كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية: (ألف شمس مشرقة)

تدور أحداث (رواية ألف شمس مشرقة) في أفغانستان؛ إذ يتناول الكاتب قصةَ حياة امرأتين (مريم) و (ليلى)؛ فمريم فتاةٌ غير شرعية لــ(جليل)، وهو متزوج من ثلاث نساء ويقيم علاقة مع خادمته (نانا)، ولمداراة الفضيحة يُخرِج جليل نانا من منزله ويبني لها ما يشبه المنزل في بساتين مدينة (هِرات)، وفي ذلك المنزل تنشأ مريم مع والدتها وتتعلق الأم بابنتها تعلُّقًا مَرَضيًّا، ولكنَّ مريم تكنُّ كثيرًا من الحب لأبيها الذي يزورها مرةً كل أسبوع، وتعد الأيام حتى يحين موعد زيارته؛ ولكن، ما فعله بأمها جعل نانا تكرهه شديد الكره، وحاولت جاهدةً أن تظهر الوجه الحقيقي لخليل أمام ابنتها ولكنَّها فشلت.

وعندما تبلغ مريم ربيعها الخامس عشر يقرر والدها التخلص منها، وذلك عن طريق تزويجها إلى رجل أرمل يكبرها بثلاثين عامًا، وتنتقل معه للعيش في أحد أحياء مدينة كابول. 

وبسبب فعلته تلك تتبين لمريم لأول مرة نظرةُ أبيها تجاهها وأنَّه يعدُّها عبئًا، وبسبب فعلته تلك تُخاصم مريم أباها إلى غير رجعة، ويبلغ الندم من جليل أشده عندما لا يمكن للندم أن يغفر له.

أما ليلى-أصغر أفراد العائلة- فتعيش في كابول، وقد وُلِدت ليلةَ دخول السوفييت لأفغانستان، فلقَّبتها معلمتها "فتاة الثورة" عندما لم يسمح بأن يعدُّوا ما حدث اجتياحًا. 

أما أخواها أحمد ونور الدين فلم تعيَهما بسبب فارق العمر، وكانا قد التحقا مع صفوف المجاهدين ضد السوفييت، ولكنَّها وجدت في ابن جيرانهم طارق الذي يكبرها بعامين صديقًا وأخًا؛ إذ كانت تقضي وقتها ما بعد المدرسة في منزله أكثر ممَّا تقضيه في منزلها الكئيب، وذلك بعد أن أصبحت والدتها طريحة الفراش ليس مرضًا بل حزنًا على فراق أخويها على جبهات القتال.

وتقطن مريم وليلى الحي نفسه، وتجمعهما الحرب والدمار والفقدان والألم والحزن.

وعن طريق هذا العمل الأدبي يقدِّم الكاتب خالد الحسيني لمحةً عن حقبة مؤلمة من تاريخ بلده أفغانستان قبيل الاجتياح السوفييتي وما بعده، والجماعات الإسلامية التي خرجت للجهاد في وجه السوفييت بتمويل أمريكي/أوروبي سخي، وعُقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وخروج دول الاتحاد واحدةً تلو الأخرى، يكون نصيب أفغانستان وقوعَها تحت سطوة أمراء الحرب الذين تشبَّعت نفوسهم بالقتل وتلوثت أرواحهم بالدماء، ووقع المحظور الذي كان المجتمع الدولي يحذِّر أمريكا والحلفاء منه، وهو تسليح تلك الجماعات الجاهلة؛ إذ دخلت البلاد في أُتون حرب أهلية طاحنة قرابة خمس سنوات، وأُزهِقت أرواح الآلاف مِمَّن نجوا من نيران السوفييت، فتكفَّلت النيران المحلية بقتلهم.

ومن ثمَّ كان الأفغان على موعدٍ مع نشوء تنظيم إسلامي متشدِّد "طالبان"، والذي أحكم قبضته على البلاد وحَوَّل اسمها إلى "إمارة أفغانستان الإسلامية" بعد أن نجح في اجتياح العاصمة كابول.

ويركز الحسيني في عمله على الواقع القاسي الذي تعانيه النساء في بلاده، ففي الماضي كانت المرأة حرَّةً ومستقلة، وحتى في فترة الاجتياح السوفييتي عندما كانت الشيوعية تركز على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في كل شيء، ومن أهم ما فعله السوفييت إقامةُ دورات محي أميةٍ للنساء، ولكنَّه ينوِّه إلى أنَّه في كثيرٍ من الأرياف والضواحي النائية والمتخلِّفة الأفغانية كانت المرأة محرومةً من أبسط حقوقها؛ كحق التعلُّم والعمل، وهي المناطق ذاتها التي خرجت منها الجماعات المتشدِّدة فيما بعد وحكمت البلاد.

وبعد أن كانت المرأة في سبعينيات القرن الماضي في أفغانستان قد دخلت ميادين القانون والطب والهندسة، أعادتها تعاليم أمراء الحرب ومن بعدهم أحكام تنظيم طالبان إلى الجهل مرةً أخرى.

ويؤكد في هذه الرواية أنَّ هدفه كان تسليط الضوء على معاناة المرأة على وجه الخصوص في ظل ما قاسته بلاده من ويلات الحرب ومخيمات اللجوء وكثيرٍ من القهر والذل.

ويكتب الحسيني روايته هذه بحضورٍ على درجةٍ عالية من التشويق والأسلوب الدرامي الممتع، في وصفه لحياة الطفولة ومشاكسات المراهقة، وخفقان القلب في الصبا، وألم الخيبة ولهفة اللقاء. 

معلومات الكتاب: