البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

تحيُّز النشر

يعدُّ تحيُّز النشر من التشوهات التي قد تحدث للأوراق البحثية المنشورة، وهو فرقٌ منهجي متوقَّع بين تقديرات الارتباطات أو الآثار السببية أو المعايير الكمية الأخرى ذات الأهمية مقارنة بقيمها الفعلية، والتي تسببها الاختلافات بين البحث المنشور ومجموع الأبحاث التي أُجريت. يمكن أن يحدث تحيز النشر عندما يتأثر احتمال نشر نتيجة دراسة ما بالنتيجة التي حُصِل عليها (1)، وعندما تؤثر عوامل أخرى غير الجودة العلمية والقيمة العلمية في اختيار الباحث لما يجب تقديمه للنشر، أو في قرار المجلة بنشر بحث (2).

ما هي العوامل التي تسهم في التحيز في المنشورات العلمية؟

1- تحيُّز الباحثين:

نظراً لاستحالة نشر المعلومات الجديدة كلّها، ولأن بعض النتائج فقط جديرة بالاهتمام؛ يحتاج الباحثون إلى اختيار البيانات التي تتطلب التفسير، والنتائج المقدَّمة  للنشر، واختيار المجلة التي يرسلونها إليها أيضًا، مما يتطلب بالضرورة إصدار أحكام ذاتية من قبل الباحثين.

وبذلك؛ من المحتمل أن ينشأ التحيز غير المقبول عند تجاهل المؤلفين البيانات التي لا تتناسب مع وجهة نظر معينة (على سبيل المثال: حالات الآثار الجانبية للأدوية)، أو عند تقديمهم نتائج إيجابية فقط (2,3)، أو تضمينهم النتائج التي تتفق مع آراء المحرر أو الناشر فقط.

قد يحدد الباحثون مؤلِّفي أوراقهم البحثية في محاولة للتأثير على قرارات المحررين أو المراجعين، فعلى سبيل المثال؛ قد تُضاف أسماء مؤلفين فخريين ممن لم يسهموا  على نحو كبير في الأوراق البحثية، بدلًا من أسماء المؤلفين المؤهَّلين (2). 

2- تحيُّز المحررين والمراجعين:

قد يخضع قرار المجلة بشأن إرسال ورقة للمراجعة أو نشرها للتحيز أيضًا؛ إذ يجب على المحررين اتخاذ قرارات بشأن الأوراق البحثية وفقًا لما يلائم نطاق مجلاتهم، ووفقًا لمحطّ اهتمام قُرَّائهم؛ مما يمنع الموضوعية التامة. فقد تُقدَّم النتائج الإيجابية فقط للنشر؛ مما يزيد احتمال التحيز نحو النتائج الإيجابية والزائفة في بعض الأحيان (2,3).

ويحدث التحيز غير المقبول عندما يتأثر قرار إرسال ورقة للمراجعة أو قرار قبولها بعوامل أخرى غير المحتوى العلمي للورقة أو ملاءمتها نطاقَ المجلة. فعلى سبيل المثال؛ قد يكون لدى المراجعين والمحررين والناشرين تحيزٌ لصالح الأبحاث أو ضدّها؛ وذلك بسبب ورودها من بلد معيّن أو مؤسسة معينة أو بحسب انتماءات المؤلفين أو اللغة أو الجنس(2).

يمكن انحياز المراجعين في أثناء مراجعتهم الأوراق البحثية أيضًا، ليس في قرار توصيتهم بقبولها أو رفضها فقط، بل في تأخير نشرها أيضًا. فقد يرفضوا أو يؤخروا قبول الأوراق التي لا تتفق مع آرائهم الشخصية وأفكارهم الشخصية، أو قد يكونوا أكثر عُرضةً لقبول أو عدم إصدار حكمٍ نقديٍّ لورقة تدعم أحد نتائجهم السابقة، أو تستشهِد بها على نطاق واسع.

وبسبب رفض بعض المجلات معظم الأوراق المقدمة دون مراجعة مستقلة؛ يمكن أن يكون المحررون المستلِمون متحيزين في اختيار الأوراق التي  ستُرسل إلى المراجعين. 

