العمارة والتشييد > التصميم المعماري

(Universal Design)؛ فراغات عادلة للجميع

نستخدم في حياتنا اليومية الكثير من المنتجات المصمَّمة وفق مبدأ التصميم الشامل (Universal Design)، فمن المفيد لنا مثلًا عند وجودنا في بلدٍ لا نتكلَّم لغته الاعتماد على اللافتات الرمزية في الأماكن العامة للوصول إلى المرافق العامة أو المطاعم وغيرها، وهذه اللافتات مفيدة جدًّا في الوقت نفسه للأشخاص الذين يعانون من صعوبات في القراءة. ونحتاج أحيانًا عبور الأرصفة المنحدرة في الطرقات أو مداخل المباني لدفع عربات الأطفال والتي تُعَدُّ عناصر أساسية لتسهيل تنقل مستخدمي الكراسي المتحركة (1).

فكيف وصلنا إلى هذا المحيط المكاني ذي الاستخدامات متعددة الجوانب؟ وما هي انعكاسات الجوانب الاجتماعية على البيئة المكانية المحيطة بنا؟

مع تطور العلوم الطبية، ازدادت فرص النجاة وتعمير الإنسان في الحياة لمدَّةٍ أطول على الرغم من بعض المشكلات الصحية التي قد ترافقه، وازداد وعي المجتمعات لضرورة احتواء الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة داخل النسيج الاجتماعي عن طريق القوانين والتشريعات الناظمة لحقوقهم، وساهمت التغيرات الديموغرافية والاجتماعية في خلق سوقٍ متزايدٍ من المستهلكين المقيدين وظيفيًّا بسبب عمرهم أو حالتهم الصحية، وساهم التقدُّم التكنولوجي أيضًا في تسهيل التواصل عن طريق الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية. وأدَّت كل هذه العوامل دورًا بارزًا في تشكيل ما يُعرف بمبدأ (Universal Design) أو "التصميم الشامل"  ليلبي كافة الاحتياجات لأكبر عدد ممكن من المستهلكين (1).

إذ اقترح المهندس المعماري (Ronald Mace) وأحد مستخدمي الكراسي المتحركة في العام 1997 ضرورة تصميم البيئات المادية والفراغات المحيطة بنا بما يحقق متطلبات جميع المستخدمين (1, 2)؛ فأسَّس مركز التصميم الشامل (Center for Universal Design) في جامعة ولاية شمال كارولينا (North Carolina State University) مع فريقٍ من المعماريين ومصممي المنتجات والمهندسين والباحثين في مجال التصميم البيئي، وحددوا 7 معايير أساسية لنظام "التصميم الشامل" وهي:

