العمارة والتشييد > التصميم العمراني وتخطيط المدن

مشروع عالم الفِيَلة

تتمتع الفِيَلة بمكانةٍ  خاصةٍ في تايلاند، فالعلاقة بينها وبين الشعب التايلاندي فريدةٌ من نوعها، إذ يتعاملون معها وكأنها فردٌ من الأسرة. وإضافةً إلى كونها جزءًا من الاحتفالات المَلَكية الكبرى؛ فقد كانت تُعدُّ حيواناتِ الحرب للملوك عبر التاريخ القديم للبلاد (1،2).

 ربما يكون ارتباط الشعب التايلاندي بالفِيَلة أكبرَ في قرية (كوي - Kui)  التابعة لمقاطعة (سورين - Surin)  شمال شرق (تايلاند - Thailand) حيث يعيش الأفراد معها منذ قرونٍ عدةٍ ويصعب الفصل فيما بينهم (1،2). تتميز منازل القرية بمساحاتٍ مُخصصَّةٍ للبشر وأخرى للفِيَلة تحت سقفٍ واحدٍ (3).

دُمِّرَت غابةُ (سورينَ) لأغراضٍ تجاريةٍ في منتصف القرن الماضي مما أسفر عن الجفاف الشديد ونقص الغذاء والنباتات الطبية التي كانت توفِّرها، فنزح أفراد القرية مع أفيالهم إلى العديد من البلدات السياحية في أنحاء البلاد كلها  للحصول على الطعام، أو العمل في معسكرات الفِيَلة بظروفٍ معيشيةٍ غير ملائمةٍ في كثيرٍ من الأحيان (1-4).

«عالم الفِيَلة - Elephant World»:

بدأت الحكومة المحلية مشروعَ «عالم الفِيَلة - Elephant World»  لإعادة السكان مع أفيالهم إلى مسقط رأسهم  وضمان ظروفٍ معيشيةٍ مناسبةٍ للفِيَلة (1-4). ويتضمن قريةَ (كوي)، وحقلًا لزراعة الغذاء، ومشفًى للفِيَلة، إضافةً إلى مقبرةٍ لكلٍّ من البشر وأفيالهم، ومَتحفًا يعكس ثقافة المجتمع القديمة (3).

«الفِناء الثقافي - The Cultural Courtyard»:

يمتد «الفِناء الثقافي» على مساحةٍ كبيرةٍ تُقام فيها الفعاليات الثقافية والاحتفالات الدينية، مُغطًى بسقفٍ منحدرٍ يحتوي فتحاتٍ في مواضعَ متعددةٍ لتأمين التهوية اللازمة، تبلغ سماكته بالوسط 1.5 مترًا. وعلى الرغم من أن السقف ذو علوٍّ منخفضٍ لينسجم مع القرية المحيطة؛ إلا أنه يظهر -بمجرد الدخول- مدى الفِناء ورحابته وارتفاع السقف (3).

يقع المشروع على هضبةٍ قاحلةٍ على بُعْد أربعة كيلومتراتٍ من النهر، ونظرًا لأن وجود مئتي فيلٍ يعيش هناك يتطلب أكثر من 8000 مترٍ مكعبٍ من المياه شهريًا؛ فقد حُفِرَت بركةٌ لتجميع مياه الأمطار (3).

 استُخدِمت التربة الناتجة عن الحفر لتشكيل ستة تلالٍ قُوِّيَت بصخورٍ بازلتيةٍ نجم عن استخراجها نضوحُ المياه الجوفية في المنخفَض المتشكِّل فاستُخدِم خزَّانًا آخر للمياه (3).

 تتوضع ستةُ صفوفٍ من المقاعد الخَرَسانية فوق التلال الستة لتتسع لـ 800 زائر، وتشكِّل التلالُ المشهدَ الطبيعي أسفل سقف «الفِناء الثقافي» من ثلاثة جوانب، تاركةً الجانب الرابع مفتوحًا ليتناسب مع الزُّوَّار وحجم الفِيَلَة (3).

«متحف الفِيَلة - Elephant Museum»:

يشكِّل «مَتحف الفِيَلة»  جزءًا من مشروع عالم الفِيَلة، ويهدف إلى تعزيز العلاقة المتميزة بين الشعب التايلاندي والفِيَلة، إذ صُمِّم بطريقةٍ تمكِّن الزُّوَّار من تجربة العيش مع الفِيَلة ومرافقتهم مشيًا ضمن المَتحف.

استخدم (Bangkok Project Studio) قطعَ الطوب الطيني المصنوعة يدويًا لتشكيل المَتحف بجدرانٍ منحنيةٍ بُنِيَت على ارتفاعاتٍ متفاوتةٍ ابتداءً من الأرض، حيث يظهر أن المبنى مفتوحٌ للزُّوَّار بالأحجام المختلفة من المقياس الإنساني إلى الفِيَلة.

