الغذاء والتغذية > الوزن واللياقة

هل تعدُّ مشتقات الحليب سببًا خفيًّا للبدانة؟

تتنوع الشائعات المتعلقة بخسارة الوزن، وتتسع قائمة الأغذية الممنوعة باستمرار لتشمل أغذية مهمة في تغذية الإنسان؛ مثل الحليب ومشتقاته المختلفة. دفعنا انتشار الادّعاءات واتباعها من قِبَل الراغبين في خسارة الكيلوغرامات الفائضة إلى البحث عن حقيقة ما يقوله العلم عنها وجمع ما أمكن منها في هذا المقال. 

- البداية مع دراسة أُجريَت في جامعة (Tennessee) في مدينة (Knoxville) الأمريكية، فقد قارن الباحثون بين 32 شخصًا بدينًا خفّض كل منهم 500 سعرة حرارية من مدخوله اليومي مدة 24 أسبوعًا، ثم وُزِّعوا على 3 مجموعات، تناولت المجموعة الأولى 1200-1300 مغ كالسيوم مصدرها 3-4 حصص من مشتقات الحليب يوميًّا، وحصلت الثانية على كمية الكالسيوم نفسها ولكن معظمها من المكملات؛ 800 مغ إضافةً إلى حصة واحدة من منتجات الحليب، في حين كانت الحصة الأقل من الكالسيوم 400-500 مغ ومشتقات الحليب (حصة واحدة) -مُضافًا إليها مكملات البلاسيبو- من نصيب المجموعة الثالثة. 

وبعد مرور المدة المطلوبة؛ لُوحظ أن أفراد المجموعة الأولى تفوقوا على بقية المشاركين بمعدل الضِّعف من حيث خسارة الوزن (قرابة 11كغ لكل منهم) أي 11٪ من الوزن الكلي، وكمية الدهون المفقودة خاصةً من منطقة البطن، في حين خسر كل فرد من المجموعة الثانية 8.6 كغ، والثالثة 6.8 كغ أي 6٪ من وزن الجسم. 

ومن أهم ما استنتجه البحث أنَّ تناول 3-4 حصص من مشتقات الحليب يوميًّا يتيح الفرصة لتناول حمية معتدلة في تحديد السعرات، إذ ستكون بفعالية الحمية القاسية نفسها! ويُذكَر أن الحصة الواحدة من مشتقات الحليب تعادل كوبًا من الحليب أو اللبن أو 1.5 أونصة من الجبنة الصلبة (بحجم 6 أحجار نرد) أو 2 أونصة من الجبنة المصنّعة (1).

- وفي سياقٍ آخر شملت مراجعةٌ 27 بحثًا منشورًا في مجلات علمية مُحكّمة في عدة دول في العالم مثل أمريكا وأستراليا والمكسيك وإيران، اعتمدت جميعها التجارب المضبوطة عشوائيًّا واستهدفت الفئة العمرية بين 18-50 سنة تقريبًا مدة 8-24 أسبوعًا على الأقل، وقارن كل منها بين حمية غنية بمشتقات الحليب أو مكملاتها (بروتين الكازئين وبروتين المصل أو أحدهما) وحمية فقيرة بهذه المجموعة الغذائية وذلك بعد تحديد السعرات الحرارية المُتناوَلة في الحالتين ومراقبة وزن الجسم إضافةً إلى كتلة الدهون وكتلة العضلات الصرفة أو إحداهما، وأضافت 6 دراسات نشاطًا بدنيًّا للمشاركين بالحمية تنوَّع بين تمارين المقاومة والأيروبيك. 

وخرجت جميعها بنتائج متقاربة متعلقة بكل من وزن الجسم الكلي ونسبة الدهون التي اختلفت بين المشاركين الممارسين لتمارين المقاومة وغير الممارسين لها، فقد نتج عن تحديد السعرات الحرارية المُتناوَلة مع زيادة حصص مشتقات الحليب انخفاض ملحوظ في وزن الجسم وكتلة الدهون مقارنًة بمجموعة الشاهد، في حين لوحِظَت نتائج مُغايرة عند إضافة تمارين المقاومة؛ إذ لم تُلاحَظ اختلافات واضحة في الوزن والدهون بين من تناولوا مشتقات الحليب ومجموعة الشاهد على الرغم من خضوع المجموعتين لحمية محددة السعرات، ولكن فقدان الكتلة العضلية المترافق مع خسارة الوزن كان أقل بنسبة 75٪ عند إضافة مشتقات الحليب مقارنةً بمجموعة الشاهد (2). 

