الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

تقنية الرقاقات الحيّة بين الهندسة والطب

أنشأ مهندسون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT نموذجاً متعدد الأنسجة يسمح لهم بدراسة العلاقة بين أعضاء الجسم الحيوية وجهاز المناعة؛ إذ زرعت الخلايا البشرية على منصة Microfluidics خاصة التي تسمح بتدفق السوائل عبر قنوات ميكرومترية متيحة التلاعب والتحكم بها بنحو دقيق. (1)

كيف بدأ الأمر؟!

منذ ما يقارب العشرين عامًا، قررت البروفيسورة ليندا جريفيث Linda Griffith وزملاؤها العمل على تقنية الأعضاء على شريحة (Organs on a Chip) التي اعتقدوا أنّها ستتمكن من تقديم طريقة لمحاكاة الآثار الناشئة عن الأدوية بدقة وسرعة أكبر، من أجل ذلك احتاج الباحثون إلى معدات جديدة تمثلت في سقالة متخصصة استخدمت بوصفها هيكلًا مؤقتًا لدعم الأنسجة إضافة للأنسجة التي سيتم العمل عليها التي تحاكي وظائف الأعضاء البشرية على نحو كبير.

تَمثل النموذج الأولي بكبد بشري، إذ وضعت أنسجة من الكبد على سقالة متخصصة لاختبار سمية بعض الأدوية وآثارها الجانبية. (1)

نموذج عن Microphysiological System

اُستخدِم فيما بعد النظم الفيزيولوجية الدقيقة (Microphysiological System) التي تعبر عن مجموعة مترابطة من التركيبات الخلوية ثنائية أو ثلاثية الأبعاد، الأمر الذي أتاح للباحثين إنشاء نسخ متماثلة صغيرة الحجم للعديد من الأعضاء الحيوية المرتبطة بعضها مع بعض. [1]

وفي عام 2018 ظهرت عدة إصدارات من الشرائح استطاعت ربط ما يقرب إلى 10 أعضاء حيوية مختلفة كالكبد والرئة والأمعاء وبطانة الرحم والدماغ والقلب والبنكرياس والكلى والجلد والعضلات الهيكلية ويتكون كلّ عضو من مجموعة خلايا بلغ تعدادها من مليون إلى مليوني خلية. (2)

تميزت معظم الأنسجة المستخدمة بكونها عينات مأخوذة من المرضى بدلًا من تلك التي  أُنتِجت مخبريًّا، الأمر الذي أتاح للخلايا الناشئة إجراء العديد من وظائف العضو الحيوي دون عدِّها بديلًا نموذجيًا عنه.

حسبما وصفت البروفيسورة ليندا غريفيث Linda Griffith أستاذة الهندسة البيولوجية والميكانيكية والمؤلفة الرئيسية للدراسة فإنّ التعامل مع هذه الخلايا كان صعبًا، لكنّها مكنتهم من تقديم نموذج أكثر وضوحًا لوظائف الأعضاء الحيوية. (2)

لكن ما الفوائد المرجوة من هكذا تجربة؟!

أتاح مُحاكاة عمل الأعضاء البشرية بدقة لأسابيع عديدة للباحثين قياس آثار الأدوية على أجزاء مختلفة من الجسم، إذ يمكن للتجربة أن تكتشف على سبيل المثال ما إذا كان الدواء الذي يهدف إلى علاج عضو ما ذا آثار سلبية على بقية الأعضاء.

ونتيجة لذلك تمكن الباحثون من إيصال الدواء إلى أنسجة الجهاز الهضمي، ومحاكاة ابتلاع الدواء عن طريق الفم، ومتابعة حركة الدواء إضافة إلى كيفية تفاعله مع الأنسجة الأخرى. (2)

حسبما صرح مارتن ترابيكار Martin Trapecar أحد المؤلفين الرئيسين للورقة البحثية فإن التحكم بمستوى تعقيد المرض أصبح ممكنًا لكن ضمن ظروف منظمة ومنضبطة. (1)

ونتيجة لذلك سيصبح بالإمكان مهاجمة بعض الأمراض المزمنة والشائكة إضافة إلى تقييم عقاقير الأجسام المضادة والعلاجات المناعية الأخرى التي من الصعب اختبارها بدقة في الحيوانات كونها مصممة للتفاعل مع جهاز المناعة البشري. (2)

هل من عقبات واجهت هذه التقنية؟!

عند تطوير دواء جديد فإنّ التركيب الدوائي حُدِد تبعًا لما يعرفه الباحثون عن بيولوجيا المرض وبالآتي فإن اعتماد نتائج التجارب المطبقة على الحيوانات يعد صعبًا لكونها غير قادرة على تمثيل جميع الجوانب اللازمة لتطوير الدواء وفهم المرض على نحو صحيح، إضافة إلى ذلك فإن المضاعفات بين المرضى تختلف تبعًا لخلفيتهم الجينية والتأثيرات البيئية إضافة إلى نمط الحياة والأدوية الأخرى التي قد يكونون في طور تناولها. (2)

تعتقد ليندا جريفيث Linda Griffith أن التطبيقات العاجلة لهذه التكنولوجيا تنطوي على نمذجة اثنين إلى أربعة أعضاء، إذ يعمل مختبرها الآن على تطوير نظام نموذجي لمرض باركنسون يتضمن الدماغ والكبد والأنسجة المعوية التي من المقرر استخدامها لفحص الفرضية القائلة بأنّ البكتيريا الموجودة في القناة الهضمية يمكن أن تؤثر في تطور مرض باركنسون. (2)

هل من الممكن استخدام هذه التقنية بأسلوب آخر؟

بأسلوب مشابه للتقنية السابقة طور باحثون من معهد روتشستر للتكنولوجيا RIT جهازًا يمثل مختبرًا صغيرًا عرف باسم (Lab on a Chip)، التقنية استخدمت حبيبات مانوية مغناطيسية لعزل البكتيريا الدقيقة التي تسبب الأمراض، متيحين بذلك فلترة العديد من السوائل باستخدام مرشحات خاصة تتناسب وبيئة العمل إذ يحبس الفلتر الجسيمات في فراغات الجهاز الصغيرة وبالتالي تحليل أكبر عدد ممكن من البكتيريا الموجودة. (3)

يمكن عد الجهاز بيئة مخبرية متطورة قابلة للاستخدام في المستشفيات أو العيادات الميدانية ومن المتوقع أن يكون أسرع بكثير في جمع العينات وتحليلها من المرشحات الغشائية المتوفرة حاليًّا، فضلًا عن إمكانية الجهاز أخذ عينات اختبار متعددة في الوقت نفسه. (3)

استخدام هكذا تقنية سيتيح للأطباء عزل سلالات العدوى البكتيرية المقاومة للأدوية والجزيئات الدقيقة التي يصعب اكتشافها مثل تلك الموجودة في فيروسات إيبولا والفيروسات التاجية.(3)

برأيك عزيزي القارئ، هل يمكن لهذه التقنيات أن تساهم في فهم الأوبئة المنتشرة في العالم حاليًا والحد من وجودها؟!

المصادر:

1-  MIT News. 2020. Using “Organs-On-A-Chip” To Model Complicated Diseases. [online] Available at: هنا  [Accessed 8 August 2020].

2- MIT News. 2020. “Body On A Chip” Could Improve Drug Evaluation. [online] Available at: هنا  [Accessed 8 August 2020].

3- RIT. 2020. RIT Researchers Build Micro-Device To Detect Bacteria، Viruses. [online] Available at: هنا  [Accessed 8 August 2020].