الفنون البصرية > فنانون عالميّون

جيمس إنسور؛ فنان الأقنعة

إلهام إنسور منذ الطفولة:

وُلِد جيمس إنسور البلجيكي المنشأ عام 1860م، في مدينة أوستند (Ostend) الساحلية، وكان فنانًا معاصرًا؛ استخدم الألوان ليمثِّل الفطرية والتعبيرية في أساليبه (2).

وكانت الأقنعة أشياء مألوفة لـ(Ensor) منذ طفولته، فقد كان لوالديه متجرٌ للهدايا التذكارية وأصداف البحر وشبكات الصيد، إضافةً إلى الأقنعة الغريبة التي كان يرتديها الأوستنديين في كرنفالاتهم السنوية، فكان هذا المتجر عالمًا حقيقيًّا من العجائب بالنسبة إلى طفل (1).

وقد تلقَّى  (Ensor) -بتشجيع من والده- دروسًا من رسامين من أوستند، ولكنَّ قيودهما أدَّت في النهاية إلى قراره في ارتياد الأكاديمية الملكية للفنون (Royal Academy of Art in Brussels)  في بروكسل (1)، وعاد عام 1879م إلى أوستند، وأنشأ الأستديو فوق متجر والديه، وهنا أنتج معظم أعماله الناضجة، وبقي في أوستند معظم حياته (2).

شخصية إنسور الفنية المتفردة:

كان (Ensor) شابًّا مرتبكًا، وغير واثق بنفسه، وكان يعاني من مشاعر الخزي، ولكنَّه أصبح رائدًا في مجال الفن. 

وتُظهر لوحاته في فترته المظلمة تألقًا لونيًّا، وتمتاز بافتتانه المستمر بالضوء واللون، وكان اكتشافه لفكرة القناع في لوحاته سبَّاقًا (1).

وقد رسم إنسور عام 1883 عندما بلغ عامه الثالث والعشرين أقنعةً فاضحة (Scandalized Masks)، وهو عمل تبعته سلسلةٌ من اللوحات الفريدة من نوعها في تاريخ الفن الغربي عن طريق وجود شخصيات مُقنَّعة تطوَّرت على مدى حياته، وظهرت في مئات من أعماله (1).

لوحة  أقنعة فاضحة (Scandalized Masks) عام 1883

رسم (Ensor) الأقنعة للكشف عن الذات الحقيقية، وهي الميزة الفريدة للقناع في أعمال (Ensor)؛ فبدلًا من الأقنعة لإخفاء هوية مرتديها، كانت تظهر حقيقة مرتديها فعلًا (1).

ثم انضمَّ (Ensor) عام 1883م إلى مجموعة من الفنانين في بلجيكا (2)، جمعهم هدف واحد وهو الاهتمام بالرمزية في الفن (Symbolist painting)، وأطلقوا على أنفسهم لقب الاثني عشر (The Twenty) أو (Les Vingt)، وقد نشطت المجموعة في بلجيكا وتمركزت في بروكسل، وكانوا مثل  معاصريهم الفرنسيين والألمان؛ فقد حوَّلوا التركيز في أعمالهم من عالم الحياة اليومية خارج الفنان  إلى الحياة الداخلية في عالم يحتفل بالغموض والإشارة والرمز (3).

وبحلول عام 1888م، سحبت زمرةٌ من الفنانين لوحات إنسور جميعها من إحدى المعارض مع أنَّ إدراجها كان مسبقًا في الكتالوج، وبعد ذلك بعامين، قُبِلت اللوحات التي قدَّمها إلى عرض آخر بتصويت واحد فحسب، وقد شاع أنَّه قد كان له. 

وعندما عُرِضت هذه اللوحات التي تضمَّنت بعضًا من أفضل أعمال إنسور كان النقاد قاسين في انتقاداتهم: لقد تعرَّض للتوبيخ على أنَّه جاهل ومنحل، وعدُّوا رؤيته الفنية "سخيفة"، و خياله "مريضًا"(1) ومع أنَّ عديدًا من الفنانين الآخرين تعرَّض لهجمات ناقدة مماثلة مثل (Pissarro) و(Renoir) و(Van Gogh)؛ الذين عُوملوا بصفتهم مهرجين أو منحلين أو تجاهلوهم أيضًا، ولكنَّهم تمكَّنوا من متابعة أعمالهم (1)، وهذا ما حدث مع (Ensor)، وحتى مع الانتقادات كانت نهاية الثمانينات والتسعينات فترةً منتجة لأعمال مثمرة على نحوٍ كبير بالنسبة إليه (1).