- تكون النساء في سن اليأس أكثر عرضةً للإصابة بالبدانة، وبذلك؛ الإصابة بالأمراض المزمنة بسبب انقطاع الإستروجين وقلة النشاط البدني وتناقص معدل الاستقلاب الأساس، لذلك تسعى معظم النساء في هذه المرحلة العمرية إلى تخفيف الوزن؛ مما يترافق غالبًا مع ضياع في الكتلة العضلية والعظمية، وزيادة التعرض للكسور. ومن هنا برزت أهمية دراسة الرابط بين مشتقات الحليب ووزن الجسم وقياساته، فقد أُجريت تجربة سريرية مضبوطة عشوائيًّا مدتها 6 أشهر، شملت 135 امراة قوقازيّة في بداية سن اليأس يعانين البدانة أو زيادة الوزن، قُدّمت لكل منهنّ حمية محددة السعرات (تحوي 85% من الاحتياجات اليومية) ثم وُزّعنَ على ثلاث مجموعات، بحيث تتناول مشارِكات المجموعة الأولى 4-5 حصص يومية من مشتقات الحليب منخفضة الدسم، والثانية مكملات الكالسيوم وفيتامين D بجرعات 630 مغ و400 وحدة دولية على الترتيب، في حين تناولت المجموعة الثالثة حبوبًا دوائية وهمية (بلاسيبو)، وطُلب من المجموعتين 2 و3 تناول ما لا يزيد على حصتين من منتجات الحليب يوميًّا. وقد تابع مختصون المشاركات كل أسبوعين لتنظيم العادات الغذائية والسلوكية والنشاط البدني، إضافةً إلى متابعة قياسات الطول والوزن ومؤشر كتلة الجسم ومحيط الخصر والورك والبطن والفخذ والساعد، وإجراء صور لمراقبة نسبة الدهون والعضل وكثافة العظام، وفحوصات للبول ومصل الدم لكل من الكالسيوم والبروتين والكرياتينين والمغنيزيوم والفوسفور، وراقبوا عوامل أخرى؛ مثل النوم والتدخين والأدوية المُتناوَلة والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية؛ فوُجِدت نتائج أفضل من حيث خسارة الوزن الزائد ونقص نسبة الدهون مع الحفاظ على العضلات والعظام عند أفراد المجموعتين الأولى والثانية وبخاصة الأولى (3). 

- وأما بالنسبة للأطفال والمراهقين؛ تعد مراقبة تأثير مشتقات الحليب على أوزانهم ذات أهمية في إطار البحث عن حلول ناجعة لبدانة الأطفال التي أضحت مشكلة عالمية تنطوي على العديد من الاضطرابات الصحية؛ مثل الموت المبكر ومرض القلب المزمن والسكري من النمط الثاني والسكتة الدماغية وبعض السرطانات، وتشير الإحصائيات إلى أن قرابة 25% من البالغين البدينين كانوا كذلك في سنوات طفولتهم. لذلك أُجريت دراسات مقطعية مستعرضة شملت أطفالًا ومراهقين من بلدان ومجموعات عرقية مختلفة لمعرفة العلاقة بين تناول الحليب ومشتقاته وكل من مؤشر كتلة الجسم (BMI)، ووزن الجسم، ونسبة الدهون، فمثلًا؛ قارنت إحداها بين 50 طفل نيوزيلندي قبل سن البلوغ لا يتناولون الحليب، و200 طفل آخرين يشربونه بانتظام، من ناحية المدخول من الكالسيوم وقياسات الجسم وصحة العظام، فوُجد أن أطفال المجموعة الأولى كانوا أقصر قامةً، ويمتلكون هياكل عظمية أصغر ومحتوى معدني ودرجة معيارية أقل لكثافة العظام من مجموعة الشاهد من العمر نفسه والجنس نفسه والمجتمع نفسه، إضافةً إلى نسبة (BMI) وبدانة أعلى. وفي دراسة شملت 1701 طفلًا بين الصف الثالث والسابع، في ثلاث مناطق مختلفة في تشيلي (Chile) وُجدت علاقة عكسية ملحوظة بين تناول مشتقات الحليب والإصابة بالبدانة. ولاحظت دراسة مشابهة على 365 طفل أرجنتينيّ بمتوسط عمر 10 سنوات ارتباط التناول المرتفع من الحليب بانخفاض محيط الخصر وضغط الدم الانقباضي ومقاومة الأنسولين. من جهةَ أخرى؛ ربطت بعض الأبحاث تناول الحليب بزيادة الوزن خاصة عند الأطفال بين 2-4 سنوات، وتشير معظم التجارب السريرية المتوفرة إلى حيادية تأثير مشتقات الحليب على وزن الجسم وتركيب مكوناته مثل نسبة الدهون والعضل(4). 