تتوزع بين الجدران أفنيةٌ مختلفة الأشكال والأحجام مفتوحةٌ على صالات العرض الأربع، يمتلئ  بعضها بأحواض سباحةٍ صغيرة، وبعضها الآخر أرضٌ ضاربةٌ للحمرة مماثلةٌ  للمشهد الطبيعي المحيط في الخارج، كذلك؛ فإن المقاييس المختلفة للطرق والمسارات الخارجية والأفنية والساحات المكشوفة في المتحف مستوحاةٌ من عناصر المنطقة، وتذكِّر بالأفراد والفِيَلة ومنازلهم وبِرَك استحمامهم، إضافةً إلى الحمَّام الترابي حيث تلهو الفِيَلة.

يغطي المَتحف مساحةً إجماليةً تبلغ 5400 مترٍ مربعٍ، وتنحدر الجدارن فيه وتتقاطع مع بعضها من وسطَ مساحاتٍ شاسعةٍ من الأرض الجرْداء لتكشف عن فجوات دخول الزُّوَّار،  ويُعدُّ ضوء الشمس عنصرً أساسيًا في التصميم؛  فإضاءة الفراغات والمسارات تسطع في مناطقَ معينةٍ وتخفت في أخرى، ويتغير تأثيرها على مدار اليوم حسب زاوية ورود أشعة الشمس.

إضافةً إلى تنظيم المعارض في الساحات أو على الجدران الخارجية وداخل صالات العرض؛ يتخطى المَتحف كونه مجرد معرِض؛ إذ أن عملية بنائه تخلق فرص عملٍ ودخْلًا للسكان المحليين مع زيادة قيمة المواد المحلية التي غالبًا ما تُتجاهَلُ، الأمر الذي له شأنٌ في تمكين دعم السكان مع أفيالهم، ويعكس صوتَ القرويين ورفضَهم قسوةَ استغلال الحيوانات، ويشجعهم أيضًا على الاعتزاز بتراثهم، واستعادة منزلة أفيالهم مرةً أخرى بعد عقودٍ من الكفاح بعيدًا عن الموطن الأصلي ( 2،1).

«برج Brick Observation»:

يقع برج المراقبة «Brick Observation» على الحافة بين عالم الفِيَلة والغابة، ويبدو وكأنه  ينبت من الأرض بارتفاع 28 مترًا. صُمِّمَ بمقطعٍ بيضويٍّ مع زاويةٍ حادةٍ على جانبٍ واحدٍ لتقليل قوة الرياح وتوزيع الحرارة (4).

يخلق توضُّع الأعمدة والجوائز نمطًا متناوبًا من الفتحات بأبعاد: 80x80 سم و35x90 سم. ويتوسط البرجَ درجٌ مصنوعٌ من الفولاذ، مما يتيح الرؤية نحو السماء بينما يضعف ضوء الشمس من الأعلى .وينتهي البرج في الجزء العُلوي بأعمدةٍ من ارتفاعاتٍ عشوائيةٍ مولِّدةً شعورًا بأن المبنى يتلاشى في الهواء (4).

يحيط بهيكله الخَرَساني طوبٌ طينيٌّ مصنوعٌ محليًا من الأرض الناتجة عن إنشاء خزان مياهٍ جديدٍ لاحتواء المياه الجوفية ومياه الأمطار، ويمكن للبرج أن يساهم في زراعة المزيد من الأشجار؛ إذ تحتوي شجرة (Apitong) المحلية بذرةً مروحيةً مما يجعلها تدور في الهواء فتنمو شجرةٌ جديدةٌ حيثما تسقط.  لذا؛ فإن نثر البذور من المنصة الواقعة في الطابق العُلوي التي يبلغ ارتفاعها 20 مترًا؛ يمكن أن ينقلها إلى نصف قطرٍ يبلغ 20 مترًا بمساعدة الرياح المحلية (4).

تسرِّع أبراج المراقبة عادةً صعود الزُّوُّار إلى القمة، إلا أن هذا البرج يشجع زوُّاره على قضاء المزيد من الوقت خلال الصعود  ليشعروا بالرياح ويستمتعوا بالمشهد الطبيعي المحيط في أوقاتٍ مختلفةٍ من اليوم (4).

لا شكَّ أن المشروع خلق أساسًا لمستقبلٍ مُستدَام؛ إذ نتج عن البناء مصادرُ مياهٍ جديدةٍ أعادت الرطوبة إلى الأرض القاحلة وأصبح بالإمكان رعاية الأشجار المزروعة حديثًا، و إعادة إحياء الغابة المندثرة.

المصادر:

1_Bangkok Project Studio Used Over 480,0000 Fired Clay Bricks To Form Elephant Museum With Curved Walls [Internet]. World Architecture Community. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from:هنا

2_Elephant Museum - Elephant World / Bangkok Project Studio [Internet]. ArchDaily. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا

3_The Cultural Courtyard - Elephant World / Bangkok Project Studio [Internet]. ArchDaily. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا

4_Brick Observation Tower - Elephant World / Bangkok Project Studio [Internet]. ArchDaily. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا