الكيمياء والصيدلة > تأثير أدوية

بديل الباراسيتامول دون سُمّيّةٍ كبدية!

يُصنَّف الألم حسب مدّته إلى حادٍّ أو مزمنٍ (1)، وُيشكّل تدبير الألم الحادّ والمزمن واحدةً من أهمّ قضايا الصّحّة العامة انتشاراً وتكلفةً حول العالم. في الولايات المتّحدّة الأمريكية وحدها، يصيب الألم أعداداً من البالغين أكثر من عدد إصابات السّكري والسّرطان مجتمعين، وتُقدّر تكلفته بـ 635 بليون دولار لنظام رعاية الصّحّة كلّ عام (2)، ويكون الألم المزمن مرتبطاً بالتعرّض طويل الأمد للأدوية، ممّا يزيد احتماليّة حدوث التأثيرات الجانبية (1).

وينطوي استعمال مسكّنات الألم المتوافرة حالياً على خطر الإدمان (الأفيونات)، والأذيّة الكبدية (الأسيتامينوفين) أو الأذية الكلويّة مثلما في مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (2).

مضادّات الالتهاب غير السّتيروئيدية (NSAIDS):

وتُستعمل لتخفيف الألم والانزعاج المرتبط بالحالات المزمنة، مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي (RA)،  والفُصال العظمي (OA)، وبعضها الآخر لحالاتٍ أُخرى مثل: التهاب المفاصل الشّبابي؛ إذ تمتلك طيفاً واسعاً من التأثيرات الجانبيّة التي تستهدف رئيسيّاً الجهاز الهضمي والكلوي والقلبيّ الوعائي، ويتزايد خطر حدوثها مع فترات الاستعمال الطويلة للدواء ووجود أمراضٍ أُخرى (3).

الأسيتامينوفين:

الأسيتامينوفين يُعرَف أيضاً بالباراسيتامول أو (N-acetyl-p-aminophenol) أو (APAP)، وهو  واحدٌ من أكثر الأدوية استعمالاً نظراً لخصائصه المسكّنة والمضادّة للحُمّى، وهو متوفرٌ دون وصفةٍ طبّيةٍ بصيغة دواء حاوي على مركّب الـ (APAP) لوحده أو بالمشاركة مع أدويةٍ أُخرى؛ ويُصرف بموجب وصفةٍ طبّيّةٍ عندما يتشارك إعطاؤه مع الأفيونات. وعلى الرغم من أن الأسيتامينوفين دواءٌ آمنٌ وفعّالٌ بالجرعات الموصى بها؛ فإنّه يُسبّب سُمّيّةً كبديةً وفشلَ كبدٍ حادٍّ في الجرعات الزائدة (4).

الآليّة الإمراضيّة الكبدية للأسيتامينوفين:

لا يُسبّب الأسيتامينوفين نفسه السُّمّيّة الكبدية بل عن طريق مستقلِبٍ فعّالٍ له. فلدى أخذ الجرعات الموصى بها يُستقلَب (85–90 %) من الأسيتامينوفين عبر الاقتران الغلوكورونيدي أو السلفنة، ثمّ يُطرّح مع البول، وتبلغ نسبة الدواء المطروح على نحوٍ غير متغير 2% ويُستقلَب <10% عبر نظام السيتوكروم (p450) على نحوٍ رئيسيٍّ عبر (CYP2E1) إلى المستقلب الفعّال ((N-acetyl-p-benzoquinone imine (NAPQI)، وفي الظروف الطّبيعيّة يتحوّل سريعاً إلى مستقبلاتٍ غير فعالةٍ عبر الغلوتاثيون (GSH). أمّا في الظروف التي تنخفض فيها كمّية الغلوتاثيون مثل في حالات الجرعة الزائدة من الأسيتامينوفين، والتعاطي المزمن للكحول، وسوء التغذية يصبح (NAPQI) مسيطراً، ويؤدّي إلى أذيّةٍ كبديةٍ. الآليّة الرئيسيّة التي يُسبّب بها (NAPQI) أذيّةً كبديةً تتضمّن تشكيل معقداتٍ بروتينيّةٍ مع مجموعات السلفهيدريل ممّا يؤدّي إلى اختلالٍ في عمل المتقدرات وموت الخليّة بالإضافة إلى إحداث تغييراتٍ في الجهاز المناعيّ الطّبيعيّ للكبد (4).

البحث عن مركّباتٍ جديدةٍ:

بسبب ضيق النافذة العلاجيّة لـ (APAP)، والحاجة السّريريّة لمسكّنات ألمٍ جديدةٍ غير أفيونيةٍ أكثر أماناً بدأ البحث عن مضاهئات (APAP) -مشابهات للـ APAP- خاليةٍ من السُّمّيّة الكبدية، وصُنعت مشتقاتٌ أكثر حبّاً للدسم بإدخال مجموعة 1,1-dioxo-1,2-benzothiazol-3-one  (سنشير إليها لاحقاً مثل مجموعة الإيميد) على مجموعة الميتيل لـ (APAP)، وعلى نحوٍ مفاجئٍ حافَظَ المركّب 1 الناتج على الخصائص المسكّنة داخل الجسم الحيّ، في حين انخفضت السُّمّيّة الكبدية على نحوٍ ملحوظٍ، يُستقلَب المركّب 1 سريعًا داخل الجسم الحيّ إلى المركب 2 (المستقلب الرّئيسيّ)، وهو حمضٌ كربوكسيليٌّ منحلٌّ في الماء ممّا يُسهّل إطراحه السّريع في البول مقارنةً بالمركب 1.

