كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الخوف من الحرية): الإنسان المعاصر بين وهم الحرية وقلق الفردانية

قدَّم الفيلسوف إريك فروم (Erich Fromm 1980-1900) وجهة نظره في  فهم الاحتياجات النفسية الإنسانية على أنَّها أمر ضروري لفهم المجتمع  البشري.

وقد رأى أنَّ النُظُم الاجتماعية تجعل من الصعب  تلبية الاحتياجات المختلفة في وقت واحد، ومن ثمَّ خَلْق صراعات نفسية فردية ومجتمعية أوسع.

وقد تجلى ذلك في كتابات فروم عامةً وفي كتابه (الهروب من الحرية) خاصةً.

إنَّ الهروب من الحرية يدور حول حاجة البشر إلى نظام يسود حياتهم.

ويُظهِر فروم كيف تحصل هذه القوالب على قوتها من شعور عميق بالقلق يتزامن مع الحرية الفردية وليس من السيطرة الخارجية للآخرين فحسب.

ويقدِّم فروم مراجعة تاريخية تتعلق بأصول الحرية والعودة إلى أوروبا في العصور الوسطى، ويتطرَّق إلى الصراعات الاقتصادية والسياسية والدينية بين السيطرة والحرية؛ كونه ألمانيًّا غادر ذلك البلد في أثناء صعود الرايخ الثالث لهتلر، فقد كان لديه اهتمام خاص بكيفية نشأة النازية من مجتمع تحققت فيه الحرية.

ويستخدم فروم نهج التحليل النفسي في مناقشة آليات الحرية والتحكم هذه؛ إذ إنَّ هذا مجال خبرته الخاصة.

ويرى فروم  أنَّ الحاجة إلى "الهروب من الحرية" لها جذور نفسية عميقة، ومنهجه ضروري لإثبات ذلك.

والقيمة الحقيقية لهذا الكتاب تكمن في مناقشته لفكرة متناقضة، وهي أنَّ الناس يكافحون من أجل الحرية، ثم إنَّهم يكافحون للعكس..

إنَّهم لا يعرفون حقَّا ماذا يفعلون بالحرية بمجرد أن يحصلوا عليها، ويجدون ضوابط وهياكل جديدة للسيطرة عليها.

أما على المستوى النفسي، فيرى فروم أنَّ الحرية تجلب عدم اليقين والقلق، في حين أنَّ الافتقار إلى الحرية يجلب اليقين والراحة.

بينما تبدو الحرية جذابة عندما لا يكون الناس أحرارًا، ولكنَّها تحمل مسؤولية مفاجئة وغير متوقعة، وهذا يؤدي إلى قلق يمكن أن يكون ببساطة ساحقًا من وجهة نظر نفسية.

ونتيجةً لذلك يتخذ الناس خيارات للتخلص من هذا القلق.

ويستشهد فروم بثلاثة خيارات أساسية يتخذها الناس عادةً في "الهروب من الحرية":

التسلط: سواء في السيطرة أو الخضوع، فإنَّ الهيكل الاستبدادي يزيل الاختيارات والحرية عن الفرد، ويخفف من القلق.

التطابق الآلي: في حالة عدم وجود نظام استبدادي، يلتزم الأفراد بمعايير المجموعة، وتصبح هذه هي السلطة الجديدة للفرد، ويخفف عن الفرد القلق المرتبط بالحرية.

التدمير: الأشخاص الذين ليس لديهم نظام استبدادي أو قاعدة جماعية يتوجهون إلى التوافق مع التدمير الذاتي في كثير من الأحيان.

ويمكن أن يتجلى هذا في تدني احترام الذات أو السلوك المُدمر للذات مثل؛ الجريمة أو الإدمان أو حتى أقصى درجات الانتحار.

والخيط المشترك في هذه الخيارات كلها أنَّ الاختيار الأولي يلغي الحاجة إلى اتخاذ خيارات مستقبلية.

ومهما كانت السلبيات الناتجة عن هذه الاختيارات، فإنَّها تُعدُّ أفضل من القلق وعدم اليقين اللذين تجلبهما الحرية.

وينطبق عمل فروم في المؤسسات الدينية بعدة طرائق.

إنَّه يشرح جاذبية أنظمة الدين للأشخاص الذين يواجهون الحرية (ومن ثمَّ يعانون من القلق) بطريقة غريبة ربما بسبب الظهور في مرحلة عمرية مبكرة أو تجربة الانتقال في الحياة أو الانتقال إلى موقع جديد وما إلى ذلك، ويفسر سبب ذلك أيضًا.

وغالبًا ما تبحث الأنظمة عن الأشخاص في مثل هذه الظروف.

ومع ذلك، فإنَّ عمل فروم يسلط الضوء أيضًا على معضلة ابتعاد الأشخاص عن الدين غير الصحية. إنَّهم أحرار؛ ولكن، مع هذه الحرية يأتي القلق الشديد. وبالإضافة إلى الجوانب الصعبة الأخرى، تأتي الاستهزاءات والاتهامات والتهديدات من المجموعة نفسها، فضلًا عن ظاهرة التعرض إلى الخسارة؛ بسبب مغادرة المجموعة.

ويمكن تخفيف هذا القلق عن طريق الدخول إلى هيكل سلطوي آخر بسرعة، أو إيجاد مجموعة من الأشخاص "الأحرار" المتشابهين في التفكير ليتوافقوا معهم، أو يرتكبون بعض أعمال التدمير الذاتي مثل؛ الردة والخطيئة الشديدة وتقليل قيمة الله أو إيمان المرء.

ويستكشف فروم -لحسن الحظ- مناهج أكثر صحة للحرية، ففي رأيه يكمن الاستخدام الأنسب والأفضل للحرية في تحقيق الذات؛ أي معرفة كونك من أنت. ويرى فروم أنَّ تحقيق الذات يتجلى -خصوصًا- في النشاط الإبداعي والعفوي المتوافق مع مواهب الفرد واهتماماته وظروفه، في حين أنَّ غيره قد يحوِّل هذا إلى مشروع إنساني، ويحدد مواهبك واستخدامها بطريقة تفيد كلًّا من الفرد ومن حولك.

ومن المثير للاهتمام التفكير في كيفية إظهار هذا النوع من الحرية في حياة حرة حقًّا بالنظر إلى أنَّ معظمنا مقيد بأشياء استبدادية وتلقائية ومدمرة.

معلومات الكتاب :