الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

مغالطة إثبات التالي - Affirming the Consequent Fallacy

لأن الحوار أصبح النهج المُتَّبَع في عالمٍ أساسه التواصل وغايته الإقناع؛ تصبح الحجة وسيلتَه، ولكن يقع كثيرٌ من المحاورين في مغالطاتٍ منطقيةٍ في أثناء تقديمهم الحجج إما جهلًا وإما عمدًا بهدف تضليل المتلقّي وخداعه بصحة الحجة الخاطئة. نقدم لكم سلسلة المغالطات المنطقية.

تُعدُّ «مغالطة إثبات التالي» إحدى مغالطات الاستدلال في (المنطق الصوري -  Formal Logic)، وتحدث عندما يُثبَت (التالي) في القضية الشرطية عوضًا عن إثبات المُقدَّم (1).

في القضية الشرطية "إذا... فإن" يُسمَّى الجزء الواقع بعد "إذا" بـ(المقدم -Antecedent)، ويُسمَّى ما يأتي بعد "فإن" بـ(التالي - Consequent)، وكمثالٍ على حجةٍ شرطيةٍ صحيحة؛ حجة إثبات المُقدَّم أو ما يُعرَف بـ(حجة مودس بوننز - Modus Ponens) التي تتخذ الشكل الآتي:

إذا (أ)، فإن (ب)        (المقدمة الأولى)

(أ)                     (المقدمة الثانية)

ــــــــــــــــــــــ

إذن (ب)                 (النتيجة)

والحجة صحيحة؛ لأن صدق المقدمات يضمن صدقَ النتيجة ضمانًا مطلقا (1).

وكمثالٍ على حجةٍ شرطيةٍ صحيحةٍ ما يلي:

إذا أمطرت السماء، فإن الرصيف سيبتلُّ  (المقدمة الأولى)

والسماء أمطرت  (المقدمة الثانية)

إذن، فالرصيف مبتل. (النتيجة)

تمثِّل عبارةُ "أمطرت السماء" (المُقدَّم)، وتمثِّل عبارة "الرصيف سيبتل"  (التالي).

الحجة صحيحة؛ لأنه إذا صدقت المقدمات، فإن النتيجة ستكون صادقةً بالضرورة، فإذا كان المطر شرطًا ضروريًا لحدوث البلل، فإن هطوله سيجعل الرصيف مبتلًا لا محالة.

لكننا نقع في «مغالطة إثبات التالي» عندما نعيد ترتيبَ مكونات الحجة، فنؤكد وقوعَ التالي في المقدمة الثانية عوضًا عن تأكيد حدوث المقدَّم، وبتطبيق هذا على الحجة السابقة ستكون كالآتي:

إذا أمطرت السماء، فإن الرصيف سيبتلُّ  (المقدمة الأولى)

الرصيف مبتلٌّ  (المقدمة الثانية)

إذن، أمطرت السماء. (النتيجة)

تُعدُّ الحجة في صيغتها هذه حجةً (فاسدةً - invalid أو مغلوطة)، لأن صدق المقدمات عاجزٌ عن صدق النتيجة؛ إذ يمكننا تخيُّل حالاتٍ أخرى يكون فيها الرصيف مبتلًا لأسبابٍ غير وقوع المطر: كذوبان الثلج أو شخصٍ ما غسله مثلًا (2).

ولكن من النادر أن ينخدع أحدٌ بـ«مغالطة إثبات التالي» حين تأتي في صورةٍ واضحةٍ وفجَّة، غير أنها قد تخفى على كثيرين عندما تأتي مشحونةً بعواطفَ قوية؛ لذا نراها مستخدمةً كثيرًا في الإعلانات والخُطَب والسياسة (3).

مثال (1): من يستدلُّ على كون إحداهن حاملا؛ لأنها تشعر بالدوار عند استيقاظها في الصباح، ويعلِّل استنتاجه قائلا:

إذا كانت المرأة حاملًا، فسوف تشعر بالدوار كل صباح، وهذه المرأة تشعر بالدوار صباحا؛ إذن؛ لا بد أنها حامل. ويُعدُّ هذا الاستدلال خاطئا؛ لأن الشعور بالغثيان قد تسبِّبه أشياءُ أخرى كالمرض (4).

مثال (2): أنت تكذب فيما تقوله لأن وجهك يحمرُّ عادةً عندما تفعل ذلك؛ وها هو متورِّد (3).

المصادر:

 

1. Arp, Robert and others (eds). 2019. Bad arguments: 100 of the most important fallacies in western philosophy, John Wily. Pp42-43.

2. Foresman, .A.Galen ,Peter S. Fosl. The critical thinking toolkit. Wiley.2007.p 102.

3. مصطفى، عادل. 2007. المغالطات المنطقية: طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي: فصول في المنطق غير الصوري. الطبعة الثانية. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة. 

ص 221.

4. Hunter, David. A practical guide to Critical thinking: deciding what to do and believe. Wiley. 2009. 170.