الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

تكنولوجيا (HYBRIT)؛ نحو إنتاج فولاذ صديق للبيئة

تعدُّ الصناعات الثقيلة أحد القطاعات المهمَّشة في محادثات التخفيف من آثار تغير المناخ، متضمنةً الصناعات التي تعتمد على صناعة المواد الأساسية أو معالجتها مثل الأسمنت والبتروكيماويات والمعادن (1).

تنبعث الغازات الدفيئة من إنتاج الطاقة المستخدمة في معالجة المواد المنتجة وتصنيعها في الصناعات الثقيلة، إضافةً إلى العمليات الكيمائية المتَّبعة في هذه الصناعات. ولفهم ذلك؛ يمكننا دراسة التفاعل الكيميائي الرئيسي في أثناء إنتاج الحديد؛ وهو نزع الأوكسجين في عمليةٍ تدعى "إرجاع الحديد"، إذ تنتِج هذه العمليةُ كمياتٍ هائلةً من ثنائي أكسيد الكربون منتجاً ثانوياً، ولطالما استُعِمل فيها الفحم الحجري، وكذلك تُستخدم هذه العملية في عديد من المعامل في أنحاء العالم (1).

في الوقت الحالي ومن أجل جعل الصناعات الثقيلة صديقة للبيئة أكثر؛ تستخدم طريقة التقاط ثنائي أكسيد الكربون وتخزينه، ولكن ما تزال هذه العملية موضع شكٍّ، وتشوبها بعض الصعوبات التقنية (1).

ماذا لو أوقفنا انبعاث ثنائي أكسيد الكربون من الأساس؟

السؤال الأهم المطروح هنا هو: ماذا لو أوقفنا انبعاث ثنائي أكسيد الكربون من الأساس؟

تُعدُّ صناعةُ الفولاذ وحدها مصدراً لقرابة 7٪ من انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون العالمية، وقد نجحت الجهودُ في تخفيض الانبعاثات الناتجة عن هذه الصناعة من خلال تحسين التكنولوجيا الحالية، ولكنّها لم تصل إلى الكفاءة المثلى الممكنة بعد؛ إذ تبقى هذه كفاءة الأفران العالية المستعملة في هذه الطريقة ضمن الحدود النظرية؛ أي لا يمكن تطويرها أكثر مما  تُوُصِّل إليه. ولذلك فإذا كنا نسعى إلى إلزام صناعة الفولاذ وتعزيزها لتحقيق أهداف الحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة، فسيكون من الضروري ابتكار تحسينات جديدة على الطرائق المتَّبعة حالياً (2).

مساعٍ صناعيةٍ في طريق استدامة صناعة الفولاذ.

أطلقت ثلاث شركات سويدية -شركة التعدين السويدية (LKAB)، وشركة (SSAB) المتخصصة في معالجة المواد الخام وتصنيع الفولاذ، وشركة (Vattenfall) المتخصصة في توليد الطاقة- مشروعاً يهدف إلى تخفيف تأثير صناعة الفولاذ في السويد على المناخ؛ إذ أسَّست الشركات الثلاث معاً المشروعَ المشتركَ تحت اسم (هايبريت - HYBRIT) وهو اختصار لعبارة ( Hydrogen Breakthrough Ironmaking Technology) أي (تحسين تكنولوجيا صناعة الحديد عن طريق الهيدروجين) في عام 2017. والهدف من المشروع هو  إيجاد تكنولوجيا لتصنيع الفولاذ لا تعتمد على الوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وسيُمكِّن نجاحُ مشروع "هايبريت" من تقليل انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون في السويد بنسبة 10%، وفي فنلندا بنسبة 7% (3).

يهدف مشروع "هايبريت" إلى أن يُستبدل بفحم الكوك (الذي يستخدم تقليدياً لصناعة الفولاذ من خاماته) الهيدروجين، ومن المفترض أن تكون العملية الناتجة فريدة من نوعها لتكون أول عمليةٍ لإنتاج الفولاذ خاليةٍ من الوقود الأحفوري وبلا أية انبعاثات كربونية (3).

وقد بدأ تخطيط أول معمل يعتمد هذه الطريقة في ربيع 2018، ليكون أول معمل تجريبي لإنتاج الفولاذ بلا وقود أحفوري. وبدأ البناء في شهر حزيران (يونيو) 2018 في مدينة لوليو شمال السويد (3).

تقسم مراحل تصميم عملية "هايبريت" إلى ثلاث مراحل:

  1. دراسة تجريبية يجري فيها فحصُ جميع الظروف بين عامَي 2016-2017.
  2. إجراء تجارب في خلال مرحلة الدراسة التجريبية بين عامَي 2018-2024. 
  3. إجراء التجارب في مصنعٍ تجريبيٍّ بين 2025-2035 (3).

الماء بدلاً من ثنائي أكسيد الكربون

تقوم الفكرة الجديدة على أن تُستبدل بتكنولوجيا الفرن العالي المستخدمة حالياً عمليةٌ تسمى الاختزال المباشر؛ وذلك عن طريق أن يُستبدل بفحم الكوك غازُ الهيدروجين الذي سينُتَج بالطرائق الكهربائية من مصادر طاقة خالية من المواد الأحفورية، وسيكون الناتج الثانوي لهذه العملية هو الماء العادي، وهو الذي يمكن معالجته لاحقاً لإنتاج كميات جديدة من غاز الهيدروجين (3).

يُعدُّ الاختزال المباشر بالهيدروجين (H-DR) للحديد الخام عمليةً شائعةً منذ فترة طويلة، ولكن لم يتزايد الاهتمام باعتمادها صناعياً إلا مؤخراً في أعقاب الخطط الحديثة لتخفيف البصمة الكربونية للاقتصاد العالمي وتوقُّع انخفاض أسعار الكهرباء على المدى الطويل.

ومن أجل تخفيف الانبعاثات الغازية في طريقة "هايبريت"؛ يجب إنتاج الهيدروجين المستخدم لمعالجة الخام بطرائق ذات بصمة كربونية منخفضة نسبياً، ويمكن ذلك إما بطريقة التحسين البخاري للغاز الطبيعي مع التقاط الكربون واحتجازه CCS، وإما بالطريقة الكهربائية التي تستخدم كهرباء مٌنتجة بطرائق صديقة للبيئة (2)

في عملية "هايبريت"؛ يُنتَج معدنُ الحديد باستخدام غاز الهيدروجين بوصفه عاملَ إرجاعٍ رئيسيٍّ في خلال التفاعل. ومسار الإنتاج في هذه العملية مشابه لمسار عملية الاختزال المباشر المستخدمة حالياً، باختلافٍ وحيدٍ هو غياب انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون؛ إذ يتفاعل الهيدروجين مع أكاسيد الحديد لإنتاج الماء بدلاً من ثنائي أكسيد الكربون. ويجري إنتاج غاز الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الكهرباء المُنتجة بطرائق غير أحفورية؛ أي من المصادر الصديقة للبيئة؛ وهي طرائق شائعة في السويد (4).

توضِّح المعادلة الآتية التفاعلَ النظري الأساسي في طريقة الاختزال المباشر للحديد بالهيدروجين؛ وهي العملية الأساسية في طريقة "هايبريت" (1):

التفاعل الكيميائي الممثل للعملية الأساسية في طريقة "هايبريت"

يوضِّح الشكل الآتي الفرقَ بين مسار عملية تصنيع الفولاذ التقليدية بطريقة الفرن العالي (Blast furnace route) وعملية "هايبريت"

تُقسم العملية إلى ثلاث مراحل أساسية:

  1. المرحلة الأولى: هي مرحلة التحبيب (Pelletising)؛ وفيها يجري تحويل المواد الخام إلى حبيبات المعدن (كرات) باستخدام الوقود؛ إذ يُلاحَظ الاختلاف هنا من حيث نوع الوقود المستخدم في المعالجة، فيستخدم الوقود الأحفوري (Fossil Fuels) في الطريقة التقليدية، والوقود غير الأحفوري في طريقة "هايبريت". يُنتِج الوقودُ الأحفوري غازَ ثنائي أكسيد الكربون، في حين لا ينتج غيرُ الأحفوري أيةَ انبعاثات جانبية.
  2. المرحلة الثانية: هي مرحلة تصنيع الحديد (IronMaking)؛ وفيها تُعالَج الكراتُ والحبيباتُ الناتجة عن المرحلة الأولى في الأفران. يُستعمل في الطريقة التقليدية فحم الكوك الساخن والأكسجين للمعالجة، وينتج المعدن الساخن وينطلق غاز ثنائي أكسيد الكربون منتجاً جانبياً من التفاعل، في حين تجري المعالجة في طريقة "هايبريت" باستخدام الهيدروجين، وينتج عنها الحديد الإسفنجي (ببنية إسفنجية) والهيدروجين والماء منتجاتٍ جانبية تخضع للمعالجة وإعادة التدوير. إن الميزةَ هنا هي أن الهيدروجين ينتج بالطريقة الكهربائية باستخدام الكهرباء التي يجري توليدها من موارد متجددة صديقة للبيئة ليكون الهيدروجين بذلك صديقاً للبيئة وببصمة كربونية منخفضة نسبياً.
  3. المرحلة الثالثة: هي مرحلة صناعة الفولاذ (SteelMaking)؛ ويجري فيها تحويل ناتج الأفران إلى فولاذ خام. يُعالَج في الطريقة التقليدية المعدنُ الساخن بالأكسجين وينتج عنها غاز ثنائي أكسيد الكربون، في حين يجري تحويل الحديد الإسفنجي إلى فولاذ خام باستخدام قطع من الفولاذ القديمة (الخردة)، ولا تنتج هذه الطريقة أية انبعاثات غازية.

تبقى المشكلة هنا هي الحصول على غاز الهيدروجين؛ إذ إنه لا يتوفر على نحو حرٍّ. ويمكن إنتاجه بطرائق عدة، ولكن أكثر طريقة صديقة للبيئة هي استخدام الكهرباء لفصل الهيدروجين من الماء، وتتطلب هذه العملية كميات هائلة من الكهرباء؛ لذلك يجب توليد الكهرباء بطريقة تصدر كميات قليلة جداً من الكربون لكي تكون العملية صديقة للبيئة أكثر. ويعدُّ الاعتمادُ على مصادر الطاقة المتجددة خياراً مناسباً لذلك (1).

تعدُّ الاستدامةُ في العمليات الصناعية جانباً مهماً في الوصول إلى قطَّاعٍ صناعيٍّ صديقٍ للبيئة وتحقيق أهداف المناخ العالمية الحالية وحماية البيئة بالنتيجة، وتجري الأبحاث حالياً على عديد من الطرائق التكنولوجية لاعتماد طرائق أكثر استدامة.

المصادر:

1. Low-emission steel production: decarbonizing heavy industry | SEI [Internet]. SEI. 2020 [cited 3 November 2020]. Available from: هنا

2. Olsson O, Nykvist B. Bigger is sometimes better: demonstrating hydrogen steelmaking at scale [Internet]. Stockholm: Stockholm Environment Institute; 2020 [cited 4 December 2020]. Available from: هنا

3. HYBRIT – Towards fossil-free steel [Internet]. Eurelectric.org. 2020 [cited 3 November 2020]. Available from: هنا

4. SSAB, LKAB, and Vattenfall. HYBRIT - TOWARDS FOSSIL-FREE STEEL [Internet]. SSAB; 2017. Available from: هنا