المعلوماتية > الذكاء الصنعي

وعي السيارات الذاتية القيادة

تحسّنت التقنيات الذاتية (Autonomous Technologies) على نحو كبير في الفترة السابقة، لكنّها -في النهاية- لا تزال تنظر إلى السائقين من حولها على أنهم عقبات مكونة من الأصفار والواحدات، وليسوا كائنات بشرية ذات نوايا ودوافع وشخصيات محددة. ولعلّ أكثر ما يواجهه مهندسو السيارات الذاتية القيادة هو هذه المعضلة عند تغيير مسرب السيارة عند المسير؛ إذ إنّ لهذه الحركة البسيطة كثيرًا من العوامل لاتخاذ هذا القرار، ولعل أهمها النظر إلى وجود السائقين الآخرين أو توقع مسارهم (1).

تُعدّ الخوارزميات الخاصة بالتحكم في تغيير المسارب من الموضوعات المهمة، ولكن معظم خوارزميات تغيير المسرب الحالية لها عيبان: 

إحدى الطرائق القياسية للمركبات الذاتية القيادة لتجنب الاصطدامات هي حساب المناطق العازلة (buffer zones) حول المركبات الأخرى في البيئة. علمًا أنّ المناطق العازلة لا تصف المواقع الحالية للمركبات فحسب، بل تصف مواقعها المستقبلية المحتملة ضمن إطار زمني معين، وبعد ذلك؛ تصبح عملية تغيير المسرب مجرد مسألة بقاء خارج المناطق العازلة للمركبات الأخرى.

وعادةً ما تُحسب المناطق العازلة المثلى مسبقًا، وفي أثناء التشغيل؛ تستدعي السيارة المستقلة المناطقَ العازلة المحسوبة مسبقًا التي تتوافق مع وضعها الحالي (1).

تكمن المشكلة في أنه إذا كانت حركة المرور سريعة بما فيه الكفاية وكثيفة بدرجة كافية؛ فقد تكون المناطق العازلة المحسوبة مسبقًا مقيِّدة للغاية، وعندها ستفشل السيارة الذاتية القيادة في تغيير مسربها كليًّا، في حين يستطيع السائق البشري التنقلَ بسهولة بين المسارب (1).

ولحل هذه المعضلة؛ تمكّن الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من ابتكار نظام يستطيع حساب المناطق العازلة آنيًّا في حال كانت المناطق العازلة الافتراضية تؤدي إلى أداء أسوأ بكثير من أداء السائق البشري.

اختبر الباحثون الخوارزمية الخاصة بهم في محاكاة تتضمن ما يصل إلى 16 سيارة ذاتية القيادة في بيئة تحوي عدة مئات من المركبات الأخرى (1).

يقول أحد الباحثين المشاركين: "لم تكن المركبات الذاتية القيادة على اتصال مباشر، ولكنها شغلت الخوارزمية المقترحة بالتوازي دون تعارض أو تصادم"، وأضاف: "استخدمت كل سيارة حدًّا مختلفًا للمخاطر، وهذا أنتج أسلوبًا مختلفًا للقيادة؛ مما يسمح لنا بتكوين سائقين محافظين أو عدوانيين. إنّ استخدام المناطق العازلة الثابتة والمحسوبة مسبقًا سيسمح بالقيادة المحافظة فقط، في حين تسمح الخوارزمية الديناميكية لدينا بمجموعة أوسع من أنماط القيادة" (1).

في الآونة الأخيرة، استكشف فريق بقيادة باحثين في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الصنعي (CSAIL) -التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- ما إذا كان يمكن برمجة السيارات الذاتية القيادة لتصنيف الشخصيات الاجتماعية للسائقين الآخرين؛ حتى يتمكنوا من التنبؤ على نحو أفضل بما ستفعله السيارات المختلفة، ومن ثم تكون السيارة الذاتية القيادة قادرةً على القيادة بأمان أكبر فيما بينهم (2).

على وجه التحديد، استخدموا ما يسمى توجيه القيمة الاجتماعية (Social Value Orientation- SVO)؛ الذي يمثل الدرجة التي يكون فيها الشخص أنانيًّا مقابل أن يكون تعاونيًّا، وبعد ذلك يقدّر النظام عمليات التشغيل الخاصة للسائقين لإنشاء مسارات قيادة في الزمن الحقيقي للسيارات الذاتية القيادة (2).

بعد اختبار الخوارزمية الخاصة بهم على مَهمّات دمج الممرات والانعطافات غير المحمية، أظهر الفريق أنه يمكنهم التنبؤ على نحو أفضل بسلوك السيارات الأخرى بنسبة 25٪، على سبيل المثال؛ في محاكاة الانعطاف إلى اليسار عُلّمت سيارتهم أن تنتظر عندما يكون السائق أكثر أنانية في السيارة التي تقترب، ثم تنعطف عندما تكون السيارة الأخرى أكثر إيجابية (2).

