البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

الانحياز في البحث العلمي؛ الانحياز في مرحلة إنجاز البحث والتجربة

بعد اطلاعنا على مفهوم الانحياز وأهم أنواعه في مرحلة إعداد البحث، نتابع اليوم سلسلتنا "الانحياز في البحث العلمي" لنعرض أهم أنواع الانحياز التي قد تواجه الباحث في مرحلة إنجاز البحث والتجربة؛ إذ يواجه الباحث في كل مرحلة من مراحل البحث أنواعًا محددة من الانحياز، ويجب معرفتها بدقة لتجنب الوقوع فيها، وذلك بهدف المحافظة على موضوعية البحث ودقته في إعطاء نتيجة قابلة للتكرار لتُعتمَد في النهاية علمًا موثوقًا يُبنى عليه (1,2).

الانحياز في مرحلة إنجاز البحث والتجربة:

يشمل الانحياز الذي قد يحدث في أثناء التعامل مع البيانات وإجراء التجربة؛ إذ يُعدُّ الانحياز المُتعلق بالمعلومات تصنيفًا مفتوحًا لأي انحياز (مقصود أو غير مقصود) يمكن أن يؤثر في دقة قياس التعرض المدروس في التجربة أو النتائج التي وصلنا إليها وتسجيلهما، وينطبق الحال عند تسجيل المعلومات المأخوذة من المرضى المشاركين وقياسها أو عند ملاحظة النتائج التي وصلوا إليها وتسجيلها. ويمكن أن يحدث هذا النوع من الانحياز على نحوٍ مقصود للوصول إلى نتائج تخدم مصلحة الباحث وسؤال البحث وإعطاء نتائج غير مطابقة للواقع. وفي السطور الآتية سنتعرف أهمَّ الأنواع في هذه المرحلة (1,2).  

 - انحياز الشخص الذي يجري المقابلة "Interviewer bias":

 يحدث عند إجراء مقابلة مع المريض بهدف تسجيل معلومات البحث الضرورية، عن طريق تدخل الشخص المُقابل وتوجيه المريض إلى اختيار إجابة معينة دون غيرها على نحوٍ غير منهجي وغير متساوِ بين المرضى.

مثال: في تجربةٍ تهدف إلى تقييم دور عوامل الخطر عند مرضى داء برغر، وفي حال كانت الدراسة غير معماة (معشاة)، وإدراك المُقابل أن المريض يعاني داءَ برغر؛ قد يتقصى المُقابِل عواملَ الخطر على نحوٍ أشد وأوسع من المعتاد عن طريق إصراره على السؤال، مثلًا (هل أنت متأكد أنك لم تدخن أبدًا من قبل؟، أبدًا أبدًا، ولا مرة واحدة بحياتك؟) دون الإصرار على مجموعة الشواهد غير المصابين بالمرض (1). 

- الانحياز الناتج عن التقطيع الزمني "Chronology bias":

 يحدث عند وجود اختلاف في زمن إدخال المشاركين بالبحث؛ أي اختيار مجموعة العينات في مدة زمنية محددة، واختيار مجموعة الشواهد من مدة زمنية سابقة أو مختلفة، وعندما يكون زمن الاختيار عاملًا مؤثرًا في  نتيجة البحث بسبب وجود مؤثرات تَغيَّر تأثيرها باختلاف الزمن.

 مثال: في الوقت الحالي -وبسبب استخدم التصوير قبل العملية- أصبح الزمن اللازم لإجراء العديد من الجراحات المجهرية لتشريح الطعوم الجلدية أقل من المعتاد، ولكن ادّعت دراسة عائدة إلى الماضي "retrospective" أن الزمن اللازم لإجراء هذه الجراحة المجهرية يقلّ بازياد خبرة الجراح مع الزمن دون التطرق إلى دور تطور استخدام وسائل التصوير في هذا الوقت؛ قد سبب اختلاف المدة الزمنية -بهذه الحالة- نوعًا من الإرباك والاستنتاج الخاطئ (1,3). 

- الانحياز بالتذكّر "Recall bias":

 يحدث عند تزويد المشاركين بإجابات تتعلق دقتها بقدرتهم على تذكر تعرضهم لعوامل الخطر المحتملة في الماضي، وهي التي قد تختلف من مشارك إلى آخر وفقًا لحالته الآن، أو إذا كان مصابًا بالمرض المدروس أم لا.

