كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الاعترافات): هويةٌ ضائعة في زمن الحرب

يُعدُّ ربيع جابر المولود عام 1972 أول روائي لبناني حاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عام 2012 عن روايته (دروز بلغراد) (1).

وقد نشر روايته الأولى (سيد العتمة) عام 1992 وهو في العشرين من عمره، وفازت بجائزة الناقد للرواية ذلك العام، ويُعرَف عنه الغزارة في الإنتاج الروائي، والتنوع في المواضيع والأساليب، وقد تُرجِمت رواياته إلى عدة لغات من بينها الفرنسية والألمانية، ودخلت روايته (الاعترافات) في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2009 (2).

يقدم جابر في الاعترافات قصة شابٍّ اسمه "مارون" الذي يكتشف في بدايات الرواية أنَّه ليس فردًا من العائلة التي تربَّى في كنفها طيلة سنين طفولته ومراهقته.

وتدور أحداث الرواية في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975، وانقسمت على إثرها بيروت إلى قسمين: شرقية وغربية يفصل بينهما خط التماس.

ويتجلَّى صراع الهوية عند مارون -ابن الشرقية- بأبرز صوره حين يعرف أنَّه في الحقيقة ابنٌ لعائلة من الطرف المقابل من الحرب، فتتشابك الأفكار والمفاهيم داخل رأسه وتتركه مع آلامٍ نفسية مبرحة.

ويجد مارون في هذه الحقيقة حلًّا لكثيرٍ من الألغاز التي ما انفكت تلاحقه ولا يجد لها تفسيرًا؛ كالأحلام الغريبة التي كان يراها، وبعض الذكريات المبهمة التي تهجم عليه فجأةً، وصولًا إلى غموضٍ كان يلاحظه  أحيانًا في تصرفات أهله وإخوته وبضع نظراتٍ مريبة، فيقول في ذلك: "هذا الشعور الغريب لازمني سنوات: في نقط مختلفة من حياتي واجهت هذا الموقف الصعب. دائمًا كنت أعجز عن نطق ما أفكر فيه. كنت أريد أن أقول لإيليا: ’لماذا تنظر إليّ هكذا؟‘ ولا أعرف كيف أقولها ولا أعرف كيف أُبعد هذه النظرة.. حتى أمي رأيتها مرةً تنظر إليّ تلك النظرة وأنا غير منتبه.. تكسّرت في أعماقي أشياء وأنا أرى تلك النظرة في عيني أمي."

وينتقل مارون في سرده لقصته من تاريخ إلى آخر دونما ترتيبٍ زمني، مُكلِّفًا القارئ مهمة ترتيب الأحداث بتسلسلها المنطقي، ولكنَّ هذا الأسلوب السردي هو ما أضاف عنصر التشويق للرواية وجعل فيها سحرًا نادرًا يشدك إلى القراءة رغم كمية الألم الهائلة التي تتدفق بين سطورها.

وتسيطر على الرواية ثيمة الحرب بمشاهدها القاتمة كلها، بدءًا من القتل والخطف والدمار وصولًا إلى أنواع العذابات النفسية والتحولات السلوكية التي يشهدها الأفراد جميعها؛ كالتحول الذي أصاب والد مارون "فيليكس" حينما قُتِل ابنه الصغير ليصبح قاتلًا بدوره بعد أن كان مواطنًا عاديًّا: "أبي كان يخطف الناس ويقتلهم. أخي يقول إنّه رأى أبي يتحول في الحرب من شخص يعرفه إلى شخص لا يعرفه."

ويعرج مارون في لفتةٍ ذكية على وجهٍ من وجوه تشويه الآخر والحكم عليه بناءً على أفكار مسبقة وجاهزة، وهي عمليةٌ أساسية غذت الحقد وجعلت الحرب تستمر هذه السنوات كلها. فيروي ابن الشرقية حادثة سؤالٍ طفولي بريء طرحه وصديقه على أستاذهم في المدرسة عن الشطر الآخر من المدينة المُسمَّى بالغربية: "من يعيش وراء خط التماس، في الغربية؟" أستاذ الإنكليزية أجاب على سؤالنا: ’Beasts and monsters‘" (أي حيوانات ووحوش).

ولاحقًا، حين يهدأ القصف يزور مارون وصديقه الغربية، في مغامرة طفولية، ليكتشفوا هل كان من هم هناك حيوانات ووحوش حقًّا؟

ولا تنفك الرواية تطرح الأسئلة عن دوامة التأثير المتبادل للحرب في المجتمع، وعن السبل التي يغذي بها المجتمعُ نفسه استمراريةَ هذه الحرب. وصراع الهوية الأساسي الذي يعيشه مارون إنَّما يجسد أزمة شعبٍ بأكمله، يبحث عن إعادة تعريفٍ للمفاهيم المتعلقة بالوطن والانتماء والــ"نحن" والــ"هم" كلها، والمساحة المشتركة والمتشابكة بينهما.  

معلومات الكتاب:

المصادر:

1- 2012 | International Prize for Arabic Fiction [Internet]. Arabicfiction.org. [cited 8 November 2020]. Available from: هنا

2- 2009 | International Prize for Arabic Fiction [Internet]. Arabicfiction.org. [cited 8 November 2020]. Available from: هنا