علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

السَّعادة وتكيُّف الإنسان (تكيُّف السَّعادة)

 تكيُّف السَّعادة (Hedonic Adaptation)

قدرةُ الإنسان على التكيف مع متغيرات الحياة المستمرة والمتنوعة بين السعادة والحزن والغضب عبرَ ضبط المشاعر لتعود إلى حالة التوازن الطبيعية من السعادة (1,2)، أو بتعبيرٍ آخر هي ميل الإنسان إلى العودة إلى مستوًى معين من السعادة على الرغم من تقلبات الحياة، ويطلق على هذا النمط من ارتفاع السعادة وانخفاضها بـ "حلقة المتعة" (Hedonic Treadmill)؛ لأننا ننتهي دائمًا من حيث بدأنا (3).

والأمثلة التي نتعرض فيها لهذا التكيف كثيرة، ولا شك بأنك قد عشت بعضَها، فمثلًا: بعد حصولك على ترقيةٍ وظيفية أو شراء سيارةٍ جديدة تنخفض مستويات سعادتك لتصبح عاديةً مع مرور الوقت (1)، وينطبق الأمر نفسه مع العلاقات العاطفية فليس من المستبعد بعد قراءتك لما سبق أن يتبادر إلى ذهنك السؤال الآتي: هل يعد هذا التكيف سببَ تدني مستويات السعادة في العلاقات العاطفية مع مرور الوقت؟

في الواقع يعتاد الأشخاص الذين يعيشون عَلاقةً عاطفيةً على مستوًى معين من السعادة في النهاية، فيقل تقدير كل الأمور الجديدة والمثيرة مع مرور الوقت، حتى بين المتزوجين حديثًا، فتعود مستويات السعادة إلى حالتها الطبيعية خلال شهر العسل، لكن يمكن مواجهة عملية التعود السريعة هذه بالعمل على إعادة شحن العَلاقة بكل ما هو جديدٍ، ففي النهاية إن تكيف السعادة أمرٌ لا يمكننا تجنبه (2).

هذا التكيف ومن جهة أخرى يساعدنا على تخطي الأحداث السلبية في حياتنا، ويعتمد ذلك على طبيعة هذه التجارِب وشدتها، لكن عمومًا أكدت البحوث قدرةَ الأفراد على التعافي من الصدمات الكبيرة بتوفير الدعم الاجتماعي المناسب ومعاملة الذات بلطف وذلك بمساعدة المرونة التي يمنحنا إياها هذا التكيف (2).

قبل أن نتطرق إلى كيفية مواجهة عملية التعود هذه في سبيل الحفاظ على سعادتنا أطول مدّةٍ ممكنة علينا معرفة أنواع السعادة التي نشعر بها، والتي يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسين:

❀ السعادة اللحظية:

 النشوةُ التي تنتابنا عند فعل ما نحبه أو تجنُّب ما نكرهه، فمثلًا: يندرج تناول الطعام والجنس ضمن أنواع السعادة اللحظية التي نسميتها بالملذّات (1)، وقد تحسن هذه الأنشطة مزاجَك وتشعرك بالمتعة، لكن آثارها عابرةٌ نسبيًّا؛ بسبب اعتيادنا السريع عليها (3)؛ إذ كشفت البحوث أن اللقمة الأولى من طعامٍ لذيذ أكثر متعةً من الثالثة أو العاشرة، فتناول الوجبة نفسها كل يوم مدةَ أسبوعٍ سيصبح أقل لذةً بحلول نهاية الأسبوع، وهذا ينطبق على الاستماع إلى أغنيةٍ مفضلةٍ أو مشاهدة مقاطع الفيديو وغيرها أيضًا (3).

❀ السعادة الطويلة الأمد:

 كما يوحي لنا اسمها، هي السعادة التي تمتد فترة طويلة نتيجة الالتزام بممارسة نشاط نحبه، وهي ذلك الشعور الذي ينتابنا عندما نساعد الآخرين أو عندما نعمل لتحقيق أهدافنا في الحياة (1)، بمعنًى آخر يمكن القول أنها تضفي طابع الامتنان على حياتنا، ويتمثل أغلبها بالهوايات؛ كالفن أو تعلم شيءٍ جديدٍ أو التأمل أو أي نشاطٍ لا نشعر بمرور الوقت عند مزاولته (3).

لا شك مما سبق أننا سنراهن على استثمار وقتنا في السعادة الطويلة الأمد، فبعد معرفة أنَّ المتعة الناتجة عن السعادة اللحظية سريعة الزوال مقارنةً بالامتنان الناتج عن السعادة الطويلة الأمد، يجعلها ذلك أقلَّ قيمة تجاه الأنشطة الأخرى التي قد تحقق نتائج دائمةً، لكنْ هناك أسبابٌ تجعل السعادةَ اللحظية مثاليةً لمواقف معينة، منها:

✿ تبعث على السعادة دون بذل كثير من الجهد (3).

✿ عندما يكون لديك بضع دقائق فحسب أو كمية طاقة محدودةٌ جدًا، فالملذات هي الخِيار الأبسط والأيسر لتعديل مزاجك ورفع مستوى سعادتك، فمثلًا: إذا كنت تحت ضغط العمل تشعر بالتوتر فمن الأسهل شرب بعض الشاي بدلًا من تحضير لوازم الرسم وممارسة هوايتك (3).

وختامًا وبعد معرفتنا الكافية مفهومَ السعادة أصبحنا مؤهلين لنطرح السؤال الآتي: هل نستطيع التحكم بسعادتنا والخروج من هذه الحلقة؟

درست الباحثة سونيا ليوبوميرسكي (Sonja Lyubomirsky) هذه الظاهرةَ، ووضَّح بحثها أنَّ 50% من السعادة متعلقةٌ بعوامل وراثية، و10% تتأثر في المقام الأول بظروف البيئة المحيطة كمكان ولادتنا (3)، تاركًا 40% خاضعةً لسيطرتنا، فكيف نستغل هذه النسبة في الحفاظ على السعادة نتيجة حدث ما أطول فترةٍ ممكنة؟

1. اليقظة الذهنية:

قد تمكنك اليقظة الذهنية من الشعور باللحظة الحالية عن طريق مساعدتك على أن تعطي انتباهًا لكل ما يحدث لك ومن حولك (1). هنا;

2. تطوير الذات:

عبر ممارسة الأنشطة التي تبعث في نفسك السعادة كالرياضة، إضافةً إلى تحديد أهدافك والسعي إلى تحقيقها مع الحفاظ على تفكيرك إيجابيًّا (1,3).

3. الامتنان:

وجد الباحثون أنَّ الامتنان مرتبط بزيادة القدرة على الشعور بالسعادة (1).

4. الدعم الاجتماعي:

العلاقات الاجتماعية الناجحة مفتاحُ السعادة، فأكثر الناس سعادة مَن استثمر في علاقاته مع الآخرين فكانت داعمةً له (1,3).

5. الأعمال المجتمعية:

السعادة الناتجة عن هذا النوع من الأعمال تكسبنا الرضا والسلام الداخلي بعيدًا عن المتعة الذاتية (1).

6. تأكد من تضمين عديد من الملذات في حياتك، ونوّع بينها حتى تحافظ على شعورك متجددًا (3).

 

المصادر:

1. Hedonic Treadmill: How Does it Affect Your Happiness? [Internet]. Healthline. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا

2. Hedonic Treadmill [Internet]. Psychology Today. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا

3. How Hedonic Adaptation Robs You of Happiness—and How to Change That [Internet]. Verywell Mind. 2020 [cited 18 November 2020]. Available from: هنا