 مثال: يميل المرضى المصابون بسرطان الرئة إلى تذكر تدخينهم بالماضي ولو على نحوٍ متقطع غير مستمر أكثر من الناس غير المصابين وإنْ كانوا مدخنين بالكمية والتواتر ذاتهما للمرضى المصابين (1,4,5). 

-الانحياز الناتج عن الانتقال "Transfer bias":

 نلاحظ تقريبًا في كل بحث ودراسة انسحابَ عدد من المرضى، وعدم مراجعتهم التقييمَ الدوري؛ مما يؤدي إلى عدم معرفة النتائج التي وصل إليها هؤلاء المرضى في النهاية، وتحدث المشكلة بدقة عند حدوث انسحاب للمشاركين من مجموعة العينات على نحو أكبر أو أقل من انسحاب المشاركين من مجموعة الشواهد، وللدراسات المصممة بطريقة جيدة بروتوكولات معينة للتعامل مع هذه الحالة في حال حدوثها كي يتمكنوا من التغلب عليها (1). 

-الانحياز الناتج عن أخطاء الحساب والقياس "Measurement error bias": 

يحدث عند اختلاف القيم المسجلة عن القيمة الحقيقية لأي اختبار وقياس، وقد يصادَف في أثناء التجربة؛ سواء كان سبب هذا الانحياز بسبب الجهاز المستخدَم أم بسبب العوامل البيئية المحيطة بالتجربة أم عند قراءة النتيجة أو حسابها أو تسجيلها على نحوٍ خاطئ. 

مثال: نتيجة غير دقيقة لقياس ضغط أو تصوير مقطعي أو تحليل مخبري (4). 

- الانحياز الناتج عن اختلاف الأداء "Performance bias": 

يحدث خاصّة في الأبحاث والتجارب الجراحية؛ إذ يؤدي الأداء في هذه الإجراءات دورًا مؤثرًا ومُغيّرًا للنتيجة، وعلى سبيل المثال: لا يوجد في الجراحة التجميلية معيار قياسي موحد لحالات العمليات كافة، ويمكن تدبير كل حالة بتقنية ومقاربة جراحية تختلفان من جرّاح إلى آخر، إضافة إلى مهارة الجراح وخبرته؛ إذ لهما دورٌ مؤثرٌ بالنتيجة أيضًا، ويمكن التقليل من أثر هذا النوع من الانحياز عن طريق تحويل مجموعة المرضى تحت الدراسة إلى جراح واحد يُجري العمليات جميعها في الظروف نفسها (1,6). 

لاحظنا أنَّ انحيازًا صغيرًا في أيّة مرحلة من مراحل البحث قد يدمره تمامًا ويُبعد نتيجته عن الحقيقة، وهنا تكمن أهمية تمكُّن الباحثين من هذا المفهوم ومعرفة كيفية التعامل مع كل نوع من أنواع الانحياز لتجنب الوقوع فيه؛ من لحظة التفكير بفكرة البحث وحتى تقديمه للنشر. 

انتظرونا في مقالنا الثالث عن الموضوع.

المصادر:
1. Pannucci C, Wilkins E. Identifying and Avoiding Bias in Research. Plastic and Reconstructive Surgery [Internet]. 2010 [cited 13 October 2020];126(2):619-625. Available from: هنا
2. Simundic A. Bias in research. Biochemia Medica [Internet]. 2013 [cited 13 October 2020];:12-15. Available from: هنا
3. Catalogue of Bias Collaboration, Spencer EA, Heneghan C.  Chronological bias. In: Catalogue Of Bias 2017 هنا
4. Althubaiti A. Information bias in health research: definition, pitfalls, and adjustment methods. Journal of Multidisciplinary Healthcare [Internet]. 2016 [cited 13 October 2020];:211. Available from: هنا
5. Catalogue of Bias Collaboration, Spencer EA, Brassey J, Mahtani K. Recall bias. In: Catalogue Of Bias 2017. هنا
6. Catalogue of Bias Collaboration. Banerjee A, Pluddemann A, O’Sullivan J, Nunan D. Performance bias. In: Catalogue Of Bias 2019. هنا