كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (فندق الغرباء): عندما يحطم الوطن أحلامنا الصغيرة

قد تختلف الأسباب التي تدفع الكُتَّاب في الشروع في عملٍ إبداعي ما؛ ولكن، لطالما كانت التجارب الإنسانية القاسية بمختلف أشكالها مادةً خصبة لكي يحتويها الأدب عامةً والرواية خاصةً؛ مثل هذه الرواية التي كتبها الكاتب ديميتري فيرهولست (Dimitri Verhulst) عندما طلبت منه مجلة (ديوس إكس ماكينا) كتابةَ مقال عن طالبي اللجوء في بلجيكا، وكي يتمكَّن من معايشة الحدث معايشةً قريبة، قرَّر الكاتب أن يمضي عدة أيام في مراكز استقبال اللاجئين في مدينة (آريندونك) البلجيكية، ومن هنا تحديدًا بزغت الفكرة وبدأ في تأليف الكتاب.

هوس المثالية

تبدأ الرواية بمشهد قد يكون مألوفًا في هذه الأيام، خصوصًا ما يشهده العالم من ركض وهوس مرعب نحو المثالية حتى ولو لم تكن حقيقية؛ إذ يمسك المصور (ماسلي) كاميراته لكي يصوِّر طفلًا أثيوبيًّا يكاد يموت جوعًا، ولكنَّ المصوِّر يشعر في أثناء التقاط الصورة أنَّ هناك شيئًا ناقصًا، ليكتشف أنَّ الصورة ستظهر على نحوٍ أفضل  لو أنَّ هناك ذبابة تطير بالقرب من الطفل.

ويتقدَّم العمل فنرى بطل الرواية -المصوِّر- يقفز بين فترات زمنية متفرِّقة؛ إذ يمكث البطل داخل مركز اللاجئين لكي يسرد عن طريقه قصص اللاجئين وأحلامهم الصغيرة، وفي كل قصة هناك رحلةٌ شاقَّة وآمال متعثِّرة.

أعراقٌ كثيرة، مأساةٌ واحدة

قد يحوي هذا المركز عديدًا من الأعراق والجنسيات، ولكنَّهم جميعًا يتشاركون ألم المعاناة، ولكل واحد منهم قصة قاسية حدثت له في بلده، أجبرته على اللجوء والمكوث داخل هذا الملجأ إلى حين الحصول على الإقامة الدائمة أو المغادرة إلى بلدانهم من جديد.

ومن القصص التي سردتها الرواية حملُ إحدى اللاجئات القاصرات، ولكنَّها تضطر أن تلد في السر، وأن تضحي بالجنين حتى تزيد فرصتها في الحصول على اللجوء، وقصة (مقصود) الذي مُنِح خمس عشرة دقيقة فحسب كي يقصَّ حكايته على الإدارة، فلا يسعه الوقت حتى يتحدث عن التعذيب الذي خضع له في زنازين بلده، وعن حرق أبيه وضرب أمه واغتصاب ابنته، وذلك كله لأنَّه انتخب الحزب المعارض في بلده.

إيواء مزيَّف

قد يتعرض الإنسان إلى ظروف غير ملائمة تضطره إلى التفكير بالتغيير، كأن يغيِّر مكان عمله مثلًا، ولكنَّنا هنا نتكلم عن تغيير بسيط يقرِّره المرء إذا شعر بعدم ارتياح تجاه أمرٍ ما في حياته؛ ولكن، ماذا لو قرَّر أن يرمي سنوات عمره التي بناها عرض الحائط وأن يغيِّر مكان إقامته إلى دولةٍ أخرى يجد أنَّها تعطي الإنسان حريته وحقَّه، والأهم من ذلك أنَّها تحقِّق له ذاته التي تشعره بالرضا والسعادة؟

ودون أن نتطرق إلى الأسباب التي أحدثت هذا الفرق الشاسع بين المجتمعات في تحقيق هذه الرغبات، نعرض هنا تجربة هؤلاء اللاجئين الذين أتوا بتجارب مريرة من بلدانهم إلى بلجيكا ومن أماكن مختلفة لعلَّهم يحققون حلمهم في تحسين معشيتهم، ولكنَّ تجربتهم داخل مركز اللاجئين لم تكن جيدة ولربما وجدوا بيئة أصعب من تلك التي كانوا فيها، وكأنَّ الرواية صفعةٌ توقظنا وتشير إلى المعاملة السيئة التي يتلقَّاها اللاجئون من الحكومات الأوروبية.

تشوُّهات حول مفهوم الوطن

عندما تقرأ كلمة (فندق) الموجودة في عنوان الرواية، قد تتبادر إلى ذهنك الغرف المستقلة والسرر الكبيرة، والوسائد المريحة، ولكنَّها في الحقيقة عكس ذلك تمامًا؛ إذ يقطن اللاجئون غرفًا غير مجهزة للمكوث، وقد يجدون أنفسهم يشاركون أناسًا لا يتحمَّلون الجلوس معهم، أما الحمام فهم يتشاركونه بالتناوب، والأكل مقتصرٌ على الحساء والخبز فحسب، وهذا ما يشير إلى الصبر الكامن في صدور اللاجئين كي يحصلوا على حق اللجوء أملًا في الحصول على حياة أفضل.

وربما كان أبرز ما تحاول أن تتطرق إليه الرواية هو (مفهوم الوطن)، فلا يدل هذا اللفظ على مسقط رأس الإنسان أو المكان الذي وُلِد فيه، ولكنَّه البيئة الآمنة التي يحصل فيها الإنسان على حقه كاملًا أيًّا كانت نشأته.

معلومات الكتاب