الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الآثار الاقتصادية لغسيل الأموال

يُعرف غسيل الأموال ببساطة بأنه تصويرُ المال غير الشرعي الذي يأتي من المصدر (أ) على أنه يأتي من المصدر (ب) على نحوٍ شرعي؛ في محاولةٍ لإخفاء المصدر أو المالك أو الوجهة أو الطريقة الحقيقية للحصول على الأموال، وذلك بغية إدخالها لاحقًا في الاقتصاد الحقيقي بأمانٍ على أنها عوائدٌ شرعيةٌ غير جرمية (1p 30-31). 

وفيما تحدثنا في مقالاتٍ سابقة عن مفهوم غسيل الأموال وآلية عمله؛ يتحدث المقال الآتي عن بعضٍ من الآثار السلبية لعمليات غسيل الأموال لتشمل العديد من النواحي في الاقتصاد والمُجتمع كما ورد في الأدبيات والتقارير الاقتصادية:

1- تشويه الأسعار

بعد سلسلة التحويلات وعمليات التضليل التي يجريها غاسل الأموال للتعتيم على مصدر الأموال؛ تبدأ مرحلة استثمار تلك الأموال التي تبدو شرعية. ولعلَّ أشهر وجهاتِ تلك الأموال هي قطاع العقارات؛ لضعف الشفافية وصعوبة التسعير الحقيقي للعقارات إضافةً للاتجاه العام المُتزايد لغالب أسعار العقارات والطبيعة المُضاربة لأسواق العقارات، ويمكن لغاسل الأموال دفع مبالغ مالية ضخمة جدًا أحيانًا لقاء عقارٍٍ ما، بما يفوق قيمته الحقيقة أو السائدة في السوق لعقار مشابه، إضافةً لإمكانية استخدام العقارات في أنشطةٍ إجرامية أُخرى. في هذه الحالات يكون تسعير العقارات بعيدًا عن اعتبارات السوق، فتنشأُ حالةٌ من التشوهات السعرية غير العادلة. وكلما كان حجم تلك الأنشطة أكبر وأوسع كان الأثر أوضح وأشدَّ تأثيرًا؛ إذ يمكنُ لأسعار العقارات أن تندفع لمستوياتٍ عالية في بعض المناطق بما قد يؤثر سلبًا في أصحاب الأموال الشرعية في أسواق العقارات. ذلك التشوه في الأسعار ضمنَ السوق العقاري قد يحدث أيضًا في أسواقِ سلعٍ وخدماتٍ أُخرى، سواءً السلع الفارهة أو حتى العادية والاستهلاكية منها (1p84-85،2).

2- فرضُ منافسةٍ غير عادلة

وجهٌ آخرُ لاستثمار الأموال المغسولة هو إنشاء شركات. لكن عادةً لا تكون أنشطة تلك الشركات كمثيلاتها، فالغرض منها قد يكون هو التظاهر بأنها شركات ذات نشاطٍ حقيقي وواسع؛ وعليه فقد تلجأ أحيانًا إلى بيع مُنتجاتٍ بأسعار منخفضة جدًا قياسًا بالمنافسين. هذا بدوره يؤدي إلى فرص مُنافسةٍ غير عادلة في السوق قد تؤدي إلى انهياراتٍ في الشركات الحقيقية، وعليه قد تتأثر مُعدلات النمو الاقتصادي سلبًا كلما تعاظم تأثير تلك المنافسة (1p85-86). 

3- تشويه الإحصائيات والبيانات

قد يلجأ غاسل الأموال إلى إنشاء شركةٍ وهمية "shell company"، وظاهر تلك الشركة هو تزويد سلعٍ وخدمات مُقابل دفعاتٍ نقدية وتبدو كنشاط شرعي يولد أموالًا شرعية عن طريق استخدام سجلاتٍ وفواتيرَ مزورة. لكن في الحقيقة، ولغرض غسيل الأموال؛ لا تبيع هذه الشركات أي شيءٍ مقابلَ تلقيها الدفعات النقدية غير الشرعية من غاسل الأموال نفسه، لتتحول إلى إيراداتٍ شرعية لتلك الشركة (3).