  1. الاستخدام العادل بما يجعل التصميم قابلًا للاستخدام والتسويق من قبل المستخدمين بمختلف قدراتهم، مع تجنُّب أي شكلٍ من أشكال التمييز والعزل، وبما يحفظ سلامة وخصوصية كل المستخدمين.
  2. المرونة في الاستخدام ليتناسب التصميم مع نطاقٍ واسعٍ من احتياجات ومقدرات المستخدمين، بما يتيح للمستخدم الاختيار بين طرق مختلفة للاستخدام -كالأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى أو اليسرى- وبما يضمن دقة الاستخدام.
  3. الاستخدام البسيط بما يجعل استخدام التصميم أو المنتج سهل الفهم بغض النظر عن مهارات المستخدم اللغوية والمعرفية ومستوى تركيزه في أثناء الاستخدام، مع تجنُّب التعقيدات غير الضرورية وبما يتناسب مع توقعات وحدس المستخدم، إضافةً إلى تنظيم المعلومات حسب أهميتها وجمع المعلومات من المستخدم لتحسين جودة التصميم أو المنتج.
  4. المعلومات المدركة بما يؤمِّن نقل التصميم للمعلومات الضرورية للمستخدم بغض النظر عن الظروف المحيطة أو المقدرات الحسية للمستخدم؛ كاستخدام طرق مختلفة لنقل المعلومات الصورية أو اللفظية أو اللمسية مع التركيز على وضوح هذه المعلومات.
  5. تقليص المخاطر والآثار السلبية الناتجة عن الأعمال غير المقصودة في أثناء الاستخدام مع ظهور تحذيرات في حال حدوث خطأ أو خطر ما، والتنويه إلى ضرورة توخي الحذر عند القيام بنشاطات تتطلب الحرص الشديد.
  6. التقليل من الجهد البدني بما يحقق الغاية من التصميم على نحوٍ مريح وبجهدٍ بدنيٍّ أقل ودون تكرار الحركات.
  7. توفير مساحة كافية للاستخدام بغض النظر عن وضعية أو حجم جسم المستخدم وكيفية تنقله، والعمل على توفير رؤية واضحة للعناصر المهمة ووصول مريح لتلك العناصر سواء كان المستخدم واقفًا أو جالسًا وبما يتناسب مع مختلف أحجام قبضة اليد، وتوفير مساحة كافية للأجهزة المساعدة أو المساعد الشخصي للمستخدم (2).
وفي العام 2002، أشار تقرير اللجنة الرئاسية للامتياز في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة (President's Commission on Excellence in Special Education) في الولايات المتحدة إلى ضرورة تحسين جودة مستوى التعليم وفقًا لمبادئ نظام "التصميم الشامل"؛ إذ يعزِّز هذا النظام الاحتواء الاجتماعي المطلوب لذوي الاحتياجات الخاصة عن طريق تسهيل وصولهم إلى المراكز والمنشآت والخدمات الجامعية -كقاعات المحاضرات والمكاتب- بجهدٍ أقل ودون الحاجة إلى مزيدٍ من التعديلات في بنية هذه المراكز والمنشآت، فالتصميم الشامل يوفِّر بيئةً تنسجم مع كافة احتياجات المستخدمين سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أم لا (1).

إذ يساهم تفاعل ذوي الاحتياجات الخاصة مع البيئة المكانية المحيطة بهم في توفير رؤيةٍ دقيقةٍ لدى المهندسين المعماريين فيما يتعلق بوظائف البناء على نحوٍ كبير، وذوو الاحتياجات الخاصة قادرون على تقديم توضيحات مفصَّلة عن العوائق التي يواجهونها، ممَّا يساعد المهندسين المعماريين على استيعاب أسباب تلك العوائق بدلًا من التطبيق المجرَّد للحلول المقترحة، ممَّا يساعد مهندسي البناء على تطبيق قابلية الوصول لكافة المستخدمين عند تصميم البناء (3).

ويُعَدُّ أنموذج "التصميم الشامل" في الهندسة المعمارية ملهمًا لمجالاتٍ علميةٍ أخرى؛ إذ استُفيد منه في مجال تطوير الوسائل والمناهج الدراسية في التعليم العالي بهدف توسيع شريحة الطلبة في الكليات والمعاهد الجامعية لتشمل وتستوعب كافة المقدرات الذهنية والبدنية للطلاب، فدُمِجت الشمولية في تصميم البناء مع الشمولية في أساليب أنظمة التعليم ونقل المعلومات، ممَّا يعزِّز فرص اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة في مؤسسات التعليم العالي على نحوٍ أفضل (4).

وفي النهاية يمكننا القول أنَّ نظام "التصميم الشامل" قد ساهم في لفت أنظار المعماريين والمصممين إلى ضرورة مراعاة المهارات والقدرات المختلفة للمستخدمين، للحد من النظرة الإقصائية في التعامل معها.

المصادر:

1_McGuire J, Scott S, Shaw S. Universal Design and Its Applications in Educational Environments. Remedial and Special Education [Internet]. 2006 [cited 27 November 2020];27(3):166-175. Available from: هنا

2_7 Principles of Universal Design [Internet]. Access Central: Universal Design Consultants, DDA Access Consultants. [cited 27 November 2020]. Available from: هنا

3_Vermeersch P, Heylighen A. Mobilizing Disability Experience to Inform Architectural Practice: Lessons Learned from a Field Study. Journal of Research Practice [Internet]. 2015 [cited 27 November 2020];11(2):Article M3. Available from: هنا

4_McGuire J, Scott S. Universal Design for Instruction: Extending the Universal Design Paradigm to College Instruction. Journal of Postsecondary Education and Disability. 2006;19(2):124-134.