الطبيعة والعلوم البيئية > عمارة وأرض

مصائد ضخمة في قلوب الصحاري الموحشة

من الصحراء السورية وعبر مثيلتها الأردنية وصولًا إلى صحراء شبه الجزيرة العربية؛ تنتشر بعضُ الأشكال الهندسية الغريبة التي اكتشفها أحدُ الطيارين البريطانيين صدفةً في عشرينيات القرن الماضي في أثناء عبوره آنذاك فوق هذه المنطقة في رحلة الجوية. فقد أطلق عليها اسم "الطائرات الورقية الصحراوية" وفقًا لوصفه هذه التشكيلات (1) قبل اكتشاف الآلاف من التشكيلات المشابهة لها في أماكن متفرقة من الشرق الأوسط وأواسط آسيا موزعةً على عدة دول (3-1). كما هو واضح في الجدول رقم (1) وخريطة انتشار المصائد الصحراوية (صورة رقم 1).

جدول رقم (1): عدد الطائرات الورقية الصحراوية المكتشفة في الشرق الأوسط وأواسط آسيا بحسب الدولة حتى تاريخ 1.9.2017

(2)

صورة (1): خريطة انتشار ما يسمى بـالمصائد الصحراوية "الطائرات الورقية الصحراوية" (2)

يعود الفضل في اكتشاف هذه الأعداد الكبيرة منها إلى صور الأقمار الصناعية العالية الدقة التي كشفت -إلى جانب ذلك- أمرًا آخر مثيرًا للاهتمام؛ وهو أن هذه الأشكال تتشارك بعدد أكبر من الميزات كلما كانت متجانسة إقليميًّا؛ أي تنتمي للمنطقة نفسها (4). يبدو واضحًا أن امتدادها الكبير -الذي يصل إلى أكثر من 60 كم طولًا في بعض المناطق شرقي الأردن (5)- قد سهَّل من مَهمَّة الأقمار الصناعية في العثور عليها.

وعلى الرغم من أن الطائرات الورقية الصحراوية تبدو أشكالًا هندسية من السماء؛ لكنها على الأرض ليست عبارة إلا عن عدد من الحجارة المصفوفة في خطوط متوازية على شكل قمع بنهايات مغلقة (3,5). يرتبط غالبًا الجزءُ الخارجي من نهايتها بغرف صغيرة مغلقة تسمى بالخلايا (3,4) التي تتراوح أعدادُها من واحدة إلى أكثر من بضع عشرات لكلِّ موقع (4). ربما يدعم شكلُ هذا البناء الشبيه بالمصيدة سببَ الإجماع على أن صيد الحيوانات هو الغرض الأساسي من بناء الطائرات الورقية الصحراوية (1,3,4,5). فقد دلَّت بقايا العظام الحيوانية النادر وجودها داخل هذه التشكيلات على حوادث ذبح جماعي للحيوانات التي تنتمي إلى هذه المنطقة مثل غزال المها والغزال العربي وعدة أنواع أخرى يُعتقد أن هذا النشاط كان أحد الأسباب المؤدية إلى انقراضها أو جعلها مهددةً بالانقراض (1).

ويعود زمن استخدام الطائرات الورقية إلى العصر الحجري الحديث (Neolithic-period) (1,4,5) وتحديدًا إلى وقت مبكر من الألفية السابعة قبل الميلاد (5). على الرغم من وجود دلائل على استخدامها في العصر البرونزي (Bronze Age) والحقبة الحالية "حقبة ما بعد الميلاد Common Era". وفيما يدل على أن استخدامها لم يكن بالأمر النادر بل كانت نشاطًا منتشرًا، وهناك خبرة في التعامل معها؛ لُوحظ أن موقعها الطبوغرافي يجري اختياره بعناية وليس عشوائيًّا، ثم إن الفترة التي بُنيَت فيها تمتد على قرابة العشرة آلاف عام. والجدير بالذكر أنه عُثر على منشآت مشابهة في مناطق بعيدة كل البعد عن الشرق الأوسط في أقصى شمال أوروبا والقارتين الأمريكيتين (4).

وفي النهاية؛ فإن الغموض الذي أُحيط ويُحاط بالظواهر الغريبة في عالمنا اليوم لا يقتصر على الطائرات الورقية الصحراوية؛ بل يبدو جليًّا أن الحضارات البشرية قد أثمرت في خلال تقدمها كثيرًا من التجارب الغامضة التي لا يزال بعضها حبيسَ هذه الأرض.

المصادر:

1.Sparavigna A. Desert Kites and Stone Circles of the Syrian Desert in Satellite Images. Archaeoastronomy and Ancient Technologies. 2014;2(1):1-7.

2. The Globalkites Interactive Map | www.globalkites.mom.fr [Internet]. Globalkites.fr. 2020 [cited 16 November 2020]. Available from: هنا

3. Chahoud J, Vila E, Crassard R. A zooarchaeological approach to understanding desert kites. Arabian Archaeology and Epigraphy. 2015;26(2):235-244.

4. Barge O. Desert Kites [Internet]. Ancient History Encyclopedia. 2020 [cited 17 November 2020]. Available from: هنا

5. Holzer A, Avner U, Porat N, Horwitz L. Desert kites in the Negev desert and northeast Sinai: Their function, chronology and ecology. Journal of Arid Environments. 2010;74(7):806-817.