التي تتفرد بهذه القدرة، رأسيات الأرجل (الأخطبوط والحبَار) (1).

 تمتص تلك الكائنات الفريدة موجات الضوء المرئيَّة وفوق الحمراء جميعها، وتعكس مجالًا ضيقًا من الألوان، فتوهمنا أنَّها شيء ساكن متطابق مع لون البيئة المحيطة بها، نلاحظ في هذه الصُّورة مثالًا عن تخفي الأخطبوط:  (1)(2).

تظهر الصُّورة الآتية أمثلة عن التّخفي في النهار (الطَّيف المرئي)، وفي المساء (طيف الأشعة تحت الحمراء):

لكن؛ ماذا لو تمكنت أنت أيضًا من فعل الشيء ذاته؟

لا تستغرب، فقد اخترع الباحثون في Seoul National University جلدًا صناعيًّا مشابهًا لجلد الإنسان، قادر على التَّخفي في الطَّيف المرئي صباحًا، وفي طيف الأشعة تحت الحمراء مساءً، ورغم بساطته إلّا أنّه أكثر تقدمًا من الطَّرائق التَّقليديَّة (1).

التَّخفي في نطاق الأشعة تحت الحمراء

يتكوّن الجلد الجديد من عدة pixels، وتتكوّن كل بيكسل من وحدة تشغيل كهروحراريّةTE-thermoelectric ، التي تتحكم بحرارة كل بيكسل بصورةٍ دقيقةٍ سواءً تبريد أو تسخين، ولضبط حرارة سطح كل بيكسل؛ مما يسمح بالتَّخفي الحراري في نطاق الأشعة تحت الحمراء من خلال مطابقة درجة الحرارة المحيطة (1). 

التَّخفي في النطاق المرئي

وضع الفريق سائلًا من البلورات الحراريَّة على سطح البيكسلات؛ حيث تستجيب هذه البلورات السائلة لأي تغير في درجة الحرارة عن طريق تغيير اللون، فمثلًا مع زيادة درجة الحرارة يتغير لونها إلى الأحمر (درجة حرارة منخفضة)، ثمَّ إلى الأخضر (درجة حرارة متوسطة)، وأخيرًا إلى الأزرق (درجة حرارة عالية)، يسمح ذلك التنوع في الألوان عن طريق التَّحكم في درجة الحرارة بالتخفي في الطَّيف أو النطاق المرئي بمطابقة لون البيئة المحيطة (1) (3).

نطاق تخفٍ كامل

 كما أطال الفريق نطاقَ التَّخفي من طيف الأشعة تحت الحمراء إلى الطَّيف المرئي؛ إذ دمجوا طيف الأشعة تحت الحمراء والطَّيف المرئي في طيف واحد كامل، من خلال جهاز ناعم يعمل ببساطةٍ عن طريق التَّغيير والتَّعديل في متغيّر واحد (الحرارة)، على عكس الطَّريقة التَّقليديَّة التي تُركز على نطاق واحد فقط إمّا المرئي وإمّا الأشعة تحت الحمراء، ومنه يستطيع المستخدم -وإذا دعت الحاجة- التبديل بسهولةٍ بين النطاقين (المرئي والأشعة تحت الحمراء) دون ارتداء جهازين منفصلين فوق بعضهما بعضًا؛ مما سيُعيق انتقال الحرارة بين الجهازين (1).

الدقة العالية

يتميز الجلد الجديد بأنَّه لا يعمل كوحدةٍ واحدة؛ بل يُمكن التَّحكم في حرارة كل بيكسل بصورة مستقلة؛ مما يشكل منصة من البيكسلات ذات دقة عالية، التي ستكون مفيدة بصورة استثنائية عند الحاجة إلى التخفي في خلفية ذات أنماط معقدة أو عند الانتقال السريع  من خلفية إلى أخرى (على عكس الجهاز الذي يعمل كوحدة واحدة)، ويساعد ذلك في التَّخفي الكامل في كل من نطاق الأشعة تحت الحمراء والنطاق المرئي عمومًا (1). 

جلدٌ قابلٌ للارتداء

يتوافق هيكل الجهاز الجديد ومنحنيات البشرة، فهو قابلٌ للطي؛ مما يسمح بإرتدائه كجلدٍ صناعي (1). 

سرعة التَّخفي

للسرعة دور مهم للغاية في عملية التَّخفي، سواءً أكانت سرعة التَّخفي نفسها أم سرعة الاستجابة للتغيرات التي تطرأ على البيئة المحيطة؛ إذ لا فائدة من التَّخفي ببطء، لذا عزز الباحثون سرعةَ الاستجابة في الجهاز الجديد وحسنوها؛ فأصبح قادرًا على الوصول إلى اللون الأحمر في 5 ثوانٍ فقط بدلًا من 10 ثوانٍ، واستغرق الأمر في دورة التبريد (العودة من اللون الأزرق= 40 درجة إلى درجة حرارة البيئة المحيطة) 6.5 ثانية بدلًا من 60 ثانية تقريبًا قبل هذه التحسينات، ولهذه التحسينات دور مهم ودقيق في إدراك الجهاز لأي تغيرات مفاجئة في البيئة (1).

يطلق الجهاز الجديد العنان لكثيرٍ من التخيلات التي قد تصبح حقيقة في المدى القريب، كالجندي الخفي، ويمكن الإستفادة منه في مهمات التجسس، كما يمكن استخدامه للاقتراب أكثر من الكائنات الحيَّة ومراقبتها دون أن تخاف، برأيكم كيف سيؤثر هذا الاختراع في مستقبلنا؟    

المصادر:

1- Lee J، Sul H، Jung Y، Kim H، Han S، Choi J et al. Thermally Controlled، Active Imperceptible Artificial Skin in Visible‐to‐Infrared Range [Internet]. 2020 [cited 30 December 2020]. Available from: هنا

2- The secret of a squid’s ability to change colors may lie in an unexpected sparkle on its skin [Internet]. 2020 [cited 30 December 2020]. Available from: هنا

3- Exploring Materials - Liquid Crystals [Internet]. 2020 [cited 30 December 2020]. Available from: هنا