وإذا كانت الأموال الجرمية وتوظيفاتها بعيدةً عن الأنظار وخارج الأقنية المصرفية والرسمية في البلاد، فلا تدخل ضمن الاحصائيات الاقتصادية والنقدية الرسمية المتوفرة لصانعي السياسات ومتخذي القرارات.

وبناءً على ما سبق؛ قد يتخذون قرارات خاطئة إزاء بعض المتغيرات الاقتصادية والنقدية والمالية، والضرائب وأسعار الفائدة والمعروضات النقدية (4).

4- عدم التخصيص الأمثل للموارد والاستثمارات

قد لا يهتم غاسل الأموال بتوظيف أمواله في الأوجه التي تُدرُّ عائدًا أعلى أو في بيئات الاستثمار الجيدة، بل يستهدف توظيف أمواله في الأوجه والبيئات التي تُساعده على البقاء بعيدًا عن أنظار السلطات وتساعده على غسل أمواله بأسرع ما يمكن. وعليه؛ فإنَّ العديد من الدول ذات مناخ الاستثمار والسياسات الاقتصادية الجيدة والتي توفر عوائدَ عالية على الاستثمار قد تفقد جزءاً من تدفقات رؤوس الأموال إليها لصالح دول أفقر ولا تمتلك القدرة على محاربة غسيل الأموال وذات عائد استثمار أقل، وكذلك ستفقدها لصالح مكامن استثمارٍ ذات عائدٍ قليل لكن تُساعد على عمليات غسل الأموال ضمن الدول ذات المناخ الاقتصادي الجيد، أي لا تُخصَّصُ الموارد في الاقتصاد على الوجه الأمثل (1p84-85).

5- حَرف مؤشرات الاقتصاد الكلي

إضافة إلى التأثير السلبي في النمو الاقتصادي؛ قد ينفق غاسل الأموال أمواله على السلع الفاخرة والمجوهرات التي عادة ما تكون مستوردةً بمبالغَ طائلةٍ بالعملات الصعبة، وعليه قد تعاني الدول الفقيرة التي ينتشر فيها غاسلو الأموال من مشاكل في الضغط على ميزان المدفوعات وسوق العملات الأجنبية – والذي قد يعاني من المشكلات أساسًا. إضافةً إلى أنَّ استيراد هذه السلع لا يخلق أي منافع اقتصادية أو اجتماعية (1p86).

وتؤثر عمليات غسيل الأموال في الاستقرار الاقتصادي على المستوى الكلي؛ فقد تستغِلُّ الأموالُ القذرةُ الأحداثَ والتغيرات السياسية الجوهرية في بعض البلدان للتدفق إليها بوصفها ملاذًا آمنًا أحيانًا، مستغلَّةً حالة الفوضى المؤقتة. لكن تبقى هذه الأموال غير مستقرةٍ حالها حالُ البلد المضيفِ لها، وقد يرغب أصحابها بنقلها فجأةً إلى بلدانٍ أُخرى في حالِ أُزيلت الظروف الموائمة لها، وهذا بدوره يخلق اضطراباتٍ مفاجئة على صعيد أسواق صرف العملات والتضخم أحيانًا، كذلك اضطرابات في المعروضات النقدية والسيولة لدى المصارف (4).

في النهاية تُعد ظاهرة غسيل الأموال من الظواهر الخطيرة ذات التأثير السلبي في الاقتصاد، وهذا ما دفع بالهيئات الدولية والمحلية على حدٍ سواء إلى العمل على إصدار أنظمة وقوانين تحدُّ من هذه الظاهرة وما يترتب عنها من آثارٍ سلبية.

المصادر:

1- Brigitte Unger، Siegel M، Ferwerda J، Kruijf W de، Busuioic M، Wokke K. The Amounts and the Effects of Money Laundering [Internet]. Utrecht; 2006. Available from: هنا

2- Gjoni M، Gjoni A (Karameta)، Kora H (Bako). Money Laundering Effects. In: Hajrizi E، editor. UBT International Conference [Internet]. Durres: University for Business and Technology; 2015 [cited 2020 Nov 18]. p. 13–20. Available from: هنا

3- Kenton W. Shell Corporation [Internet]. investopedia.com. 2019. Available from: هنا

4- Bartlett B. The Negative Effects of Money Laundering on Economic Development [Internet]. Playtypus Magazine. 2002. Available from: هنا