علم النفس > الصحة النفسية

هل يصل بنا الحب إلى حدِّ الهوس؟

الحُب وطلب الاهتمام من الدوافع اللاواعية المتأصلة في الإنسان والضرورية لاستمرار النوع، ولكن علينا أن نعرف متى ينحرف هذا الدافع عن مساره الطبيعي ويصبح وسواسياً.

وسواس الحب القهري هو اضطرابٌ نفسيٌّ يجعل المصاب يشعر بحالة حبٍ وحاجةٍ مُلِحةٍ لحماية الشخص الآخر وتملّكه على نحوٍ كامل (1).

ما الفرق بين وسواس الحب القهري والعلاقة العاطفية الصحية؟

غالباً ما تطغى على بدايات الحب الرومانسي حالة من الهيام والافتتان الواضحين، مولدةً أفكاراً دائمةً عن المحبوب ورغبةً جامحةً بإمضاء أكبر مدةٍ من الوقت برفقته.

مع مرور الوقت تنضج العلاقة الرومانسية الصحية وتتطور، إذ لا تبقى معتمدةً على الحاجة إلى القرب الدائم فقط أو الولع المبالغ به. في المقابل ينمو بين الطرفين صداقةٌ والتزامٌ واحترام الشخص الآخر لكونه كياناً مستقلاً يمتلك حاجاتٍ مختلفة عنه (1).

على الطرف الآخر، فإنَّ الأشخاص الذين يعانون (اضطراب وسواس الحب) يعيشون في حالةٍ من الهوس بشخصٍ معينٍ يجعلهم يعتقدون أنهم في حالة حبٍ معه وبحاجةٍ إلى حمايته على نحوٍ وثيق، أو حتى التحكّم به بوصفه ملكيةً خاصة، وقد تظهر لديهم توهمات الغيرة مما يدفعهم إلى تفسير مصادفاتٍ بسيطةٍ عابرة -مثل زميل عملٍ يُلقي التحية على شريكهم أو أن شريكهم نظر إلى عابر سبيلٍ في الطريق- على أنها إثباتاتٌ قاطعةٌ على خيانتهم (1).

ما هي أسباب هذا الاضطراب؟

لا يوجد سببٌ واحد لاضطراب وسواس الحب القهري، ولكن من الممكن ربطه بأنواعٍ كثيرةٍ من الاضطرابات النفسية:

1. اضطرابات التواصل:

يعود هذا النوع من الاضطرابات إلى الأشخاص الذين لديهم مشكلاتٍ في التواصل العاطفي، مثل انعدام التعاطف مع الآخرين والهوس بشخصٍ محددٍ بعينه.

يوجد أشكال عديدة لهذا النوع من الاضطرابات وهي غالباً ما تكون مرتبطةً بذكرياتٍ وتجاربَ في الطفولة؛ مثل طريقة تعامل الأهل أو مقدمي الرعاية مع الأطفال، مما يؤدي إلى انعدام التوازن في علاقات الشخص، مثل ميله الشديد إلى الابتعاد عن الآخرين، أو المعاكس تماماً عند عدم أخذه أيَّ احتياطاتٍ أو اعتباراتٍ أمام الغرباء.

2. اضطراب الشخصية الحدية:

يتصف هذا الاضطراب بتشوّشٍ واضحٍ للصورة المكونة للذات وتأرجحٍ بين مزاجاتٍ مختلفةٍ بسرعةٍ كبيرة، إذ نرى الشخص ينقلب من قمة الغضب إلى قمة السعادة خلال دقائق معدودة أو ساعاتٍ قليلة. كذلك فإنَّ موجات القلق والاكتئاب شائعةٌ فيه أيضاً.

لكن إن أردنا توصيفه في قالب (هوس الحب) فإن الشخص المهووس يتبدل على نحوٍ مفاجئ بين حالتي نقيض: هما الحب أو الكره الفائقين.

3. الغيرة التوهمية:

يعرف التوهم بأنه الإصرار على صحة أو وجود أشياء سبق أن أُثبت خطؤها قطعياً. عندما نتحدث عن التوهمات في سياق اضطراب وسواس الحب فيمكننا مشاهدتها في إصرار الشخص على الاعتقاد بأن الطرف الآخر يبادله المشاعر ذاتها رغم أنه قد أوضح موقفه "عكس ذلك".

4. الغيرة الوسواسية:

على عكس الغيرة التوهمية، فإنَّ الغيرة الوسواسية هي انشغال النفس بأفكارٍ وسواسية عن خيانة الشريك مما يؤدي إلى أفعالٍ قهريةٍ متكررةٍ استجابةً لهذه المخاوف، تؤثر في الأداء اليومي على نحوٍ ملحوظ (2).

5. الوسواس القهري والعلاقات (3):

قد سبق أغلبنا وسمع عن اضطراب الوسواس القهري كونه اضطرابٌ معيقٌ للحياة الطبيعية، ومنتشرٌ على نحوٍ ملحوظٍ بتظاهراته وشكاياته المتنوعة. حديثاً بدأت الأبحاث باكتشاف الوسواس القهري المتعلق بالعلاقات العاطفية وتوصيف أعراضه المُشاهَدة مثل التركيز المكثف على العلاقة أو الشخص المحبوب.

ففي الأعراض المتمحورة عن العلاقة يتعرّض العديد من مرضى الوسواس القهري إلى مشكلاتٍ وضائقاتٍ في العلاقات واحتماليةٍ أقل للزواج والاستمرار به. كذلك تؤدي الطقوس المُتكررة التي يفعلها المصابون -مثل الغسيل المتكرر- إلى إحباط الطرف الآخر.

أما الأعراض التي تركز على الشريك فتظهر بالتركيز الشديد على عيوبٍ محددةٍ بالشريك: جسدية أو نفسية أو حتى اجتماعية، والمبالغة بتوصيفها مما يسبب الإزعاج وظهور حواجز مع الطرف الآخر(3).

ما هي أعراض وسواس الحب القهري (1)(2)؟

  1. انجذابٌ غامرٌ لشخص واحد.
  2. أفكارٌ وسواسيةٌ عن هذا الشخص.
  3. الشعور الدائم بضرورة حماية الشخص المحبوب.
  4. أفعالٌ وأفكارٌ تملّكية، ومحاولات التحكم بنشاطات المحبوب وحياته الخاصة.
  5. غيرةٌ مبالغٌ فيها تجاه هذا الشخص.
  6. عدم توازن المشاعر، والذهاب بها إلى أبعد الحدود سواء كانت هذه المشاعر إيجابية أم سلبية.
  7. تدنٍ ملحوظٍ في تقدير الذات، والإفراط في حاجته إلى تطمينات محيطه.
  8. مواجهة مشكلاتٍ في التركيز على العمل، والدراسة، والعلاقات الاجتماعية أو غيرها من الجوانب المختلفة للحياة بعيداً عن الجانب العاطفي.
  9. الاهتمام المُكثف جداً، وإن كان هذا الاهتمام غير مرغوبٍ فيه من الطرف الآخر، مثل اتصال مكالماتٍ وإرسال رسائل نصية على نحوٍ كبير.
وسواس الحب القهري هو مثل غيره من الاضطرابات النفسية، والذي يُشخص حصراً من الاختصاصي أو الطبيب النفسي.

كيف يُعالج وسواس الحب القهري؟

قد تتغير نوعية العلاج على حسب السبب، ولكن غالباً ما يُدمج العلاج الدوائي والنفسي:

يُستخدم في العلاج الدوائي أصنافٌ متعددةٌ مثل مضادات الاكتئاب، والقلق، والذهان، عن طريق وصفة طبيبٍ مختصٍ حصراً.

أما العلاج النفسي فقد اسُتخدم فيه العلاج المعرفي السلوكي والعلاج المعرفي الجدلي والعلاج بالكلام (2).

لسوء الحظ، اُضفي الطابع الرومانسي على الحب المهووس سواء كان ذلك ضمن الأدب أو عن طريق وسائل الإعلام والأفلام، مما جعل من هذا الاضطراب حالةً يطمح إليها الإنسان، بدلاً من تصوير عواقبه المُدمِرة وإظهار فروقاته عن العلاقة العاطفية الصحيّة (1).

المصادر:

1.Dryden-Edwards, R., n.d. The Difference Between Healthy And Obsessive Love. [online] medicinenet. Available at:
هنا
2. Cherney, K., n.d. Obsessive Love Disorder. [online] healthline. Available at: هنا
3.Doron, G., Szepsenwola, O., Derbyb, D. and Nahalonib, E., 2012. Relationship-Related Obsessivecompulsive Phenomena: The Case Of Relationship-Centred And Partnerfocused Obsessive Compulsive Symptoms. [online] researchgate. Available at: هنا