كتاب > روايات ومقالات

مراجعة مسرحية (خطبة لاذعة ضد رجل جالس)

كتب غابرييل غارسيا ماركيز (6 مارس 1927_14ابريل 2013 ) Gabriel Garcia Marquez مسرحيته الوحيدة (خطبة لاذعة ضد رجل جالس) عام 1987، وعُرِضت أول مرة عام 1988 في مسرح سيرفانتس في بوينس آيرس، وهي مكتوبة بنمط المونودراما الذي يعتمد على شخصية نسائية واحدة.

ويذيقنا ماركيز في هذا العمل مرارةَ الحزن وهشاشة المشاعر الإنسانية، فقد جعل من بطلته امرأةً أرهقتها مشاعر البؤس المتراكم، فانفجرت خيبةً، وخرجت عن صمتها بحوار طويل تحدَّثت فيه عن خروج الحب من حياتها الزوجية واستحالة استمرار هذه الحياة.

"يقينًا إن السعادة ليست كما يقولون، بأنَّها تستمر فقط للحظة واحدة ولا تعرف عندما تمتلك إنما عندما تنتهي، الحقيقة انها تستمر باستمرار الحب؛ لأن استمرار الشعور بالحب حتى الموت، أمر جميل."

وهذا بعض ما تحدثت به (غراسييلا لا فيرا) مع زوجها (فلافيو).

إنَّها عشية ذكرى زواجهم الفضي وهم يقيمون حفلةً فخمة للاحتفال، وسيصل مئات الضيوف قريبًا، والفرقة تستعد للعزف؛ ولكن، بينما هم يستعدون، تعيد غراسييلا النظر في 25 عامًا من زواجها وتدرك أنَّها قدمت لها كل شيء باستثناء الحب.

وتلقي غراسييلا عشية الاحتفال بذكرى زواجهما الفضية خطبةً ضد فلافيو؛ زوجها منذ 25 عامًا، وهو جالس يقرأ صحيفة على كرسي دون أيَّة إجابة. وأنهت حَزْم حقائبها وهي تغادره أخيرًا، وتفككت علاقاتهما الزوجية على نحوٍ لا يمكن إصلاحه، فكان هذا المونولوج المسرحي كلامَ فراقها وندبها المر الغاضب.

وقاطع غارسييلا الخدمُ الذين يستعدون لمئات الضيوف القادمين للاحتفال بالذكرى السنوية على نحو متقطعٍ، فتعيد بطلتنا إحياء تاريخ زواجها للجمهور، فتروي حملها المبكر، وشبابها الجريء، والخيانات (التي فعلتها هي والتي فعلها زوجها)، وغيرة فلافيو المتناقضة (التي تقول عنها إنَّها نموذجية للزوج غير المخلص).

"قمَّة الوقاحة أنَّه ليس هناك أكثر غيرة من زوج غير مخلص، تصور! يقضون الظهيرة مع أخرى، ويعودون إلى البيت مجانين ليعرفوا مع من كنَّا نتكلم تلك الساعات التي كان الهاتف فيها مشغولًا كلها، وأنت كذلك أكثر من أي أحد، تخيل! أنت الذي لم أسأله أبدًا، أين كان، أين يذهب، ولا في أيَّة ساعة يرجع، تذهب دون أن تقول إلى أين تذهبا، وبالمقابل، ترجع من دسائسك طارحًا أسئلة على شكل مصائد، تقص أكاذيب لكي تحصل على حقائق، محاولًا أن تفهم بشكل عابر إلى أيِّهم أذهب لتناول الغذاء، مع من، وفي أيَّة ساعة، لكي تعرف أين تستطيع أن تذهب معها، بحيث لا تصطدم بي."

 بالإضافة إلى جبنه وانعدام الحب الذي أظهره لها في سنوات وجودهم معًا كلها.

إنَّها تعيد تمثيل نفسها في مراحل مختلفة من حياتها وعلاقتهما

"حينها عرفت ما لم أشأ معرفته أبدًا، بأنَّ هناك لحظة في الحياة تستطيع فيها أن تنام إمرأة متزوجة مع رجل آخر دون أن ينقص إخلاصها..."

وتستحضر لنا خيباتها بأسلوب درامي رائع تصوِّرها وتسقطها وقد تلامس تجارب أيٍّ منَّا وتاريخه.

إنَّها تصور التآكل التدريجي للزواج الذي بدأ دون حب، ونصائح والدتها بعدم اختيارها لهذا الرجل.

"إذا كان الزواج لا يستطيع أن يمنحك أكثر من الشرف والأمان، فليذهب للجحيم."

وتصف بداياتهما المتواضعة ومراكمتهما التدريجية للثروة، ولكنَّها تخبرنا بأنَّ هذا الازدهار لم يكن يعني شيئًا؛ لأنَّ هناك عنصرًا حيويًّا كان مفقودًا في حياتهم دائمًا: حب الزوج لزوجته.

ويستمر فلافيو بعدم تأثره باتهامات غراسييلا، ويختبئ صامتًا وراء الصحيفة التي تخفي وجهه.

وفي نهاية المسرحية، تخبره بأنَّها لم تعد مستعدة لتحمل قلة حبه، وتغادر بحثًا عمَّا لم يكن لديها من قبل؛ ولكن، ليس قبل أن تشعل النار في صحيفة فلافيو وتشاهده والجمهور مشتعلًا، وتنهي خطبتها المريرة ويُسدَل الستار.

معلومات الكتاب: