الهندسة والآليات > اختراعات

روبوتٌ حلزوني غير تقليدي

يوجد العديد من الرّوبوتات في العالم، ولكن يمكن حصرها في نوعين أساسيين، النوع الأول والأكثر شهرة هو الرّوبوتات الصّلبة (Rigid robots) وهي الرّوبوتات التّقليدية، أما النوع الأخر الذي يجهله كثيرون هو الرّوبوتات المرنة (Soft robots).

إذ أصبحت الرّوبوتات المرنة محط اهتمام الباحثين خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي تُصنَع فيه الرّوبوتات التقليدية من قطعٍ صلبةٍ جامدةٍ تتأثر بالضربات، والخدوش، والمطبات والسقوط، يستلهم الرّوبوت المرن فكرته من كائناتٍ حيّةٍ متعددةٍ مثل: الديدان، ونجم البحر والأخطبوط؛ إذ تمكّنهم طبيعة أجسامهم المرنة من تحمّل الكثير من الإجهادات، كذلك فإنَّ هذه الروبوتات تملك قدرةً عاليةً على المراوغة في مواجهة العقبات التي قد تتواجد في طريقها، وغالباً ما تكون أرخص، وأخف وزنًا وأكثر أمانًا للإنسان (1)(2).

القوابض التقليدية المرنة:

بسبب المزايا الفريدة الخاصة بالـ (soft robots) اهتُم بالعديد من المجالات التي تتعلق بهذه الروبوتات على مدار السنوات الماضية، وخاصةً القابض الروبوتي المرن (Soft Robot Gripper)، إذ تمنح طبيعة المواد المُطاوعة المُكوّنة للقابض القدرة على المسك الآمن للأشياء المرنة والهشة القابلة للكسر والحساسة. فقد جرّب العلماء عدة طرائق لتشغيل هذه المقابض المرنة، أهمّها مشغلات المطاط الصناعي السائل (FEA-fluid elastomer actuators)*.

تتميّز الـ "FEA" بخفة الوزن، والطاقة العالية بالنسبة للوزن، والقوة، وسهولة التصنيع والمتانة، كذلك فإنها مصنوعة من مواد ذات تكلفةٍ منخفضة (3).

طُوِِّر القابض المرن ذو مشغل "FEA" على هيئة مخالب أو هياكل بشرية والتي تتكون من أصابع متعددة منحنية إلى الداخل. فهذا التصميم مناسبٌ للإمساك بالأشياء مختلفة الأحجام، ومع ذلك فإن القابض الحالي غير مناسبٍ للإمساك بالأشياء الثقيلة أو الضخمة أو ذات الأشكال الغريبة، كذلك فإنها لا تستطيع إمساك الأشياء الأصغر أو الأكبر من فتحة القابض أيضًا (3).

صورة لـ soft robot gripper تقليدي

إضافةً إلى ذلك تفتقر القوابض الروبوتية الحالية إلى ردود الفعل الحسيّة الجيدة، ولا تتمتع بالقدرة على تغيير قوة صلابتها بناءً على طبيعة الشيء الذي تمسك به، مما يجعلها غير قابلةٍ للاستخدام مع الأشياء الهشة أو ضمن البيئات الضيقة (3).

القابض الجديد:

يتكون القابض الجديد من مشغّلٍ (مُحرّك) هيدروليكي، وغطاءٍ من القماش يتحكم بحركة المشغّل (تقييد الحركة أو ثني المشغّل)، وحساس تلامسٍ يعمل بالضغط ذو تصميمٍ جديد، وأخيراً هيكلاً متغير الصلابة (variable stiffness structures- VSS). 

يمنح الـ "VSS" القابض الجديد القدرة على تغيير طبيعته الصلبة إلى مرنة و العكس، مما يمكّنه من إمساك العديد من الأجسام الهشة والضعيفة دون إحداث ضررٍ بها على عكس القابض التقليدي.

يتميّز التصميم الجديد لحساس التلامس بجودته العالية، إذ يتكوّن من أنابيب معدنية سائلة قابلة للتمدد، وهي أكثر حساسيةً بخمسة عشر مرةً من التصميمات التقليدية. إذ تُحدَد قوة القبضة الملائمة والآمنة لمسك الأجسام الهشة اعتماداً على قيم حساس التلامس لتجنب إتلاف هذه الأجسام أو الإضرار بها (3).

بفضل ذلك التصميم يستطيع القابض الحلزوني الجديد التغلب على كل المشكلات السابقة التي تعانيها التصاميم التقليدية، إذ يستطيع الإمساك بالأجسام الطويلة والنحيلة أو التقاطها من المساحات الضيقة وكذلك التقاط الأجسام عبر الثقوب. على سبيل المثال: مقبض كوبٍ أو قلمٍ داخل أنبوب.

إضافةً إلى ذلك يتميز القابض الجديد بخفة الوزن وبأنه مسطّحٌ وضئيل الحجم (3). وبسبب الخاصية الميكانيكية المفعّلة حراريًا، يتمكّن الرّوبوت من تغيير طبيعة جسمه المرن إلى صلبٍ والعكس، مما يساعد على الإمساك بأجسامٍ مختلفة الأشكال والأوزان وحملها (3).

من أين جاءت هذه الفكرة؟

يقول الدكتور "ثانه نهو دو Thanh Nho Do"، مدير مختبر الروبوتات الطبية بجامعة ( University of New South Wales):

"تَستخدم الحيوانات مثل الفيل أو الأفعى أو الأخطبوط هياكل أجسامها الناعمة والمتواصلة للف قبضتها حول الأشياء مع زيادة الإمساك و الاستقرار، ومن السهل عليها استكشاف الأشياء وفهمها والتعامل معها"

ويضيف قائلاً "يمكن لهذه الحيوانات أداء ذلك بسبب مجموعةٍ من الأعضاء شديدة الحساسية وحاسة اللمس وقوة الآلاف من العضلات -من دون عظمٍ صلب- على سبيل المثال، يملك خرطوم الفيل ما يصل إلى أربعين ألف عضلة.

لذا أردنا تقليد قدرات الإمساك تلك، إذ يُعد حمل الأشياء والتلاعب بها مهارات حركية أساسية للعديد من الروبوتات" (4).

النتائج التي أظهرها القابض:

 يُمكن للقابض الذي يبلغ طوله مترًا واحدًا مسك أشياء أو أجسام لا يقل قطرها عن ثلاثمائة ملم، بينما تمكّن النموذج الأولي الذي يبلغ طوله ثلاثة عشر سم أن يلتف حول جسمٍ يبلغ قطره ثلاثين ملم، كذلك فقد استطاع أن يرفع جسمًا يبلغ 1.8 كيلوجرامًا، بينما كان وزن النموذج لا يتعدى 8.2 جرامًا- أي أكثر من مئتين وعشرين ضعفًا من وزنه (3).

علاوةً على ذلك، تستغرق دورة التسخين والتبريد الإجمالية للقابض الجديد لتغيير طبيعة هيكله من مرنٍ إلى صلب أقلَّ من ثلاثين ثانية، وهي من أسرع الدورات المعروفة حتى الآن (3).

يتسم الروبوت الجديد ببساطة التصميم مثلما رأينا، مما يجعله قابلًا للتطوير. ويسمح تصميمه البسيط بإنتاجه بأحجامٍ مختلفةٍ وبسهولة، لذا قدّم الدكتور "دو" براءة اختراعٍ مؤقتةٍ للقابض الجديد. ويُتوقع أن يكون القابض متاحًا تجاريًا في غضون اثنا عشر إلى ستة عشر شهرًا القادمة (4).

إليكم فيديو يرصد القابض الجديد في أثناء اختباره.

مما لاشك فيه أن القابض الجديد سيحدث ثورةً في مجالاتٍ عديدة، إذ يُمكن استخدامه في مجالات الزراعة، والصناعة، وأجهزة المساعدة الشخصية وغيرها من المجالات.

 هامش:

*: هو مطاطٌ يقيس قدرة التحمل المنخفضة أو القليلة، ويُشغّل بواسطة سائلٍ ذو ضغطٍ منخفضٍ نسبيًا (من 2109.21  إلى 5624.56 كيلو غرام لكل متر مربع)(5).

المصادر:

1- Iida F, Laschi C. Soft Robotics: Challenges and Perspectives. The European Future Technologies Conference and Exhibition 2011 [Internet]. ELSEVIER; 2011 [cited 2 December 2020]. Available from: هنا

2-  Lee C, Kim M, Kim Y, Hong N, Ryu S, Kim H et al. Soft robot review. International Journal of Control, Automation and Systems [Internet]. 2017 [cited 2 December 2020];15(1):3-15. Available from: هنا

3- Hoang T, Phan P, Thai M, Lovell N, Do T. Bio‐Inspired Conformable and Helical Soft Fabric Gripper with Variable Stiffness and Touch Sensing. Advanced Materials Technologies [Internet]. 2020;2000724. Available from: هنا

4- New ‘robotic snake’ device grips, picks up objects [Internet]. UNSW Newsroom. 2020 . Available from: هنا

5- Marchese A, Katzschmann R, Rus D. A Recipe for Soft Fluidic Elastomer Robots. Soft Robotics [Internet]. 2015 [cited 1 December 2020];2(1):7-25. Available from: هنا