البيولوجيا والتطوّر > علم المناعة

خلايا مناعية في مواجهة السمنة وأمراضها

كلنا سمعنا مسبقاً عن مقاومة الأنسولين، والسكري المرتبط به  أو عن أشخاص نعرفهم مصابين بأمراض استقلابية. وجميعنا نلاحظ الآثار السلبية للسمنة في مسار حياتنا الطبيعي وفي صحتنا العامة. ولما كان الجهاز المناعي هو خط الدفاع الأساسي في الجسم، فإن له دوراً أيضاً في الحفاظ على التوازن ومقاومة الأمراض المرتبطة بالسمنة. وفي هذا المقال سنتناول نوعاً من الخلايا المناعية المسؤولة عن هذا الدور؛ تابعونا. 

تعرِّف منظمة الصحة العالمية السمنة وزيادة الوزن على أنها تراكم زائد أو غير طبيعي للدهون في الجسم والذي يؤدي إلى اعتلال في الصحة. بالأرقام، يُقال عن الشخص إنّ لديه زيادة في الوزن إن كان معدل كتلة الجسم (BMI) لديه مساوياً لـ 25 أو أعلى منه. في حين يُعدُّ مصاباً بالسمنة إن كان معدل كتلة الجسم لديه مساوياً لـ 30 أو أعلى منه. وقد سجّلَت منظمة الصحة العالمية في عام 2016، 1.9 بليون حالة زيادة في الوزن عند البالغين (18 سنة وما فوق) منهم 650 مليون يعانون السمنة، أما في عام 2019 كان تعداد الأطفال تحت عمر الخامسة والذين سجلوا حالات زيادة في الوزن أو سمنة 38 مليون (1). 

تعدّ السمنة مسؤولةً عن مجموعة من الأعواز الاستقلابية التي تؤدي عادة إلى حدوث التهابات مزمنة، فعند زيادة الوزن واستجابةً لمدخول الحريرات المرتفع، تتكاثر بالعات الأنسجة الدهنيّة (adipose tissue macrophages - ATMs) وتتراكم الخلايا المناعية فيها، ومن ضمنها وحيدات النوى Monocytes والتي يُعتقد أنها مسؤولة عن الاختلاطات الجهازية مثل مقاومة الأنسولين (2).  

على مدار العقد الماضي، ازداد الاهتمام بدور خلايا الأنسجة الدهنية المناعية المرتبط بالسمنة وأمراضها، سواء في المساهمة بالمرض أو مقاومته. في الحالة الطبيعية، توجد البالعات بنسبة 5% في مخازن الخلايا الدهنية. أما في حالة السمنة، فتزداد هذه النسبة لتصل إلى 50%، وتنخفض نسبتها مع فقدان الوزن طويل الأمد. تضم هذه البالعات مجموعاتٍ تختلف عن بعضها بأنواع المستقبلات الموجودة على سطحها، مما يؤثر في الدور الذي تؤديه (3). يساهم قسم من البالعات وخاصة وحيدات النوى بما يعرف بالتهاب النسيج الدهني الدفاعي الذي يُعتقد بأنه ضروري لزيادة مرونة النسيج وتفعيل آليات تولد الأوعية angiogenesis في أثناء تضخّم النسيج الدهني وفرط تنسُّجه. هذه الآليات ضرورية لإيصال المواد الاستقلابية اللازمة للحفاظ على العمليات الطبيعية ضمن النسيج (2). تساهم عملية تولد الأوعية بزيادة معدل التقام الدهون من الدوران إلى النسيج الدهني من خلال ارتباط عامل النمو VEGF-B بالمستقبل VEGFR1 ومساعد المستقبل (neuropilin-1 (NRP1. ويعد الأخير بروتيناً عابراً للغشاء له دور مهم في تطور الجهازين العصبي والقلبي الوعائي، ويُعبَّر عنه على سطح بعض البالعات ووحيدات النوى. ونظراً لدوره المهم في التقام الدهون وتولد الأوعية، فقد أثار هذا فضول الباحثين للبحث في علاقته بالسمنة (4,2).

