الفنون البصرية > فنانون عالميّون

الجمركي الذي كسر قواعد الفنّ الأكاديمية هنري روسو

هنري روسو (Henri Rousseau)، فنَّان فطريّ، وُلِد في مدينة لافال شمال غرب فرنسا في 21 أيار (مايو) عام 1844م. اسمه الحقيقي جوليان فيليكس روسو( Julien Félix Rousseau)، إلّا أنّه اشتهر باسم (Le Douanier) رجل الجمارك (1,2).

كان (Rousseau) شخصية رئيسة في حركة الفن الفطريّ؛ إذ طوَّرَ أسلوبه الخاص الذي يعتقد الكثيرون أنّه يعكس افتقاره للتدريب الأكاديمي (3). يعرَّف الفنّ الفطريّ (Naïve art) بأنَّه فنّ بصري أُنشئ من قِبل شخص يفتقر إلى التعليم الرسمي في الفنّ. ما تمتاز به اللوحات الفطرية عادةً هي البساطة والمنظور الغريب والألوان المسطّحة.

جاء (Rousseau) من خلفية متواضعة، كان طالبًا متوسط المستوى، ترك المدرسة الثانوية في (لافال) دون إكمال دراسته، وسرعان ما دخل الخدمة العسكرية؛ إذ بقي فيها مدة أربع سنوات. التقى في أثناء فترة خدمته الجُنود الذين نجوا من الحملة الفرنسية إلى المكسيك (1862-1865) لدعم الإمبراطور(ماكسيميليان  Maximilian)، واستمع بذهول إلى ذكرياتهم، كان وصفهم للبلاد شبه الاستوائية -بلا شكّ- الإلهامُ الأوَّل للمناظر الطبيعية الغريبة التي أصبحت فيما بعد واحدة من مواضيعه الرئيسة (2).

أُطلق سراحه من الخدمة العسكرية عند وفاة والده لدعم والدته الأرملة، واستقرَّ في باريس عام 1868م. في العام الثاني تزوج من (كليمانس بوتارد Clémence Boitard). بدأ حياته المهنية مسؤولًا، وفي عام 1871م أصبح جامعًا للضرائب في مكتب رسوم باريس؛ من هذا المنصب جاء الاسم الذي كان معروفًا به جيّدًا في السنوات اللاحقة (Le Douanier، رجل الجمارك)، مع أنَّ مكتب الرسوم لم يكن لديه وظائف جمركية حقيقية. من خلال عمله بيروقراطيًّا وانشغاله بشؤون الأسرة، بقي يجد بطريقة أو بأُخرى وقتًا للرسم والطلاء. على الرغم من عدم وجود أعماله كدليل، كان طموحه المعلن أن يكون رسامًا في أسلوب الأكاديميين في عصره. في عام 1884م، حصل على إذن لنسخ اللوحات في متحف اللوفر، وفي عام 1886 عرض بعض لوحاته الأولى (2).

الكثير من أعماله كانت تتعرّض للسخرية في كثير من الأحيان، إلّا أنَّه لم يتنازل في الشكل والأُسلوب الذي ابتكر فيه أعماله الفنيّة. حاول (Henri Rousseau) الرَّسمَ باتّباع أُسلوب أكاديمي؛ إذ تابع العمل التقليدي الذي ابتكره بعض كبار الفنانين في هذا المجال (4).

في عام 1893م تقاعد (Rousseau) من عمله محصّلًا للضرائب ليُكرِّس نفسه بالكامل للرسم. بعد ذلك بوقتٍ قصير التقى (الفريد جيري Alfred Jarry)؛ كاتبٌ شابٌّ لامعٌ، من (لافال) أيضًا، صدم بعمل(Rousseau) غير المعتاد، قدَّمه إلى دائرة المثقفين المرتبطين بمجلة (Le Mercure de France) الطليعية. كانت هذه المجلة هي التي نشرت أوّل مرّة مقالًا يمدح (Rousseau)، كتبت المقالة فيما يتعلق بلوحة (The War الحرب) عام 1894، التي عُرضت في 1894(Salon des Indépendants)، والتي أظهرت استخدامًا مذهلًا للرموز، مما أقنع بعض المشاهدين بأنَّ لوحات (Rousseau) كانت أكثر بكثير من مجرد مناظر طبيعية صغيرة. كان هذا العمل بمثابة بداية الاعتراف بـ (Rousseau) رسامًا جادًا (2).

