كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (من نيويورك إلى كابول): الخيوط الأميركية الخفية

يُعدُّ هذا الكتاب جزءًا من سلسلة كتب أطلقها الكاتب والمحلل السياسي (محمد حسنين هيكل) بعنوان (كلام في السياسة) في الوقت الذي يتطرق فيه كثيرٌ من الكُتَّاب إلى حديث عن السياسة الأميركية نجد قليلًا من الكتب تتحدث عن تاريخ هذه الأمة، ولعلَّ هذا أبرز ما يميز الكتاب الذي نراجع محتواه؛ إذ يتناول فيه الكاتب نشأةَ الولايات المتحدة الأميركية قبل صعودها لتصبح قوة عظمى، وكيف بدأت هيمنتها الاقتصادية على العالم لتلحقها بنظام رأسمالي قوي يثبت سيطرتها السياسية كذلك.

ومع عاصفة التغييرات السريعة التي تشهدها الساحة الدولية اليوم، بات من الصعب التنبؤ بمستقبل واضح للعالم؛ ممَّا يجعل من التصور القائم على أنَّ القرن الواحد والعشرين سيكون قرنًا أميركيًّا كما كان القرن السابق تصورًا غامضًا.

فظهور نظام السوق العالمي اليوم فتح الباب لقوى اقتصادية لم تكن موجودة في السابق لتظهر بمظهر المنافس للسيطرة الاقتصادية الأميركية؛ ولذلك يرى الكاتب أنَّنا اليوم أمام خطرٍ حقيقي إذما حاولت أميركا تعويض خسارتها الاقتصادية بسطوتها العسكرية.

وينتقل الكاتب إلى تحليل تقرير رئاسي أميركي قُدِّم لمكتب الرئيس بوش الابن عند توليه الحكم، ويحمل التقرير في طياته مجموعةً من التوصيات والأوامر التي يجب على الرئيس اتباعها؛ ممَّا يوضح -حسب رأي الكاتب- أنَّ سياسة أميركا العظمى سياسةٌ استراتيجية تكمن مهمة الرئيس فيها تحقيق المشروع الأميركي واستمرار فرض السيطرة على العالم.

ونذكر معكم أهم القضايا التي جاء على ذكرها التقرير والتي تمثلت بالحديث بدايةً عن انتهاء سياسة الردع النووي الذي كانت تحتكره أميركا سابقًا في ظل اتساع طابور الدول الداخلة في مجال القوة النووية.

ويقدِّم التقرير توصيات مرتبطة بقضايا الشرق الأوسط أهمها التأكيد على ضرورة الفصل بين قضية الخليج والبترول من جهة، وقضية الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى وعدم الخلط بينهما لما سيخلق من تفاعلات تنشأ عنها شحناتُ خطر يصعب تقديرها.

بالإضافة إلى متابعة ما أسَّسه الرئيس جورج بوش الأب في المنطقة العربية عن طريق فتح الطريق لعملية السلام؛ لمنع وقوع حرب إقليمية، وذلك عن طريق تعزيز تعاون الولايات المتحدة الأميركية مع دول الاعتدال ولا سيما مصر وتركيا، وتوسيع دورهم في المنطقة.

ثمَّ يقدم الكاتب قراءته التحليلية لقضية كبيرة هزت عرش القوة العظمى وغيرت من صورتها بكونها الدولة التي لا يمكن اختراقها، وقد عُرِفت القضية بأحداث سبتمبر، والتي تمثَّلت في انهيار برجي التجارة العالميين في 11 أيلول 2001. 

ويقدم الكاتب في هذا الجزء من الكتاب دراسةً لدوافع هذا الحدث الإرهابي، وتحليل الاتهامات التي وُجِّهت إلى كثيرٍ من الأطراف حينها؛ إذ اتهمت أميركا أسامة بن لادن مباشرةً بأنَّه وراء هذه العملية على الرغم من صدور بيان وزاري أميركي يؤكد أنَّ أسامة بن لادن لا يستطيع تنظيم هذه العملية وحده لسببين، الأول أنَّ عمليةً بهذه الدقة تحتاج إلى تعاون إقليمي وتخطيط طويل الأمد، وثانيًا أنَّ المخابرات الأميركية كانت مُخترقةً تحركات بن لادن؛ لذا كان من السهل اكتشاف الأمر قبل حدوثه.

غير أنَّ الحدث كان مفاجئًا وصادمًا؛ إذ أظهرت وسائل إعلام دموع الرئيس بوش وهو ينقل الخبر لوسائل الإعلام؛ ولكن، كان لا بدَّ لأميركا من تفريغ غضب الشارع الأميركي من أجل منع استمرار حالة الفوضى في البلاد؛ لذا لم تتردد القوات الأميركية في تنفيذ عملية عسكرية على أفغانستان من أجل القبض على الإرهابيين في أوكارهم كما جاء على وصف الكاتب، ولكنَّ الحملة العسكرية ما لبثت أن تحولت إلى حملة تحريض الشباب الأفغاني للجهاد ضد فكر الإلحاد المُتمثِّل بالاتحاد السوفيتي مُستغلةً ديموغرافيا البلد لتشكيل حركات متطرفة تحت غطاء الجهاد الإسلامي. 

ولم يكن الهدف إنهاء فكر الإلحاد كما يرى الكاتب، ولكنَّ الولايات المتحدة استغلت ديموغرافيا أفغانستان لتوجيه ضربة للاتحاد السوفيتي، ولكنَّ انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وأميركا ورفع الأخيرة يدها عن أفغانستان جعل هذه الحركات التي تشكَّلت عالقةً في فجوة الإرهاب أو الجهاد.

 ثمَّ يقدم الكاتب تحليلًا عميقًا للعلاقات التي امتدت من نيويورك إلى كابول، والتي حملت دعمًا أميركيًّا لحركات الجهاد الإسلامي المُتشكلة؛ كحركة طالبان والقاعدة وتوجيهها حسب ما يدعم مصالحها في المنطقة، إلى جانب الاستفادة من الأموال الهائلة التي كانت تُضخ لدعم تلك الحركات من دول مختلفة من الوطن العربي، ولكنَّ هذه الحركات التي دعمتها أميركا باتت اليوم قوى مُتمكنة تهدد من أنشأها.

ويختتم الكاتب كتابه باستشهاده بحكمة أغريقية تقول: "إن الآلهة لا تعاقب البشر حين تغضب عليهم، وإنما هي تسلّط عليهم أنفسهم وكفى" في إشارةٍ إلى خطر الإرهاب الذي يهدد العالم بمختلف إيديولوجياته وجغرافيته. 

معلومات الكتاب