وأظهرت النتائج الأولى للبحث الذي نشرته مجموعة من الاختصاصيين من جامعة مونتريال في كندا بالتعاون مع مراكز بحثية أخرى، ارتفاع التعبير عن البروتين NRP1 على سطح البالعات الموجودة في النسيج الدهني، وذلك خلال عملية اكتساب الوزن الناتج عن نظام غذائي. ومن خلال التجارب اللاحقة، تبين أن لهذا المستقبل دوراً مهماً  في منع تطور مقاومة الأنسولين عند الفئران التي وُضعت على نظام غذائي عالي الدسم، وذلك من خلال العديد من العمليات التي يساهم فيها، نذكر منها (2):  

- المحافظة على صحة الكبد: عند مقارنة حالة الكبد عند الفئران الطبيعية والفئران التي تعاني خلاياها عوزاً في بروتين NRP1 وذلك بعد تعريضهم لنظام غذائي عالي الدسم مدةَ 10 أسابيع، لاحظ الباحثون أن حجم الكبد ووزنه كان أكبر عند الفئران المعوزة، إضافة إلى تراكم أكبر للقطيرات الدسمة في الكبد وزيادة في حجم الأنسجة الدهنية مترافقاً مع بدء تنخرها (تخربها). 

- لاحظ الباحثون أنّ هذا البروتين يساعد على زيادة تشكل الأوعية الدموية في الأنسجة الدهنية ومن ثم يخفف من نقص التهوية الناتج عن زيادة حجم النسيج الدهني. 

- يقلل من إنتاج السايتوكينات (مجموعة من العوامل المفرَزَة من قبل الخلايا المناعية التي تؤثر في الخلايا الأخرى) واستقطاب العوامل قبل الالتهابية.

- العوز في الخلايا المعبرة عن هذا البروتين يؤثر في الاستقلاب الجهازي. 

- ينظم بروتين NRP1 التقام الدهون من قبل البالعات. 

ومن ثم فإن بالعات الأنسجة الدهنية المعبرة عن هذا البروتين تساعد على الحفاظ على صحة النسيج الدهني (والجسم عموماً) في أثناء زيادة حجمه الناتج عن نظام غذائي.

إضافة إلى بالعات النسيج الدهني، يُعبَّر عن هذا البروتين على سطح الخلايا الدهنية البنية الفأرية وكذلك الخلايا الدهنية في نقي العظم. ويشير الباحثون إلى أهمية دراسة دور هذه الخلايا في حركية عملية السمنة بمجملها (2). 

وفي النهاية، يبقى التوازن هو الحل الأمثل لمعظم المشكلات، بما فيها مشكلة السمنة. فالاعتدال في تناول الطعام والتركيز على الحصول على القيم الغذائية الضرورية يعد الحل الأمثل لتجنب زيادة الوزن والأمراض المرتبطة بها.

وأنت عزيزي القارئ، ما هو برأيك الحل الأمثل لمواجهة السمنة ومخاطرها؟   

 

المصادر:

 

  1. Obesity and overweight [Internet]. Who.int. 2020 [cited 24 June 2020]. Available from:  هنا
  2. Wilson A, Shao Z, Grenier V, Mawambo G, Daudelin J, Dejda A et al. Neuropilin-1 expression in adipose tissue macrophages protects against obesity and metabolic syndrome. Science Immunology. 2018;3(21):eaan4626. هنا
  3. Ferrante A. The immune cells in adipose tissue. Diabetes, Obesity and Metabolism. 2013;15(s3):34-38. هنا
  4. Battin C, De Sousa Linhares A, Paster W, Isenman D, Wahrmann M, Leitner J et al. Neuropilin-1 Acts as a Receptor for Complement Split Products. Frontiers in Immunology. 2019;10. هنا