الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

كيف تتحكم المتاجر والمطاعم بخياراتك الغذائية؟

إنَّ الدافع الرئيس لتناول الطعام هو الجوع بالطبع، ولكنّ ما نختاره من طعامٍ لا يُحدّد عن طريق احتياجات أجسامنا الفيزيولوجية أو الغذائية فقط، بل هناك كثير من العوامل التي تؤثر في اختياراتنا الغذائية، وأهمها:

1- العوامل البيولوجية؛ مثل الجوع والشهية ومذاق الطعام.

2- العوامل الاقتصادية؛ مثل الدخل وتكلفة الطعام وتوفّره.

3- العوامل المادية؛ مثل إمكانية الوصول إلى الطعام ومستوى التعليم والمهارات (مثل الطبخ) ووجود الوقت اللازم لهم.

4- العوامل الاجتماعية؛ مثل الثقافة والأسرة والأقران وأنماط الوجبات.

5- العوامل النفسية؛ مثل الحالة المزاجية والتوتر والشعور بالذنب.

6- المواقف والمعتقدات والمعرفة المتعلقة بالغذاء.

وانطلاقًا من ذلك؛ يظهر مدى تعقيد اختيار الطعام، وتختلف عوامل اختياره أيضًا وفقًا لمرحلة الحياة، فضلًا عن اختلاف قوة أحد العوامل من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى غيره (1). 

في المجتمع المعاصر، يعتمد قليل من الناس على أنفسهم في إنتاج طعامهم سواء بواسطة الزراعة أم تربية المواشي أو حتى الصيد، بل يلجأ غالبية الناس إلى الحصول على حاجاتهم من الطعام من مصادر تجارية؛ مثل مراكز التسوق ومتاجر البقالة أو حتى المطاعم، وغالبًا ما تكون هذه الأماكن مصممة لزيادة مبيعات الأطعمة عن طريق وضع عناصر مُشجِّعة بطريقةٍ مدروسةٍ تتلاعب بعقل الزبون بهدف زيادة المبيعات لأكبر قدرِ ممكن، وتكمن المشكلة في أنَّ بعض الاستجابات العفوية التي يُبديها الزبون دون وعي منه لطريقة تقديم الطعام قد تكون ذات تأثير عميق؛ إذ تؤدي إلى زيادةٍ في استهلاك السعرات الحرارية، وقد تقود أيضًا إلى خياراتٍ غذائيةٍ سيئةٍ تعود بضررٍ بالغٍ على الصحة (2).

فيما يخص المطاعم؛ هناك بعض الأمور التي لا توثر في الاختيارات الغذائية فقط؛ بل في الكميات المستهلكة من الطعام أيضًا، فقد أظهرت إحدى الدراسات أن العناصر التي توضع على وجه قائمة الطعام الخلفي  يكون الطلب عليها أقل (2,3)، في حين أظهرت دراسة أخرى أن العناصر الموجودة في وسط القائمة يكون الطلب عليها أقل من العناصر الموجودة في أعلى القائمة أو أسفلها. قد يعود ذلك إلى اكتفاء الزبائن بإجراء تصفحٍ سريعٍ؛ فتكون العناصر في بداية القائمة ونهايتها أكثر بروزًا وأسهل ملاحظةً مقارنة مع غيرها (2,4). وقد يفاجئك أيضًا أن الموسيقا تُختار بعنايةٍ بالغةٍ وبطريقةٍ مدروسةٍ؛ فقد وجدت بعض الدراسات أن إيقاع الموسيقا المعروضة لا يؤثر في اختيار الزبون لطَبقه فقط، بل في معدل تناوله طعامه أو شرابه أيضًا؛ إذ أدت الموسيقا الصاخبة إلى زيادةٍ في طلب المشروبات أيضًا، في حين وجدت دراسات أخرى عدم وجود أي تأثير للموسيقا (2,5,6)، وقد تتفاجأ من الأمور الأخرى غير المتوقعة التي قد تؤثر بك.

أما فيما يخص مراكز التسوق ومتاجر البقالة؛ لا يقل التلاعب فيها عما يحدث في المطاعم، بل يساعد عدد المنتجات الكبير والتنوع الهائل فيها على ذلك أكثر، ما قد يزيد من إرباك المشتري ويؤثر في وعيه ويزيد صعوبة عملية اتخاذه القرار. في البداية؛ تكون المنتجات مرتبة في المتجر بطريقة تجعل المشتري يتنقل كثيرًا ويمشي مسافةً طويلةً حتى يرى أكبر عددٍ ممكنٍ من المنتجات التي تفرض عليه شتى طرائق الإغراء، فمثلًا تُوضَع المنتجات الأكثر طلبًا كالحليب في آخر المتجر مما يجبر المتسوقين على سير كامل المسافة في المتجر بين الأصناف المتنوعة (2,7)، وعادةً ما يقضي المشتري 60-80% من وقته في المتجر هائمًا يتجول بين المنتجات، وبالفعل؛ قد أظهرت الدراسات أن الذين يتجولون على نحوٍ أكبر في المتجر يشترون عددًا أكبر من فئات المنتجات (2,8). 

*******

هناك نوعان من رحلات التسوّق:

- واحدة من أجل المؤن؛ أي شراء كمياتٍ كبيرةٍ من المنتجات وتخزينها لتبقى لديك مدة طويلة.

- وواحدة بهدف شراء بضع منتجات تحتاجها من أجل الاستخدام الفوري.

وتختلف قابلية الناس للتأثّر بهذه الخدع التسويقية باختلاف نوع رحلة التسوق، فعلى سبيل المثال؛ يميل الناس إلى شراء منتجات غير مخططٍ لها في النوع الثاني من الرحلات مقارنة بالنوع الأول (2,9)، وأظهرت الدراسات أن قرابة ثلثي القرارات الشرائية تُتَّخذ في المتجر نفسه، لذا تكون عرضةً للتأثّر على نحوٍ كبيرٍ بالتسويق الموجود داخل المتجر (2,10). 

ولطرائق العرض تأثيرٌ أكبر مما نتوقع، إذ تبيّن أنَّ طرائق العرض تكون مسؤولة عن ثلثي الاهتمام الذي يوليه الزبائن للمنتجات، في حين يعود الثلث المتبقي لتفضيلاتهم الشخصية وهدفهم من التسوق (2,11).

في رحلة تسوق أنموذجية مدتها 20 دقيقة، يقرأ المتسوّق 8-10 أسطر من النصوص فقط، لذا؛ يكون فالاعتماد الأكبر على الصورة الموجودة على المنتجات وأشكالها وألوانها (2,12). وللمكان الذي توضع فيه المنتجات دور كبير؛ فالمنتجات التي توضع في مستوى النظر نلحظ كون الطلب أكثر من المنتجات الموضوعة على الرفوف العلوية والسفلية (2,13)، والمنتجات التي توضع في مكان مرئي من ثلاثة ممرات تكون نسبة مبيعاتها أعلى من غيرها بـ 2-5 مرات (2,12,14). 

ولا يخلو التغليف والتعليب أيضًا من كونهما مهمين ومؤثرين؛ فلمزايا الغلاف دورٌ مهمٌ في جذب انتباه الزبون والتأثير في تقييمه للمنتج ونظرته إليه، فمثلًا؛ يتأثّر اختيار المستهلك بكلٍ من الشكل واللون والرسومات والصور والشعارات الموجودة على الغلاف، والمنتجات الموضوعة ضمن عبواتٍ تبدو أكبر ظاهريًا (بصرف النظر عن حجم المحتوى الفعلي) تكون مفضلةً أكثر من العبوات الصغيرة، وبالأسلوب نفسه، يُلقي الناس انتباهًا أكبر للخطوط الكبيرة مقارنة بالخطوط الصغيرة (2,15). وتُستغَّل الأغلفة بطريقةٍ مدروسةٍ لجذب انتباه الأطفال والتأثير في عقولهم عن طريق استخدام شخصيات كرتونية وصور مشاهير، ففي إحدى الدراسات تبين أن 1,661 من أهالي أطفال بعمر 5-12 سنة قد اعتقدوا أن منتجاتٍ عالية المحتوى من السعرات وقليلة المغذيات تمثّل خيارًا صحيًا أكثر من غيرها؛ وذلك لوجود تزكية بها من شخصية رياضية مشهورة أو وجود ادعاءٍ صحي مكتوبٌ عليها فقط (2,16).

أما فيما يخص اللصاقات الغذائية؛ تؤثّر كيفية تأطير العناصر الغذائية التي يحتويها المنتج في تقييم المستهلك، فعلى سبيل المثال؛ كانت آراء المستهلكين أكثر تفضيلًا للحوم الأبقار المُصنَّفة بأنّها خاليةٌ من الدهون بنسبة 75٪ مقارنة مع التعبير عن ذلك بطريقة أخرى عن طريق تصنيفها بأنها تحوي 25٪ دهون، لكن الاختلاف في الآراء تضاءل بمجرد أن أتيحت الفرصة للمستهلكين بتذوق اللحم البقري. توضح الدراسة أن التأطير يخلق توقعات، ولكن بمجرد أن يحظى الشخص بتجربةٍ موضوعيةٍ مع منتج ما؛ يكون للتأطير تأثيرٌ أقل في القرارات (2,17). ولاستكشاف كيفية استجابة الناس إلى مجموعة متنوعة من الملصقات الغذائية؛ تلاعب الباحثون بملصقات المغذيات المختلفة على البوشار المُعدّ بالمايكروويف، ووجدوا أن ملصقات "لا تحوي دهونًا متحولة" و "منخفضة السعرات الحرارية" قد ترافقت مع زيادةٍ في المشتريات، في حين ترافقت ملصقات "قليلة الدسم" مع انخفاضٍ في مبيعات البوشار المُعدَّ بالمايكروويف؛ مما يشير إلى أن الملصق قد يثير مخاوف بشأن المذاق. وعندما تحتوي العبوة على مزاعم متعددة؛ تكون المبيعات أقل مقارنة مع وجود زعمٍ غذائي واحدٍ فقط (2,18,19).

