العمارة والتشييد > مواد البناء

استخدام الخشب في البناء

يدفعنا تغيُّر المُناخ والزيادة الديموغرافية في البلدان النامية إلى إعادة النظر في الطريقة التي نبني بها؛ فلقد شكَّلت الخَرَسانة والصُّلْب لمدة قرنين من الزمن العناصرَ الرئيسةَ في بناء مدننا، لكن المشاكل المتعلقة بالجوانب غير المُستدامَة فيها تظهر الآن في نظامها الإنتاجي وخصائصها والطاقة اللازمة لإنتاجها، لذلك كان من الضروري إيجاد حلولٍ جديدةٍ خاصةً فيما يتعلق بالمباني الشاهقة التي ستكون واحدةً من النماذج الرئيسة للبناء في التصوُّر الحضري المستقبلي أكثر فأكثر(1).

يُعدُّ الخشب المادةَ الوحيدة التي تنمو بصورةٍ مُستدامَة؛ فعندما تنمو شجرةٌ في غابةٍ تطلق غاز الأوكسجين وتمتص غاز ثنائي أوكسيد الكربون، وعندما تموت تلك الشجرة وتتحلل في الغابة ينطلق غاز ثنائي أوكسيد الكربون المُخزَّن بداخلها في الغلاف الجوي ويحترق، ولكن إذا أُخذَت قطعة الخشب تلك واستخدمتها بصورة جزءٍ من بناءٍ أو أثاثٍ أو لعبة؛ فإنها ستكون قادرةً على تخزينها(1).

من جهةٍ أخرى؛ يتمتع الخشب بقدرة تحمُّلٍ غير محدودةٍ فضلًا عن كونه شديد المقاومة للأحماض والأملاح والمواد الكيميائية الأخرى، وبالمقارنة مع البناء المعدني الذي يتشوه بسرعةٍ تحت تأثير الحرارة، يحافظ الخشب على ثباته لفترةٍ أطول من الزمن لأنه يحوي نسبةً من الماء حتى بالأخشاب الجافة، كذلك فإن المباني الخشبية أخف وزنًا وتحتاج إلى تكاليفَ وعمالةٍ أقل (1). 

يُعدُّ الهيكلُ الخشبيُّ الأنسبَ للمباني السكنية بمختلف المعايير؛ وذلك لكونه مادةَ خامٍ طبيعيةً و أحد أفضل الخِيارات لكفاءة الطاقة وجودة البناء، فهو يعمل بوصفه عازلًا حراريًا جيدًا يضمن مُناخًا داخليًا مريحًا للمعيشة، وله خصائصُ ميكانيكيةٌ جيدةٌ فضلًا عن تقليل الانبعاثات الكربونية(2)، ومن المُلاحَظ أن العمر الافتراضي  للمباني الخشبية يتجاوز 300 عامٍ (1). 

مصادر الأخشاب:

تشكِّل الغابات المصدر الأساسي لإنتاج الأخشاب الصلبة واللينة المستخدمة في البناء وتوريدها، وتلعب الغابات المزروعة دورًا أساسيًا في تحقيق التوازن بين موارد الغابات المحدودة والطلب المستمر على الأخشاب، وعلى الرغم من كونها تمثِّل أقل من عُشْر غابات العالم؛ إلا أنها توفِّر 35-40٪ من المحصول السنوي العالمي لـ(الأخشاب المستديرة - roundwood)، وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن استمرارية التوسُّع في الغابات المزروعة ستوفِّر ما يصل إلى 80٪ من محاصيل الخشب السنوية العالمية بحلول عام 2030(3).

ومن الناحية الصناعية؛ فإن الخشب الذي يُحصَل عليه من (مغلِّفات البذور -angiosperms) كالبلوط والزان تُطلَق عليه تسمية (الخشب الصلب)، في حين يُسمَّى الخشب المُستخرَج من (عاريات البذور - gymnosperms) بـ(الخشب اللين)، ولا تعكس هذه التسمية خصائص الخشب الفعلية؛ إذ تُعدُّ أشجار (البلسا) من أنواع الخشب الصلب في حين أنها أنعم من الخشب اللين العادي(3).