مخطط يوضّح تصنيع المركّبين 2 و3:

ولدراسة الحرائك الدوائيّة للمركّب 1، وُصفَت الآن مجموعةٌ جديدةٌ من مسكّنات الألم. تُنتَج هذه المركّبات عبر فتح حلقة الجزء الإيميديّ في المركّب 1 لتُنتج الأميدات المستبدلة (N-substituted amide)  المتمثّلة في المركّب 3. إنّ تصنيع وتوصيف صنفٍ جديدٍ من المسكنات المتمثّلة في المركّب 3 يُبيّن لنا كياناتٍ كيميائيةً جديديةً خاليةً من السّمّيّة الكبدية؛ لكنّها تحتفظ بالخصائص المسكّنة والمضادّة للحُمّى. ومقارنةً بالمرّكب 2 نجِدُ أنّ الأدوية الجديدة من مضاهئات (مشابهات) 2-(benzenesulfonamide)-N-(4-hydroxyphenyl) acetamide) تتمتّع بثباتيّةٍ أعلى وانحلاليّةٍ أعلى بالدسم وحلمهة بطيئة لمجموعة الأميد (2).

 

الدليل النّسيجيّ على غياب الأذيّة الكبدية:

تُظهِر المقاطع النّسيجيّة الكبدية الملوّنة بالهيمتوكسيلين أيوزين (H&E) من فئران تجاربٍ -بعد تعريضها لجرعاتٍ سُمّيّة (600 mg/kg) من (APAP) - التّنخّر النّزفي في مركز الفصيص الكبدي وبالمقابل بقيت بُنية الكبد سليمةً بعد استخدام المركّبين (3b و3r)، وهما مركّبان من المجموعة 3.

ثمّ إنّ استعمال التلوين بالنترو تيروزين -وهو مؤشّرٌ لتشكّل الجذور الحرّة في المتقدرات، ومؤشّرٌ لأذيّة الخليّة الكبدية- كان متوافقاً مع التّنخّر في مركز الفصيص الكبدي المُلاحظ عند التلوين بالـ (H&E). كما لُوحظ أيضاً خسارة الموصلات الكبدية المُحكَمة والذي رُبِط مؤخّراً على أنّه آليّةٌ طبوغرافيّةٌ في السُّمّيّة الكبدية المحرّضة بـ (APAP) في الفئران المعالجة بـ (APAP) مع خسارة الموصلات الكبدية المُحكَمة المعروفة بـ (chicken wire)؛ لكن هذه الخسارة لم تحدث لدى استعمال المركّبين 3b و3r.

وعلى الرغم من أن الأسيتامينوفين واحدٌ من أكثر الأدوية استعمالاً على مستوى العالم، تشكّل السُّمّيّة الكبدية خطراً لدى تناول جرعةٍ زائدةٍ أو لدى المرضى الذين لديهم وظيفةٍ كبديةٍ ضعيفةٍ. جرعة الأسيتامينوفين الزائدة هي السّبب الأكثر شيوعاً للفشل الكبدي الحادّ الصّاعق، وللتغلّب على هذه المشكلة صُنعت مركّباتٌ فريدةٌ يُتوقَّع أن تُقلِّل من الخطر المترافق مع الاستعمال طويل الأمد للأسيتامينوفين. فالمركّب 1 مضاهئ الأسيتامينوفين لا يُسبّب سُمّيّة كبدية محبٌّ للدسم وغير ثابتٍ استقلابيّاً، والمركّب 3 المُصنّع حديثاً هو مضاهئ الأسيتامينوفين لا يُسبّب سُمّيّةً كبديةً ومحبٌّ للدسم وثابتٌ ويحتفظ بالخصائص المسكّنة والمضادّة للحُمّى (2).

المصادر:

1. Carter G, Duong V, Ho S, Ngo K, Greer C, Weeks D. Side Effects of Commonly Prescribed Analgesic Medications. Physical Medicine and Rehabilitation Clinics of North America. 2014;25(2):457-470.

2. Bazan H, Bhattacharjee S, Burgos C, Recio J, Abet V, Pahng A et al. A novel pipeline of 2-(benzenesulfonamide)-N-(4-hydroxyphenyl) acetamide analgesics that lack hepatotoxicity and retain antipyresis. European Journal of Medicinal Chemistry. 2020;202:112600.

3. Harirforoosh S, Asghar W, Jamali F. Adverse Effects of Nonsteroidal Antiinflammatory Drugs: An Update of Gastrointestinal, Cardiovascular and Renal Complications. Journal of Pharmacy & Pharmaceutical Sciences. 2014;16(5):821.

4. Lancaster E, Hiatt J, Zarrinpar A. Acetaminophen hepatotoxicity: an updated review. Archives of Toxicology. 2014;89(2):193-199.