وفي النهاية؛ نؤكد أنّ وعيك بصفتك مستهلكًا بكل هذه الخدع وأساليب التسويق مهم جدًا كي لا تقع فريسة سهلة المنال وتكون عرضة للاستغلال من قبل أصحاب المتاجر والمطاعم؛ فصحتك مسؤوليتك أنت، وسيكون اهتمام أصحاب المتاجر بكل تأكيد مُركزًا على مقدار ما يجنوه من ربح ولو كان ذلك على حساب صحة الزبون.

المصادر:

1. The Factors That Influence Our Food Choices: (EUFIC) [Internet]. Eufic.org. 2020 [cited 11 October 2020]. Available from: هنا

2. Cohen D, Babey S. Contextual influences on eating behaviours: heuristic processing and dietary choices. Obesity Reviews [Internet]. 2012 [cited 11 October 2020];13(9):766-779. Available from: هنا

3. Downs J, Loewenstein G, Wisdom J. Strategies for Promoting Healthier Food Choices. American Economic Review [Internet]. 2009 [cited 11 October 2020];99(2):159-164. Available from: هنا

4. [Internet]. 2020 [cited 11 October 2020]. Available from: هنا

5. Caldwell C, Hibbert S. The influence of music tempo and musical preference on restaurant patrons' behavior. Psychology and Marketing [Internet]. 2002 [cited 11 October 2020];19(11):895-917. Available from: هنا

6. Stroebele N, de Castro J. Listening to music while eating is related to increases in people's food intake and meal duration. Appetite [Internet]. 2006 [cited 11 October 2020];47(3):285-289. Available from: هنا

7. Larson R. Core Principles for Supermarket Aisle Management [Internet]. AgEcon Search. 2020 [cited 11 October 2020]. Available from: هنا

8. Hui S, Bradlow E, Fader P. Testing Behavioral Hypotheses Using an Integrated Model of Grocery Store Shopping Path and Purchase Behavior. Journal of Consumer Research [Internet]. 2009 [cited 11 October 2020];36(3):478-493. Available from: هنا

9. Nordfalt J. Unplanned grocery purchases: the influence of the shopping-trip type revisited. Journal of Consumer Behaviour [Internet]. 2009 [cited 11 October 2020];8(1):1-13. Available from: هنا

10. Miranda M. Determinants of shoppers' checkout behaviour at supermarkets. Journal of Targeting, Measurement and Analysis for Marketing [Internet]. 2008 [cited 11 October 2020];16(4):312-321. Available from: هنا

11. van der Lans R, Pieters R, Wedel M. Research Note—Competitive Brand Salience. Marketing Science [Internet]. 2008 [cited 11 October 2020];27(5):922-931. Available from: هنا

12. Sorensen H. Long Tail Media in the Store. Journal of Advertising Research [Internet]. 2008 [cited 11 October 2020];48(3):329-338. Available from: هنا

13. Drèze X, Hoch S, Purk M. Shelf management and space elasticity. Journal of Retailing [Internet]. 1994;70(4):301-326. Available from: هنا

14. Terano T, Kishimoto A, Takahashi T, Yamada T, Takahashi M. Agent-Based In-Store Simulator for Analyzing Customer Behaviors in a Super-Market. Knowledge-Based and Intelligent Information and Engineering Systems [Internet]. 2009 [cited 11 October 2020];:244-251. Available from: هنا

15. Meier B, Robinson M, Caven A. Why a Big Mac Is a Good Mac: Associations between Affect and Size. Basic and Applied Social Psychology [Internet]. 2008 [cited 11 October 2020];30(1):46-55. Available from: هنا

16. Dixon H, Scully M, Wakefield M, Kelly B, Chapman K, Donovan R. Parent's responses to nutrient claims and sports celebrity endorsements on energy-dense and nutrient-poor foods: an experimental study. Public Health Nutrition [Internet]. 2011 [cited 11 October 2020];14(6):1071-1079. Available from: هنا

17. Levin I, Gaeth G. How Consumers are Affected by the Framing of Attribute Information Before and After Consuming the Product. Journal of Consumer Research [Internet]. 1988 [cited 11 October 2020];15(3):374. Available from: هنا

18. Villas-Boas S, Kiesel K. Another Nutritional Label: Experimenting with Grocery Store Labels and Consumer Choice [Internet]. Escholarship.org. 2020 [cited 11 October 2020]. Available from: هنا

19. Kiesel K, Villas-Boas S. Can information costs affect consumer choice? Nutritional labels in a supermarket experiment. International Journal of Industrial Organization [Internet]. 2013 [cited 11 December 2020];31(2):153-163. Available from: هنا