ما هو سر تأثير مشتقات الحليب في الوزن؟ 

تسهم الحميات الغنية بالكالسيوم في تخفيف تراكم الدهون وزيادة الوزن عند اتباع حمية غنية بالسعرات الحرارية، وفي تحطيم الدهون وحفظ الاستقلاب عند اتباع حمية محددة السعرات، وذلك بفضل وجود الكالسيتريول (الشكل النشط من فيتامين D) المُنظِّم لشوارد الكالسيوم بين الخلايا الشحمية الذي ينظم بدوره استقلاب الدهون وتخزين الشحوم الثلاثية، فضلًا عن قدرة الكالسيوم على منع امتصاص الأحماض الدهنية في السبيل الهضمي وطرحها مع البراز، لكن أظهر تناول مشتقات الحليب نتائج أفضل من تعاطي مكملات الكالسيوم منفردًا، بفضل احتواء تلك الأغذية بعض المعادن مثل الفوسفور والمغنيزيوم الداعمَيْن لدور الكالسيوم في تحطيم الدهون، والبروتينات التي تحفظ الكتلة العضلية وتعزز الاستقلاب، وبخاصة الحليب فهو يحتوي مركبات أخرى مثل أحماض اللينوليك المترافقة (CLA) والأحماض الدهنية متوسطة السلسلة وببتيدات فعالة حيويًّا (1,5,6,7). 

من جهةٍ أخرى، لا تقتصر العلاقة بين مشتقات الحليب والوزن على وجود بعض العناصر الغذائية المؤثرة مثل الكالسيوم وفيتامين D منفردةً، لأن تلك الأغذية تحوي مركبات مختلفة ومتنوعة تشترك مجتمعةً في إحداث تغيير في وزن الجسم وصحته، إذ يزيد استهلاك منتجات الحليب عمومًا الكتلة العضلية الصافية على حساب الشحوم في جسم الإنسان، وتؤثر عمليات التخمير التي تتعرض لها الألبان والأجبان إيجابًا في الحماية من الأمراض القلبية الوعائية وضبط سكر الدم وحساسية الخلايا للأنسولين، فضلًا عن المحتوى من البروبيوتيك الذي أثبت فعاليته بما يتعلق بالوزن والاستقلاب، فقد بيّنت دراستان شملت كل منهما 1000 مشترك، مدة تتراوح بين 3-24 أسبوعًا مع تقييم تصاميم متفاوتة لكل من مجموعة الشاهد والاضطرابات الصحية للمشتركين وتركيب مستحضرات البروبيوتيك الدوائية، وقد كانت الأولى مراجعة منهجية وتحليل شمولي لـ 15 تجربة مضبوطة عشوائيًّا تابعت تأثير البروبيوتيك الموجود في المكملات أو بعض الأغذية المخمرة منها الألبان والأجبان على وزن الجسم ومكوناته لدى المشاركين زائدي الوزن أو البدينين، فلوحظ انخفاض في وزن الجسم بنسبة 0.60 كغ، ومؤشر كتلة الجسم بنسبة 0.27 كغ/م2، والنسبة المئوية للدهون 0.60% مقارنةً بالإضافة الوهمية (البلاسيبو)، وأما الثانية فتحليل شمولي منفصل لعدة تجارب سريرية عشوائية، وقد وَجدت أن استهلاك البروبيوتيك يحسّن مستوى الأنسولين والسكر في الدم، ويخفف مقاومة الأنسولين (8). 

مشتقات الحليب وثبات الوزن: 

