الاقتصاد والعلوم الإدارية > تمويل وتنمية

إعادة الرسملة

تتألّفُ مصادر التمويل للشركاتِ المساهمة من جزئين أساسيين؛ حقوق المُلكية التي تتمثل برأس مال الأسهم التي قد تتخذ عدة أنواع أشهرها الأسهم العادية والمُمتازة وعلاوات إصدارها، وكذلك الأرباح المُحتجزة والاحتياطيات المُقتطَعة منها، ويُنزل منها أسهم الشركة المُعاد شرائها (فيما تُعرف بأسهم الخزينة). والجزء الثاني وهو أدوات الدَين، التي قد تتخذ شكلَ السندات أو القروض، والتي بدورها تنقسم إلى عدة أنواع أيضًا. وتتعدد العوامل التي تُحدد شكل الهيكل التمويلي ونسبة التمويل من كلا الأداتين، أبرز العوامل هو ما يتعلق بتكلفة التمويل؛ التي تُحسب عادةً وفق ما يعرف بالوسطي المُرجح لتكلفة رأس المال، إضافةً إلى الأخذ بالحسبان المخاطرَ المُتعلقة بكل نوعٍ من أنواع التمويل (1).

لكن قد تلجأُ الشركات – والبنوك ضمنها - إلى إعادة تشكيل الهيكل التمويلي فيما يُعرف بعملية "إعادة الرسملة" “recapitalization”؛ والتي يكون هدفها إعادة تشكيل هيكل التمويل على نحوٍ جوهريٍّ أحيانًا، وذلك عن طريق خفض أو زيادة حجم الدين وحقوق الملكية، أو إحداثِ تغييرٍ في هيكل التمويل ضمن مجموعة الأدوات الواحدة كتحويل جزءٍ من سندات الدين إلى سنداتٍ أُخرى وفق آجالٍ وفائدةٍ مختلفة، من أجلِ الوصول إلى النسبة المُثلى من الدين لحقوق المُلكية أو الرفع المالي (وليس بالضرورة خفضها)، وذلك لغاية تعظيم قيمة الشركة في النهاية (2،3 pp 456-457).

فيما يأتي؛ سيجري التعرُّضُ لأهم الأسباب التي تدفع الشركة إلى إعادة الرسملة، وكذلك بعض الآليات لإجراء إعادة الرسملة، مع افتراض أن غاية إدارة الشركة هي تعظيم قيمة الشركة.

1- وقف تدهور قيمة الأسهم والحماية من الاستيلاء

قد تسعى الشركة لمنع قيمة سهمها من التدهور؛ فتشتري جزءً من أسهمها من السوق لتخفيف الكمية المعروضة لوقف التدهور. إضافة إلى ذلك؛ فقد تسعى الشركة -لحماية نفسها من الاستيلاء عليها من قبل أطرافٍ أُخرى (المنافسين خصوصًا) عند انخفاض سعر السهم إلى مستوياتٍ تجذبهم- إلى شراء حصصٍ مُسيطرة في الشركة والتحكم بها (2).

وقد تحمي الشركة نفسها من الاستيلاء عن طريق الاستدانة فقط لزيادة نسبة الرفع المالي فيها وجعلها أقل جاذبية للاستيلاء، وقد تفعل ذلك بالتوازي مع شراء أسهمها من السوق لزيادة الرفع المالي على نحوٍ كبير لديها، أو بمبادلة الأسهم بسنداتٍ أو إعادة قيمتها لحملتها، أو توزيع جزءٍ كبير من الأرباح، كل ذلك من شأنه خفض حجم حقوق الملكية في الشركة. ويمكن أن تشتري الشركة جزءً من أسهمها من السوق وتجري طرحًا خاصًّا للأسهم لجهةٍ مُحدد تُعدُّ "صديقةً للشركة أو لصالح برنامج "تمليك الأسهم للموظفين" الذي أنشأته الشركة؛ وهو أشبه بصندوق استثمارٍ يُساهم فيه ربُّ العمل والموظفين بغرضِ حماية الأسهم من الوقوع في أيدي من قد يرغب بالاستيلاء (3 p 462،4 p 197).

وفي السياق نفسه؛ قد تُفعِّلُ الشركة خياراتٍ مرتبطةً بالأسهم بغرض تحويل الأسهم الممتازة – التي غالبًا لاتمتلك حق التصويت - إلى أسهم عادية، والتي قد تمتلكها شركات صديقة للشركة أصلًا، وعليه يصعب على الراغبين بالاستيلاء الوصولَ إلى حصةٍ مُسيطرة في الشركة والقدرة على فرض الاستيلاء نتيجةَ زيادة عدد الأسهم العادية، وذلك لانخفاض النسبة التي يمتلكونها من الأسهم العادية في الشركة (4 pp 207-208).