تتمثل المشكلة المركزية في السيارات الذاتية القيادة اليوم بكونها مبرمجة على افتراض أنّ البشر جميعهم يتصرّفون بالطريقة نفسها؛ مما يعني -من جملة ما يعنيه- أنهم محافظون تمامًا في اتخاذ القرار عند تقاطعات الطرق الرباعية الاتجاه والتقاطعات الأخرى (2).

وضع الفريق أنموذجًا لسيناريوهات الطريق؛ إذ حاول كل سائق تعظيم مصلحته وحلل "أفضل استجاباته" في ضوء قرارات الوكلاء الآخرين كلّهم الموجودين في المحاكاة. وبناءً على هذا المقتطف الصغير للحركة من السيارات الأخرى، يمكن لخوارزمية الفريق بعد ذلك أن تتنبّأ بسلوك السيارات المحيطة على أنها تعاونية أو إيثارية أو أنانية، وتصنيف السلوكين الأوليين على أنهما "إيجابيان"، وتستند درجات الأشخاص لهذه الصفات إلى سلسلة متصلة فيما يرتبط بمدى اهتمام الشخص بنفسه مقابل الاهتمام بالآخرين (2).

في سيناريوهات الدمج والانعطاف إلى اليسار، كانت النتيجة هي إما السماح لشخص ما بالاندماج في المسار الذي تسير فيه (سلوك اجتماعي) وإما لا (سلوك أناني)، وقد أظهرت نتائج الفريق أنه ليس من المستغرب أنّ السيارات التي تسعى إلى الاندماج تُعدّ أكثر تنافسية من السيارات غير الساعية إلى الاندماج (2).

تقول دانيلا روس Daniela Rus؛ إحدى الباحثين المشاركين: "عن طريق نمذجة شخصيات القيادة ودمج النماذج رياضيًّا باستخدام توجيه القيمة الاجتماعية (Social Value Orientation (SVO في وحدة صنع القرار للسيارة الذاتية القيادة، يفتح هذا الباب أمام مشاركة أكثر أمانًا وسلاسة للطريق بين السيارات التي يقودها الإنسان والسيارات التي تقودها الآلة" (2).

فيديو توضيحي للسلوك الاجتماعي في السيارات الذاتية القيادة (2).

بهدف جلب المزيد من التفكير الشبيه بمنطق البشر إلى المركبات الذاتية القيادة؛ أنشأ باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نظامًا يستخدم خرائط بسيطة فقط وبيانات مرئية لتمكين السيارات بدون سائق من التنقل في الطرق في بيئات جديدة ومعقدة (3).

إنّ السائقين البشريين بارعون على نحو استثنائي في التنقل في الطرق التي لم يقودوها من قبل، وذلك باستخدام المراقبة وأدوات بسيطة مثل أجهزة GPS الخاصة بنا لتحديد مكاننا والمكان الذي نحتاج الذهابَ إليه، في حين أنّ السيارات الذاتية القيادة تكافح مع هذه المحاكمة الأساسية؛ ففي كل منطقة جديدة يجب أن تحدد السياراتُ أولًا الطرق الجديدة كلها وتحللها، الأمر الذي يستغرق وقتًا طويلًا للغاية، كذلك تعتمد الأنظمة على خرائط معقدة -تُنشَأ عادةً بواسطة عمليات مسح ثلاثية الأبعاد- تكون مكلفة من الناحية الحسابية لتوليدها ومعالجتها في أثناء التنقل (3).

يصف باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نظام التحكم الذاتي الذي "يتعلم" أنماط التوجيه للسائقين البشريين في أثناء تنقلهم في الطرق في منطقة صغيرة، ويكون ذلك باستخدام البيانات فقط من خلاصات كاميرا الفيديو وخريطة بسيطة تشبه GPS.

بعد ذلك؛ يمكن للنظام المدرَّب التحكم في سيارة ذاتية القيادة على طول طريق مخطط في منطقة جديدة تمامًا، وذلك عن طريق محاكاة السائق البشري (3).

على غرار السائقين البشريين؛ يكتشف النظام أيضًا أيَّ عدم تطابق بين خريطته وميزات الطريق، ويساعد هذا النظام على تحديد ما إذا كان موضعه أو أجهزة الاستشعار أو التعيين غيرَ صحيح من أجل تصحيح مسار السيارة (3).

طوّر الباحثون نظامهم الشامل للانتقال من الهدف إلى الوجهة في بيئة لم تكن مرئية من قبل، ولإنجاز ذلك؛ درّب الباحثون نظامهم على التنبؤ بتوزيع احتمالي كامل لجميع أوامر التوجيه الممكنة في أيّة لحظة في أثناء القيادة (3).

يستخدم النظام أنموذجًا لتعلم الآلة (Machine Learning) يسمى الشبكة العصبية التلافيفية (CNN)؛ وهي شائعة الاستخدام لتعرف الصور، وبسبب تطورها أصبحت بديلًا عن الشبكة العصبونية ذات المستقبلات متعددة الطبقات (Multilayer perceptron) التي كانت تُستخدَم مسبقًا في توجيه المركبات. 

