الطب > علوم عصبية وطب نفسي

دماغ الذكور أكبر من دماغ الأناث لكن من الأذكى؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

أدمغة الرجال أكبر حجمًا من أدمغة النساء؛ فهل هم الأذكى؟

ما العلاقة بين الجنس والدماغ؟

إذا أخبرتكم - أعزائي القراء - بأنَّ دماغ الذكور يزن قرابة 1.4 كغ، وهو بذلك أكبر نسبيًّا من دماغ الأنثى الذي يساوي 1.26 كغ؛ فما أول استنتاجٍ سيخطر ببالكم؟

لكن وقبل أن يلقي أي شخصٍ المعلومات جزافًا؛ دعونا نتعرف أكثر إلى الدماغ ومكوناته؛ علَّ هذه المعرفة تُمكِّننا من إعطاء إجابةٍ منطقيةٍ نوعًا ما عن سؤالنا.

ما يجب أن نفهمه هو أن الدماغ معقدٌ جدًّا؛ فلا يجب أن نحكم عليه عن طريق الحجم فقط، ومثالًا للتوضيح؛ فإنَّ إنسان نياندرتال (الإنسان القديم) يملك دماغًا أكبر من أدمغتنا الحالية؛ فهل يعني هذا أنه أذكى منا؟؟

لذلك وقبل أن نبدأ بدراسة العلاقة بين الجنس والدماغ؛ فلنُزِل من أذهاننا فكرة العلاقة بين الحجم والذكاء؛ فدماغٌ كبير لن يجعل من أحدنا أينشتاين هذا العصر.

إشكالية الجنسين:

كي نعرف كيف نتعامل مع العلاقة بين أكثر الأشياء تعقيدًا (الدماغ) والجنس يجب أن نعرف التعقيدات البيولوجية المرتبطة بالجنس؛ فما يميز الذكور عن الإناث هو أن الذكور يملكون صبغيًّا يُسمى Y وصبغيًّا آخر يُسمى X؛ في حين أن الإناث يملكن صبغيين من نوع X.

والإشكالية هنا أن واحدًا من كلِّ 2000 من المولودين في بلدٍ مثل؛ الولايات المتحدة يملكون تركيبةً صبغيةً تختلف عما ذكرناه مسبقًا.

فإنَّ من يمتلك اثنين من الصبغي X وصبغي واحد من Y هو ذكر مهما امتلك من الصبغي X.

لكن لا بدَّ وأن التركيبة الصبغية الجديدة ستؤثر بنحوٍ ما في الدماغ، وحتى لو تجاوزنا هذه المشكلة فهناك عائقٌ آخر سيقف في طريقنا وهو أن للذكاء أنواعًا مختلفة؛ فلو قلنا أن الذكور أفضل من الإناث في العمليات الحسابية؛ أمَّا الإناث فأفضل في حل المشكلات فمن هو الأذكى إذن؟!

يبدو أن الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير؛ فلنتابع إذن.

الاختلافات في الدماغ بين الجنسين:

لكي نفهم أكثر؛ سنعتمد على دراسةٍ أُجريَت في جامعة هارفرد؛ إذ وَجد الباحثون أن بعض المناطق في الدماغ تكون أكبر عند أحد الجنسين من الآخر (غالبًا وليس دائمًا)؛ فالفصُّ الجبهي في الدماغ المسؤول عن حل المشكلات واتخاذ القرارات يكون أكبر عند الإناث، وكذلك الحال تمامًا فيما يخصُّ القشرة الحُوفِية limbic cortex المسؤولة عن العواطف.

أمَّا اللوزة الدماغية amygdala المسؤولة عن السلوك الجنسي والاجتماعي، والقشرة الجدارية المسؤولة عن الإحساس بالمكان تكونان أكبر عند الذكور.

هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فهناك اختلافٌ في كمية المادتين الرمادية والبيضاء في الدماغ لدى الجنسين؛ فالذكور يملكون مادةً رماديةً أكبر من الإناث بـ 6.5 مرة؛ في حين تمتلك الإناث مادةً بيضاء أكبر من الذكور بـ 10مرات، وللتوضيح؛ فلو أردنا تشبيه الدماغ بشبكة الحواسيب؛ فالمادة الرمادية هي الحاسوب ذاته والبيضاء هي الأسلاك التي تنقل المعلومات، ولذلك تكون النساء أسرع في معالجة المعلومات من الذكور، وبالتأكيد فهذا الأمر ليس عامًّا إذ تعتمد قدرات الدماغ على البيئة التي رافقت تطوره منذ الطفولة.

والأمر لا يقف عند هذه النقطة فقط؛ فقد لاحظ العلماء أيضًا أن الذكور والإناث يستخدمون مناطق مختلفة من الدماغ لأداء مهام متماثلة؛ فلفظ الكلمات يعتمد على الجانب الأيسر من الدماغ عند الذكور وعلى الجانب الأيمن عند الإناث، وهناك مهامٌّ أخرى يتشابه فيها الذكور والإناث.

نقطةٌ جوهريةٌ:

بعد كل ذلك؛ يبدو أن الأمر معقدٌ جدًّا؛ فقدرات الدماغ لا تعتمد على ما ذكرناه فقط، بل على العمر والبيئة التي تطور فيها وأشياءَ أخرى، وما نستطيع أن نضيفه هنا هو أن النساء قد حصلن على الدرجات نفسها التي حصل عليها الذكور في اختبارات الذكاء؛ فربما نقول أن الجنسين لهما القدر نفسه من الذكاء.

وكلمة أخيرة أعزائي القرَّاء؛ فإنَّ معلومةً صحيحةً وهي حجم الدماغ الكبير عند الذكور قد استخدمت استخدامًا خاطئًا للدلالة على تفوق الذكور، ومن هذا المنطلق؛ فإنني أريدكم ألا تستخدموا المعلومات الصحيحة التي تعرفتم إليها الآن لتستدلِّوا بها على أمورٍ ما قد تكون خاطئة؛ فقبل أن يعلق أيٌّ منكم على هذا المقال؛ فليأخذ نفسًا عميقًا وليتذكر أن استخلاص النتائج من المعلومات لا يكون برمي الكلام دون تفكير، بل يكون بالبحث والاستقصاء العلمي.

المصادر:

هنا

هنا