كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (انقطاعات الموت): شهقة ولادة دون شهقة موت!

تدور أحداث رواية (انقطاعات الموت) في بلدٍ ما دون تحديدٍ، يتوقف البشر عن الموت فيه دون بقية البلدان، فيعتقد السكان أنَّ حلم الخلود قد أصبح حقيقةً، ولكنَّ الأمر لا يطول إلى أن يتحوَّل إلى جحيمٍ حين تزاد أعداد البشر الذين ليسوا بالأحياء وليسوا بالأموات!

فتغصُّ المستشفيات بأسرَّة المرضى المُعلَّقين بين عالم الأحياء وعالم الأموات، فلا عقاقير لشفائهم، ويأبى الموت أن يؤدي عمله، وكذلك الأمر في دُوْر العجزة -"منازل الأفول السعيد" كما يسميها الكاتب- التي تُتخم بكبار السن العالقين بين الحياة والموت.

وتُصاب شركات التأمين بصدمة حين يتوقف الناس عن الدفع لهم؛ فهم ليسوا خائفين على حيواتهم بعد اليوم، أما شركات الجنائز فهي قاب قوسين أو أدنى من إعلان إفلاسها؛ ولكن، ماذا عن رواتب المتقاعدين الذين ستزداد أعدادهم مع استمرار الولادات؟ هذا ما يحوِّل الأمر إلى كارثة اقتصادية أيضًا.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل تعمُّ البلاد حالةٌ من الفوضى العارمة عندما يشعر السكان أنَّ مرضاهم الذين يقبعون بين الحياة والموت أصبحوا عبئًا عليهم، فتخرج مجموعاتٌ منظمة تحت مُسمَّى "المافيا" للتفاوض مع الحكومة واقتراح حلٍّ يساعد في تخفيف وطأة هذه المشكلة، فتجد الحكومة نفسها مُضطرةً إلى مفاوضتهم سرًّا ومحاربتهم في العلن للحفاظ على ماء الوجه، ومن هذه المفاوضات وتطوُّرها يأخذ الأمر حيزًا أكبر من الفوضى يصل إلى الدول المجاورة.

"الحياة هي أوركسترا في عزف متواصل، عزف متناسق أو نشاز، هي تايتنك تغرق باستمرار وتعود على الدوام إلى السطح."

يناقش ساراماغو افتراضه الفلسفي ويُظهِر لقرَّائه أهمية الموت لاستمرار عجلة الحياة؛ بل يعطي الموت قيمةً تقف عندها الحياة وتنهار دونها.

وتبدو حاجتنا إلى الموت وكأنَّه تناقضٌ صارخ لوجودنا، ولكنَّه ضروري في الوقت ذاته وحاجة صارخة أيضًا.

ومن جهة أخرى يُظهر لنا ساراماغو من عنوان انقطاعات الموت هشاشةَ المجتمعات البشرية وزيْف قيمهم الإنسانية وعلاقاتهم الاجتماعية، فهم يهتفون لأحبائهم " للأبد"؛ ولكن، عندما توقف الموت باتوا يلجؤون إلى أيَّة طريقة للتخلص من أقربائهم المرضى.

وقد أظهر الكاتب أيضًا الفساد الذي يعمُّ الأنظمة السياسية، والتي قد تلجأ إلى التعامل مع الشيطان أو ملاك الموت أو مجموعات من المجرمين لتحافظ على كراسيها، فهو قد جرَّدهم من صورهم اللامعة التي يقدِّمونها إلى الشعب عندما دخل إلى كواليس اجتماعات الوزراء ليقدِّمهم في روايته مجموعةً من المهرجين العاجزين عن التعامل مع الأزمات.

"الأديان جميعها، مهما قلبناها، لا مسوغ لها في الوجود سوى الموت، إنها بحاجة إليه مثل حاجة الفم إلى الخبز."

ويحوك ساراماغو في الرواية نقاشًا بين مجموعةٍ من الفلاسفة ورجال الدين حول ما استجد في البلاد، وذلك لتبادل الآراء حول هذا الحدث الغريب الذي ألمَّ ببلدهم، ويُظهر ثغرةً أخرى في حياة البشر مُتمثلةً بالدين الذي يتمحور حول الموت بصفتها فكرةً وسندًا في وجوده وفلسفته تمحورًا واضحًا، ودون الموت لا حاجة للبشر إليه بعد اليوم بحسب رأي المؤلِّف.

ويقول المؤلِّف على لسان أحد الشخصيات بما معناه: عمَّ ستُكتَب المواعظ الرنانة إذا لم تتوعد البشر المخطئين بالجحيم ما بعد الموت؟ فلم يعد هناك موت، وهكذا فلا انبعاث بعد الموت.

رأي معدِّ المقال:

ما يميز هذا العمل الأدبي ثلاث نقاط أساسية.

معلومات الكتاب: