كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة رواية (كانديد

رواية (كانديد) عملُ الفيلسوف الفرنسي فولتير (فرانسوا ماري آروويه) (بالفرنسية: François-Marie Arouet)‏ ويُعرَف باسم شهرته فولتير Voltaire‏ (1694–1778) من الأكثر قراءة والتعليق على عصر التنوير حول العالم، فكيف كان كانديد أنموذجًا لفلسفة التنوير إذًا؟

تدور أحداث الرواية حول شاب بريء عاش وترعرع في منزل عمه الذي أسند تعليمه إلى أحد المعلمين الذي رسخ في داخله فِكْر التفاؤل وحُسْن النية؛ ممَّا عزله عن العالم الخارجي وجعله يتوسَّم الخير في الجميع ويثق بهم وينظر إلى الحياة بنظرة مشرقة للغاية، وبعد أن اكتشف عمُّه علاقة الشاب بابنته الجميلة طرده من منزله، فعاش عدة تجارب بقالب ساخر قدَّم فولتير عن طريقها عديدًا من أفكاره الفلسفية العميقة.

والموضوع الأساسي لـ(كانديد) هو السعادة "هنا والآن" (hic et nunc باللغة اللاتينية)، والهدف النهائي لعصر التنوير والموضوعات الأخرى (المعرفة، الحرية) التي تعمل بصفتها وسائل لخدمة هذا الهدف.

وهذا ضد فلاسفة عصر النهضة الذين وعدوا بالسعادة بعد الموت في تقليد مسيحي كلاسيكي. ويهدف عمل التنوير إلى تزويد الأفراد بشروط إمكانية السعادة الفورية: في حين طوَّر التنوير مفهوم الحق في السعادة.

وفي نهاية المطاف، فهذا البحث عن السعادة هو ما تتحدث عنه مغامرات كانديد.

* فولتير والتفاؤل

ينقد فولتير التفاؤل ومبدعه -الفيلسوف الألماني لايبنيز ( غوتفريد فيلهيلم لايبنتز Gottfried Wilhelm Leibniz) (1646-1716)؛ الذي يتجسد ويسخر عن طريق شخصية بانجلوس (وهو أحد أبطال الرواية، وهو فيلسوف ومعلم كانديد ).

إنَّ تفاؤل بانجلوس موقفٌ فلسفي يمكن تلخيصه على النحو الآتي:

- الله كامل.

- خلق الله العالم.

- الوجود المثالي سيخلق عالمًا كاملًا ، ومنه فإنَّ العالم كامل.

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الكائن المثالي سيخلق كل ما يمكن إنشاؤه، ومنه فكل ما يمكن أن يوجد في الواقع موجود؛ ولذلك، فهذا العالم هو الشكل المثالي للحياة وكل شيء على ما يرام.

يُظهر فولتير المسارَ الفكري والفلسفي لكانديد، وهو مسار خيبة الأمل: يقول كانديد إنَّ التفاؤل هو الهوس لقول إنَّ الأشياء جيدة عندما يكون المرء في الجحيم. وفي الواقع، يتعلم كانديد أنَّ كمية الخير أقل بكثير من كمية الشر.

ويتساءل فولتير أيضًا عمَّا إذا كان الله صالحًا حقًّا أم أنَّه كليُّ القدرة حقًّا؟ وكانديد سيكون ترجمة هذا السؤال الديني والميتافيزيقي.

* الربوبية في كانديد

إنَّ مفهوم الربوبية عند فولتير ذاته عند كانديد وهي الربوبية التي تأسست على الإيمان بالله خالق الكون. ولكنَّ هذا الإله لا يتدخل في شؤون العالم، فهو يعمل بصفته صانع ساعات، ومهندسًا معماريًّا يبدع ويطلق خليقته على قيد الحياة؛ لذلك، فالأمر متروك للرجال لتولي مصيرهم في أيديهم وخَلْق الخير أو الشر: "على أي حال، فإنَّ البشر مسؤولون عن عالمهم"

* السياسة والعبودية في كانديد

إنَّ رواية كانديد من الناحية السياسية معتدلة، فهو يسخر من الحكومات الفاسدة في العالم كلها باستثناء إلدورادو (وهي مدن الذهب الأسطورية، ولكنَّ فولتير استخدمها للتعبير عن المدينة المثالية) دون أن يدعو إلى الإطاحة بتلك الحكومات.

وفولتير ليس ثوريًّا: فهو يعتقد في الحقيقة أنَّ أيَّة ثورة تؤسس لنظام سياسي أسوأ من سلفه.

ويتناول موضوع العبودية عن طريق الاجتماع مع العبد الزنجي الذي مُزِّقت ساقه في مصنع السكر: "بهذا السعر تأكل السكر"، قال الزنجي لكانديد.

كان هذا الاجتماع هو الذي ميز كانديد وجعله يفهم أنَّ التفاؤل نظريةٌ وهمية.

ومع ذلك -على الرغم من أنَّ كانديد يبكي على محنة العبد- ولكنَّه لا يحاول تحرير العبيد.

* إلدورادو والسعادة، الواقعية..

استنكر فولتير عن طريق إلدورادو المدينة الفاضلة: لا وجود لعالم مثالي.

إنَّها الواقعية التي يجب أن تسود في الإنسان العقلاني، وليست الإيمان بمجتمع متناغم لا يوجد ولا يمكن أن يوجد.

* يجب زراعة حديقتنا

الحديقة رمزٌ للثقافة سواءً المادية للغذاء الذي توفره، والفكرية التي تُعدُّ استعارةً للتغذية الروحية.

الحديقة أيضًا مدحٌ للعادي وللمنزل وللحياة الطبيعية؛ لأنَّه للفشل في بناء عالم مثالي يجب أن يكون المرء راضيًا -وفقًا لفولتير-عن العالم كما هو.

وأخيرًا، يمكننا تحليل موضوع الحديقة سياسيًّا: يعيش كانديد في مجتمع صغير، منغلق على نفسه، ممَّا يشهد على حقيقة أنَّ الدول فاسدة؛ لذلك يجب أن نتركها تعيش حياة متقاعد بناءً على العمل.

وفي هذه الرواية الفلسفية الساخرة يضع فولتير الإنسان في مواجهة نفسه بعد عدة تجارب، فهل بقي كانديد متفائلًا؟

وقد أنهى القصة بفكرة أساسية: كل ما يقع لنا من خير أو شر هو ممَّا نصنعه نحن.

معلومات الكتاب