تشكّل القدرة على تثبيت الوزن تحديًّا لا يقل صعوبةً عن خسارة الكيلوغرامات الزائدة، وهنا تبرز أهمية مشتقات الحليب عاملًا مساعدًا، فقد أُجريَ بحثٌ مشترك بين جامعتَي (Kansas) و(Tennessee) في الولايات المتحدة الأمريكية، ضمّ 270 مشاركًا مُقسَّمين إلى مجموعتين، تتراوح أعمارهم بين 19-65 سنة، ومؤشر كتلة الجسم (BMI) بين 25-39,9 كغ/م2، ولا يعانون اضطرابات صحية أو يتناولون مكملات الكالسيوم مع تخطيط حمية لخسارة ٪10 من أوزانهم في خلال 3 أشهر، ثم تثبيت الوزن الجديد مدة  4-9 شهور، وقد تضمنت حمية المجموعة الأولى 3 حصص من مشتقات الحليب، والمجموعة الثانية حصة واحدة، وذلك بعد تحديد السعرات الحرارية 1200-1500 يوميًّا، وإضافة نشاط بدني، وبالمتابعة وُجِد أن تناول الحصص اللازمة من مشتقات الحليب (المجموعة الأولى) لم يؤثر سلبًا في ثبات الوزن بعد المرور بفترة إنقاصه -مثلما يعتقد البعض- على الرغم من تناول قرابة 150 سعرة إضافية مصدرها منتجات الحليب، بل على العكس أسهم تناول الكالسيوم بكميات كافية في تقليل فرصة استعادة الوزن السابق، فضلًا عن أكسدة أكبر للدهون وبذلك صرف كمية أكبر من طاقة الجسم الكلية، مقارنةً بمن تناولوا حصصًا أقل من مشتقات الحليب (المجموعة الثانية) وهو ما يساعد على الالتزام الدائم بالحمية الصحية التي تعقب خسارة الوزن الزائد، ويُحسَب لمشتقات الحليب قدرتها على تعزيز الشعور بالشبع بفضل محتواها من البروتين وهرمون (caseinomacropeptide) الذي يتحرر في أثناء هضم بروتينات مشتقات الحليب ويحفّز بدوره إفراز هرمون كوليسيستوكينين (CCK) الضروري في تسهيل عملية الهضم في الأمعاء الدقيقة (9,10). 

ماذا لو اخترنا مشتقات الحليب الخالية من الدسم؟ 

راقب بعض الباحثون تأثير خفض محتوى الحليب من الدهون -أو إزالته- على وزن الجسم، فوُجِد أن لنوع المُنتَج (لبن أو حليب أو جبنة) أهمية أكبر من محتوى ذلك المُنتَج من الدهون والطاقة، حتى مع احتوائه الدهون المشبعة السيئة السمعة لأنها من النوع القصير أو المتوسط السلسلة بخلاف الموجودة في أغذية أخرى مثل اللحوم، إذ تتميز دهون الأجبان بفيزيولوجيا مختلفة تتضمن فوائد مُحتمَلة للوزن والاستقلاب والأحياء الدقيقة الهضمية النافعة (8).

وختامًا؛ لا شك أن زيادة الوزن تتعلق بعدة أسباب وعوامل، وقد نختلف في الطريقة المتبعة لعلاجها لكن مما لا شك فيه أن الحصول على المعلومة الصحيحة يكون عن طريق استشارة المختصين وليس الاستماع  للشائعات!

المصادر:

1-dairy and weight loss [Internet]. WebMD. 2020 [cited 30 October 2020]. Available from: هنا

2-Stonehouse W, Wycherley T, Luscombe-Marsh N, Taylor P, Brinkworth G, Riley M. Dairy Intake Enhances Body Weight and Composition Changes during Energy Restriction in 18–50-Year-Old Adults—A Meta-Analysis of Randomized Controlled Trials. Nutrients. 2016;8(7):394. هنا

3-Ilich J, Kelly O, Liu P, Shin H, Kim Y, Chi Y et al. Role of Calcium and Low-Fat Dairy Foods in Weight-Loss Outcomes Revisited: Results from the Randomized Trial of Effects on Bone and Body Composition in Overweight/Obese Postmenopausal Women. Nutrients. 2019;11(5):1157. هنا

4-A. Spence L, J. Cifelli C, D. Miller G. The Role of Dairy Products in Healthy Weight and Body Composition in Children and Adolescents. Current Nutrition & Food Science. 2011;7(1):40-49. هنا

5-Zemel M. The Role of Dairy Foods in Weight Management. Journal of the American College of Nutrition. 2005;24(sup6):537S-546S. هنا

6-Calcitriol [Internet]. Pubchem.ncbi.nlm.nih.gov. 2020 [cited 2 November 2020]. Available from: هنا

7-Nutrition D. The Role of Milk Products in Preserving Lean Mass During Weight Loss | Dairy Nutrition [Internet]. Dairynutrition.ca. 2020 [cited 2 November 2020]. Available from: هنا

8-Mozaffarian D. Dairy Foods, Obesity, and Metabolic Health: The Role of the Food Matrix Compared with Single Nutrients. Advances in Nutrition. 2019;10(5):917S-923S. هنا

9-Zemel M, Donnelly J, Smith B, Sullivan D, Richards J, Morgan-Hanusa D et al. Effects of dairy intake on weight maintenance. Nutrition & Metabolism. 2008;5(1). هنا

10-Cholecystokinin [Internet]. Vivo.colostate.edu. 2020 [cited 2 November 2020]. Available from: هنا