2- التخلص من عبء الدين والاستجابة لتوقعات أسعار الفائدة المستقبلية

قد تسعى الشركات إلى إعادة تشكيل الجزء الممول بالدين من هيكلها التمويلي نظرًا إلى عدة عوامل. وأحد هذه العوامل عدم قدرة الشركة أحيانًا على الالتزام بخدمة ديونها، أو أن تكونَ مُثقلةً بالديون بما يزيد من مخاطر الإفلاسِ على نحوٍ جوهري؛ فقد تحاولُ مفاوضةَ الدائنين على تعديل بنود الدين، كأجلِ الدين ومعدل الفائدة أو أصل الدين. ويمكن أيضًا أن تعرُضَ الشركةُ على الدائنين استبدال ديونها بأسهمٍ في الشركة، وهذا من شأنه خفض نسبة الرفع المالي على نحوٍ جوهري نظرًا لانخفاض حجم الدين وزيادة حجم التمويل بحقوق المُلكية على نحوٍ متزامن. ولخفضِ نسبة الرفع المالي قد تبيع الشركة جزءً من أصولها تستخدمُ عائدَ البيعِ في سداد ديونها، وعلى نحوٍ معاكسٍ أحيانًا؛ تستخدم الشركة العائدَ لإعادة شراءِ أسهمها أو لتمويل توزيعات الأرباح وذلك لزيادة الرفع المالي لديها (3 p 463).

في الفترات التي تسود فيها معدلات الفائدة المنخفضة؛ يُصبح التمويل بالدين جذّابًا أكثر للشركات، دون الحاجة إلى زيادة رأس مال الأسهم وتكبُّدِ تكاليفه وخفضِ نسبة العائد على السهم الواحد. لكن عندما تعقبُ تلك الفتراتُ فتراتٍ أُخرى من معدلات الفائدة المرتفعة؛ قد يتسبب ذلك بزيادة مخاطر الاعسار لدى الشركات، وعليه قد تلجأ إلى إعادة الرسملة لأنَّ بعض أدوات الدين ذات معدلِ فائدةٍ مُتغير. وكذلك في الحالة المُعاكسة؛ عندما تسود معدلات الفائدة المنخفضة بعد فترة من ارتفاعها، قد تحاولُ الشركاتُ استبدالَ ديونها الحالية ذات الفائدة المرتفعة نسبيًا بديونٍ جديدة ذات عبءِ فائدةٍ أقل أو أجَلٍ أطول، أو تستبدل جزءً من أسهمها بالديون (2).

كذلك عندما تتوقع الشركة انخفاض تدفقاتها النقدية المستقبلية، خصوصًا عندما تقترب الشركة أو إحدى منتجاتها الرئيسية من مرحلة من التدهور بما يحول دون توليد الأرباح الكافية في المستقبل؛ فقد تحاولُ الشركةُ التخلُّصَ من ديونها قدرَ الإمكان لتخفيف مخاطر الإعسار مستقبلًا (3 pp 341-342).

وعادة ما يتردد مصطلح إعادة الرسملة في حالاتِ الأزمات المالية؛ إذ قد تتدخَّلُ الحكومةُ لإعادةِ رسملةِ بعضِ الشركات والبنوك لمنع الانهيار والوقوع في الإفلاس وتوسيع نطاق الازمة. كما حدث في الولايات المتحدة على خلفية الأزمة المالية العالمية عام 2008؛ إذ اشترت الحكومةُ أسهمًا ممتازةً في بعض البنوك فضلًا عن شراء بعض الديون المتعثرة (5).

وتجدر الإشارة إلى أن الشركة قد لا تستهدف النسبة المُثلى للرفع المالي لعدة اعتبارات: كتجاوزِ تكلفة إعادة الرسملة منافعها، أو أنَّ إضافة دينٍ على الشركة قد يفرض قيودًا من الدائنين لاترغب بها الشركة، أو أنَّ حَمَلَةَ الأسهم قد يشكلون ضغوطًا على إدارة الشركة لمنعها من تكبُّدِ ديونٍ إضافية، أو أنَّ إدارة الشركة تنتهج مدخلَ تعظيم صافي الدخل بدلًا عن تعظيم قيمة الشركة، كما قد ترغب بعض الشركات بالحفاظ على نسبةٍ عاليةٍ من الدينِ لحقوق الملكية مستفيدةً من ضماناتٍ قد تقدمها الحكومة لها في حال الإعسار. وقد يكون التغيير في نسبة الرفع المالي على نحوٍ متدرِّجٍ وبطيء في حال عدم وجود ظروفٍ طارئة وخطيرة، أو آنيًّا عند التعرض لمخاطر الاستيلاء والإعسار (3 pp 456-458).

المصادر:

1- Tuovila A. Capital Structure [Internet]. investopedia.com. 2020. Available from: هنا

2- Kenton W. Recapitalization [Internet]. investopedia.com. 2020. Available from: هنا

3- Aswath Damodaran. Applied Corporate Finance، 3th Edition. Wiley. 2011. Available from: هنا

4- Gaughan PA. Mergers، Acquisitions، and Corporate Restructurings [Internet]. 3nd ed. Wiley; 2002. Available from: هنا

5- Segal T. Troubled Asset Relief Program (TARP) [Internet]. investopedia.com. 2020. Available from: هنا