تقوية الأخشاب: 

تُقوَّى قطع الخشب مُحددَة الأبعاد وفقًا للكود الأوروبي (BS EN 14081) لضمان أن المنتجات الخشبية المعالجَةَ قادرةٌ على تحمُّل الحمولات القصوى المتوقعة خلال فترة تخديم المُنشأ؛ إذ يسمح معيار التصنيف هذا للمهندس باختيار الأخشاب اللازمة وفق المقاومة المطلوبة، واستخدام قيمها في حسابات التصميم، ويتضمن تصنيف القوة نوعين(3):

  1. التصنيف البصري VSG: يُحدِّد سمات الضعف: كوجود عُقدٍ أو شقوقٍ أو عيوبٍ على سطح الخشب نتيجة تجفيفه.
  2. التصنيف الميكانيكي MSG: يختبر القيم المميِّزة للصلابة والكثافة لفئات القوة من خلال تطبيقها على أطوال الأخشاب الفردية المختلفة من خلال مجموعةٍ من بكرات المعايرة.
وبناءً عليه؛ تُصنَّف الأخشاب إلى فئاتٍ حسب مقاومتها للانحناء من الأضعف (C14) إلى الأقوى C50)  (3)).

معالَجَة الأخشاب:

تهدف معالَجَة الأخشاب إلى تحسين خصائص المنتجات الخشبية من ناحية ثبات الأبعاد ومقاومة التحلل البيولوجي ومقاومة الحريق والأشعة فوق البنفسجية إضافةً إلى تحسين الخصائص الميكانيكية، ويُعالَج الخشب عادةً بإحدى الإستراتيجيات الثلاث: تعديل جدار الخلية، والتشريب أو النقع، والطلاء، وعادةً ما تكون المعالَجَات الفيزيائية والكيميائية المطبقَة فعَّالةً من خلال(3):

  1. تقليل دخول الماء لتقليل التغيرات في حجم الخشب ومنع نمو الفطريات والبكتيريا (بصورةٍ مباشرة) عن طريق المعالجة الكارهة للماء (لا تمتزج بالماء) أو الملء بعواملَ مانعة.
  2. إطفاء المجموعات النشطة كيميائيًا، مثل: مجموعات الهيدروكسيل لمنع هجوم الفطريات والبكتيريا والحشرات (بصورةٍ غير مباشرة)، وكذلك زيادة مقاومة الحريق إلى حدٍّ ما.
  3.  تشريب الأخشاب موادَّ حافظةً لقتل الفطريات والبكتيريا والحشرات بصورةٍ مباشرة، أو تشريبها مثبِّطات الحريق لتحقيق الأمان والاستقرار الحراري.
  4. طلاء سطح الخشب بمادةٍ مقاومةٍ للرطوبة والنار والأشعة فوق البنفسجية.
ومن خلال حملةٍ تجريبيةٍ على عيناتٍ من خشب (الأوكالبتوس - eucalyptus) من عارضةٍ هيكليةٍ لسقف مبنًى حجريٍّ يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر يقع في (Felgueiras) في البرتغال؛ بيَّنت الاختبارات والنتائج التي توصَّلوا إليها أن محتوى الخشب من الماء يؤثِّر في سلوكه وخواصه نتيجةً لانكماشه وتمدُّده، وبالتالي حدوث تشوهاتٍ وفتلٍ تسبِّب تغيراتٍ بمتانة الخشب ومُعامِل مرونته، إلا أنَه تبيَن بالتجربة أن تغير نسبة المياه بالخشب فوق نقطة تشبع الألياف لا تتسبب بتغير خصائصه (4).

يلجأ المصممون في بعض الحالات للاستفادة من الخصائص المميِّزة لموادَّ عدةٍ للوصول لأهدافٍ تتعلق بالصلابة وتخفيض التكلفة والتصنيع المسبق، وهذا هو السبب في وجود بعض (المباني الهجينة - Hybrid systems)، حيث الخَرَسانة والكتلة الخشبية والأجزاء المعدنية الصلبة تعمل معًا لضمان أداء المُنشأ(1).

يبقى اختيار مواد البناء المناسبة يرتبط بمعاييرَ عدةٍ من أهمها: التأثير على البيئة وصحة الإنسان، وتأتي أفضلية الخشب في ذلك كونه يجمع بين المرونة والمتانة ويتلائم مع البيئة.

المصادر:

1. The Development of a Tall Wood Building [Master in Architecture]. TU Wien; 2017.هنا

2. Kuzman M, Grošelj P. Wood as a construction material: Comparison of different construction types for residential building using the analytic hierarchy process [Internet]. Wood research; 2012 [cited 29 November 2020]. Available from: هنا

3. Ramage M, Burridge H, Busse-Wicher M, Fereday G, Reynolds T, Shah D et al. The wood from the trees: The use of timber in construction. Renewable and Sustainable Energy Reviews [Internet]. 2017 [cited 25 November 2020];68:333-359. Available from: هنا

4. Raposo P, Correia J, Sousa D, Salavessa M, Reis C, Oliveira C et al. Mechanical Properties of Wood Construction Materials from a Building from the 19th Century. Procedia Structural Integrity [Internet]. 2017 [cited 25 November 2020];5:1097-1101. Available from: هنا