صُمّم هذا النظام بحيث تُدمَج المعلومات الملاحية مع البيانات الخام القادمة من الحساسات في شبكة تحكم أحادية متغيرة، ولا يسمح هذا للنظام بأن يتعلم كيفية التنقل في البيئات المعقدة فقط؛ بل يسمح أيضًا بإدراك متى تكون الخرائط خاطئة؛ مما يسمح بتصحيحها عندها (4).

في أثناء التدريب، يراقب النظام ويتعلم كيفية التوجيه من سائق بشري، وتربط الشبكة CNN دوران عجلة القيادة بانحناءات الطريق التي تراها عن طريق الكاميرات والخريطة المُدخلة. في النهاية، يتعرف النظام أمرَ التوجيه الأكثر احتمالًا في مواقف القيادة المختلفة؛ مثل الطرق المستقيمة والتقاطعات الثلاثية على شكل حرف T والتقاطعات الرباعية (3,4).

يتألف دخل الأنموذج من ثلاث كاميرات (أمامية ويسارية ويمينية) تثبّت على المركبة؛ إذ تُعالَج هذه الصور عن طريق مسار منفصل من الطبقات التلافيفية (convolutional pipeline)، إضافةً إلى جزء من خريطة الموقع الحالي التي تحتوي على الطرق الحالية بدون توجيه.

يحاول الأنموذج التعلم لإعطاء خرج يحتوي على التوزيع الاحتمالي للجهات المحتملة من الطرق، وفي حال وجود دخل يحوي خريطة بتوجيه معين؛ يعطي النظام أمرَ تحكم حتمي في الاتجاه المحدد (4).

تقول دانيللا روس Daniela Rus: "في البداية، عند مواجهة تقاطع على شكل حرف T هناك العديد من الاتجاهات المختلفة التي يمكن أن تدور فيها السيارة، يبدأ الأنموذج بالتفكير في تلك الاتجاهات كلها، ولكن نظرًا إلى أنّه يرى المزيد والمزيد من البيانات عمّا يفعله الأشخاص؛ فسوف يرى أنّ بعض الأشخاص يتجهون إلى اليسار والبعض الآخر يمينًا، ولكن لا أحد يسير في اتجاه مستقيم؛ عندها يُستبعَد الأمام بوصفه اتجاهًا محتملًا، ويتعلم الأنموذج أنّه عند التقاطعات على شكل حرف T يمكن التحرك إلى اليسار أو اليمين فقط" (3).

فيديو توضيحي لتجربة استخدام نظام التحكم الذاتي (3).

في أثناء الاختبار، أدخل الباحثون النظام بخريطة بمسار اختير عشوائيًّا.

وفي أثناء القيادة، يستخرج النظام الميزات المرئية من الكاميرا؛ مما يمكّنها من التنبؤ بهياكل الطريق، على سبيل المثال؛ إنّه يحدد إشارة توقف بعيدة على جانب الطريق بوصفها علامات لتقاطع قادم. وفي كل لحظة، يستخدم التوزيع الاحتمالي المتوقع لأوامر التوجيه لأكثر الاختيارات احتماليةً لاتباع مساره (3).

يقول الباحثون إنّ الأهم من ذلك هو أن النظام يستخدم خرائط يسهل تخزينها ومعالجتها.

عادةً ما تستخدم أنظمة التحكم الذاتية عمليات مسح LIDAR لإنشاء خرائط ضخمة ومعقدة تستهلك قرابة 4000 جيجا بايت (4 تيرابايت) من البيانات لتخزين مدينة سان فرانسيسكو فقط، ولكل وجهة جديدة يجب على السيارة إنشاء خرائط جديدة؛ التي تصل إلى أطنان من معالجة البيانات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الخرائط التي يستخدمها نظام الباحثين تلتقط العالم بأسره باستخدام 40 غيغابايت فقط من البيانات (3).

وهكذا نجد أن تقنيات السيارات الذاتية القيادة تتطور على نحو متلاحق ومتسارع؛ مما يجعلها في المستقبل القريب خيارًا متاحًا أقرب مما مضى.

المصادر:

1. Hardesty L. Making driverless cars change lanes more like human drivers do [Internet]. MIT News | Massachusetts Institute of Technology. 2018 [cited 25 November 2020]. Available from: هنا

2. Conner-Simons A, Gordon R. Predicting people's driving personalities | MIT CSAIL [Internet]. Csail.mit.edu. 2020 [cited 25 November 2020]. Available from: هنا

3. Matheson R. Bringing human-like reasoning to driverless car navigation [Internet]. MIT News | Massachusetts Institute of Technology. 2019 [cited 25 November 2020]. Available from:  هنا

4. Amini A, Rosman G, Karaman S, Rus D. Variational End-to-End Navigation and Localization [Internet]. arXiv.org. 2019 [cited 21 December 2020]. Available from: هنا