تشير الأدلة إلى احتمال إرسال المحررين الأوراق للمراجعة عند التقائهم بالمؤلفين في بعض الحالات، أو إذا كانوا على دراية بعملهم، أو كان المؤلفون من مؤسسة معروفة لدى المحررين (2). 

ويمكن التقليل من تحيُّز النشر عن طريق:

- وضع إجراءاتٍ تقلل تحيز النشر من قبل المؤلفين والباحثين والمحررين والمراجعين والناشرين، إضافة إلى اتخاذهم إجراءات تصحيحية عند اكتشافه.

- حرص المحررين على تجنب التحيز والبقاء مستقلين عن مصالح مجلاتهم الضيقة. 

- سعي المؤلفين والناشرين لإتاحة الوصول إلى مجموعات بيانات كاملة من أجل تقليل التحيز ضد النتائج السلبية.

- استفادة المؤسسات والمجلات والجمعيات البحثية من قواعد البيانات المشتركة بحيث يمكن الوصول بسهولة إليها. 

- تشجيع الناشرين والمحررين على الانضمام إلى لجنة أخلاقيات النشر (COPE) وتبادل النصائح فيما يخص الممارسات الأخلاقية.

- نصّ المنشورات في إرشاداتها للمؤلفين على الإمكانات المؤهِّلة للتأليف بوضوح، وذلك من أجل الحد من حدوث التأليف الفخري والوهمي. فعند تلقّي المجلة لورقة بحثية، يجب أن تنبِّه جميع المؤلفين إلى أن الورقة البحثية قُدِّمت، وتتحقق من موافقة جميع المؤلفين على إدراج أسمائهم، ويجب أن تشير الأوراق المنشورة إلى طبيعة إسهامات المؤلف أيضًا.

- نظر المجلات في تنفيذ مراجعة "مزدوجة التعمية". أي لا يُخبَر المراجعين - وربما المحررين الذين يقررون ما إذا كان ستُرسل الورقة للمراجعة - بأسماء المؤلفين أو عناوينهم أو انتماءاتهم.

- طلب المجلات مصادر التمويل ونشرها وتوضيح تضارب المصالح المحتمل والحقيقي للمؤلفين والمراجعين والمحررين بهدف محاولة تجنبها، ويمكن للقراء أخذها في عين النظر عند تفسير بحث ما.

- وضع المجلات حدًّا أدنى من أجل نشر التصحيحات والدحض، وإنشاء بروتوكولات للتعامل مع طعون المؤلف. فمثلًا؛ عندما تُسحب ورقة بحثية بعد نشرها، يجب على الناشرين تفسير ذلك، وتجب فهرسة التصحيحات والتدقيق والسحب وربطها ليجد القراء النسخة الأكثر وثوقية من الورقة عند البحث (2).

ولا بُدّ من الإشارة إلى تأثير تحيز النشر لصالح النتائج الإيجابية في توزيع النتائج المنشورة، فإذا لم يُنشر جزءٌ كافٍ من النتائج السلبية؛ يمكن في كثير من الأحيان أن تصبح الادعاءات الكاذبة حقيقة وخاصةً مع إجراء انتقاءٍ للبيانات، والقرصنة الإلكترونية، وغيرها من السلوكيات المماثلة التي تُفاقِم المشكلة (3).

يُعتقد أن تحيُّز النشر غدا سلوكًا شائعًا، ويمكن أن ينتج عنه استنتاجاتٍ مضلِّلة تجعل التأثيرات تبدو أكبر مما هي عليه، فيؤدي إلى أبحاث غير قابلة للإنتاج، ويقوِّض مصداقية العلم عامةً في النهاية(1).

المصادر:

 
1. Brown A, Mehta T, Allison D. Publication Bias in Science. Oxford Handbooks Online [Internet]. 2017 [cited 1 January 2021];. Available from: هنا 
2. Advisory Note on Bias in Science Publishing - International Science Council [Internet]. International Science Council. 2021 [cited 1 January 2021]. Available from: هنا 
3. Nissen S, Magidson T, Gross K, Bergstrom C. Publication bias and the canonization of false facts. eLife [Internet]. 2016 [cited 1 January 2021];5. Available from: هنا