من أشهر أعماله:

تُعدُّ لوحة دخول المسيح إلى بروكسل (The Entry of Christ into Brussels) من أكثر لوحات (Ensor) شهرةً وغرابة، ولم يكن من المخطط أن تترك هذه اللوحة الضخمة التستوديو الخاص به حتى عام 1929م لتُعرض للجمهور.(1)

لوحة دخول المسيح إلى بروكسل (The Entry of Christ into Brussels )عام 1889

كُتِب عن لوحة دخول المسيح إلى بروكسل كثيرًا، ففيها تمثيلات لمئات من الشخصيات المُقنَّعة السائرة من الإطار نحو المراقب، ويوجد كثيرٌ من المُلثَّمين وغيرهم لديهم وجوه غريبة توحي بشخصيات كاريكاتورية بطابع يشبه كل شكل من الحماقات البشرية. 

ويظهر المسيح في الخلف مُحاطًا بهالة ضائعًا في هذا الكرنفال المأساوي وهو يمدُّ ذراعًا مباركة لحشود غافلة عن حضوره. 

وفي دخول المسيح، لم يكن الحشد الغافل سوى البشرية نفسها، فهو يماثلها ويعبِّر عنها، ويميز فيه (Ensor) ازدرائه للكنيسة والجيش والبلاط والبرجوازية والارستقراطية.

وتكرر تصوير (Ensor) لشخصية المسيح في لوحاته مُعذَّبًا ومهانًا ومصلوبًا، وكأنَّ (Ensor) يوحي بتماهيه الشخصي مع المسيح. 

إضافةً إلى المرارة التي تحملها لوحة دخول المسيح إلى بروكسل، فهي لا تخلو من روح الدعابة؛ إذ تحمل انطباعًا قويًّا للكوميديا البشرية(1).

لوحة الدسيس(The Intrigue) عام 1890

تفتقر لوحة الدسيس (The Intrigue) إلى صور الأقنعة الصاخبة، وتمثِّل تسع شخصيات تمثيلًا غامضًا، فتحمل إحداها طفلًا، وتصطف الشخصيات على جانبي العروس والعريس البائسين؛ إذ يمثل الأخير التاجرَ الصيني الذي تزوج أخت (Ensor)  ضد معارضته الشديدة والذي تخلَّى عنها بعد فترة وجيزة (1).

لوحة صورة ذاتية محاطة بالأقنعة (Self  Portrait  Surrounded  by  Masks) عام 1899 

في لوحته هذه التي رُسِمت عام 1899م، تحيط الأقنعة بـ(Ensor) في محاكاة ساخرة لصورة روبن هود الذاتية، وهو يرتدي قبعةً ذات ريش مزينة بالورود مع 30 قناعًا وجمجمةً تنحسر نحو الخلفية على نحو أكبر ممَّا هي عليه في لوحته الشياطين تعذبني (Demons Tormenting ME)، والتي رُسِمت عام 1895، ففي لوحة الصورة الذاتية التي تحيط بها الأقنعة، يبدو (Ensor) أكثر بروزًا، ويقدِّم نفسه على أنَّه ضحية على نحو أقل وضوحًا من اللوحة التي رُسِمت في السابق، وهذا يتماشى مع مرور الزمن عليه، فلا يمكن تمثيل تجربة إنسور حول العالم تمثيلًا أكثر وضوحًا من هذه اللوحة (1).

لوحة الشياطين تعذبني (Demons Tormenting ME) عام 1895

بعد سلسلة من الانتقادات التي طالت حياة (Ensor)، وجد في المقابل سلسلةً من الآراء الإيجابية التي أدَّت إلى عدد كبير من النجاحات، فقد أصبح عضوًا مؤسِّسًا في أكاديمية بلجيكا الحرة (Free Academy of Belgium)، إضافةً إلى أنَّه حصل على رتبة (نبيل) بتقليده وسام ليوبولد، وبعد ذلك بفترة وجيزة، مُنِح منصبًا في الأكاديمية الملكية في بلجيكا وقُلِّد لقب بارون.

وتوُفي (Ensor) عام 1949، وأصبحت جنازته مشهدًا وطنيًّا إلى حدٍّ ما بحضور بعض الأشخاص الأكثر نفوذًا في البلاد.

وتوجد أعماله اليوم في عدد من أهم المجموعات العامة والخاصة في العالم، بما في ذلك متحف جي بول غيتي (J. Paul Getty Museum) في لوس أنجلوس، ومتحف الفنون الحديثة (the Museum of Modern Art) في نيويورك، ومتحف دورسيه (Musée d’Orsay) في باريس، والمتاحف الملكية للفنون الجميلة (Royal Museums of Fine Arts) في بلجيكا (4).

المصادر:

1) Werman DS. James Ensor and the Mask of Reality. Journal of Applied Psychoanalytic Studies. 2003 Jul 1;5(3):335–48.

2) James Ensor | MoMA [Internet]. [cited 2020 Aug 14]. Available from: هنا

3) Les Vingt | Belgian artists group | Britannica [Internet]. [cited 2020 Aug 14]. Available from: هنا

4)  James Ensor [Internet]. Sothebys.com. [cited 2020 Aug 14]. Available from: هنا