لم يكن (Rousseau) مدرِّبًا رسميًّا، ولم يأخذ الرَّسمَ إلا هواية في أثناء حياته المهنية، ولكن الثقة بالنفس التي كانت لديه في نفسه، والشعور بالاستحقاق الذي كان يتمتع به في عمله، سمحا له بإنشاء قطع مذهلة أبرزها (نمر في عاصفة استوائية Tiger in a Tropical Storm)، هي من أولى لوحاته التي عُرضت في المعرض الوطني بلندن عام 1891؛ إذ  كانت مثالًا رئيسًا على إبداع العمل الذي ابتكره، وقدرته على العمل على نطاق أوسع، مع الاهتمام بالتفاصيل التي دفعها في أشكاله الفنيِّة.

مع العديد من الإبداعات المميزة التي وضعها خلال حياته المهنيّة، كان معروفًا جيّدًا من قبل السرياليين، وكان في الواقع قوّة دافعة في هذه الحركة. قُدرته على الرؤية أبعد من متناول العين، وقدرتهُ على إدراك ما لم تتم رؤيته على الورق، أعطت عمله عمقاً، وساعدته في إنشاء مجموعة متنوعة من اللوحات خلال حياته المهنية، كلٌّ منها بأسلوب وشكل فريد من نوعه (4).

في صورته الذاتية، بعنوان نفسي (Myself) عام 1890، يصوّر نفسه مرتديًا بدلة سوداء وقبّعة فنَّانٍ تقليديٍّ. يقف أمام منظرٍ طبيعيٍّ يضمُّ برج إيفل وسفينة مزيّنة بأعلام العالم. بقيت "نفسي" عملًا فنِّيًّا دائم التغيّر، حدّثَ (Rousseau) -على نحو متكرر- اللوحةَ على مرّ السنين مضيفًا تفاصيل إضافية. في عام 1901م، أضاف شريطًا على طية صدره، يشير إلى الوقت الذي أصبح فيه مدرّسًا للرسم في جمعية Philotechnique (3).

قبل وفاته بفترة وجيزة، رسم (Rousseau) أكثر اللوحات طموحًا، من لوحات الغابة، (الحلم - The Dream) عام 1910م، تسمّى أيضًا حلم ياديفغا (Yadivighas Dream)، والتي كانت أيضًا واحدة من  أعظم أعماله. في هذا الخيال المثير للإعجاب، امرأة عارية مستلقية على أريكة فكتورية حمراء في وسط غابة كثيفة، تلوح أزهار ضخمة حول رأسها، وأسدان وفيل يرقدان بين الشجيرات. تفسير(Rousseau) لهذا المشهد هو أنَّ المرأة بعد أن استلقت على الأريكة، تحلم بنقلها إلى منطقة غير متوقعة. هذه اللوحة التي تعرض كل مهارة (Rousseau) الوصفيّة والتعبيريّة هي الوحي الأسمى لخياله القوي وغير المألوف (2).

مثل مُعظم الفنّانين، بعد وفاته بفترةٍ وجيزةٍ، أصبح (Henri Rousseau) اسمًا معروفًا في عالم الفنّ، سعى وراء لوحاته جامعو التحف والمتاحف والمعجبون بعمله على نحو عام. لم يُباع الكثير من العمل الذي ابتكره خلال حياته المهنية، ولكن كان هناك طلب كبير حدث بعد وفاته بفترة وجيزة. لم يتسبب هذا في زيادة سعر القطع التي بيعت فحسب، بل أحدث أيضًا ضجيجًا حول اسمه وإرثه والعمل الذي ابتكره -خلال مهنة قصيرة للغاية- كان لديه في عالم الفنّ (4).

المصادر: 

1. Henri Julien Rousseau - The Complete Works - henrirousseau.org [Internet]. Henrirousseau.org. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا

2. Henri Rousseau | French painter [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا

3. How Henri Rousseau Became the Untrained Master of Surreal Jungle-Inspired Paintings [Internet]. My Modern Met. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا

4. Henri Rousseau - biography, paintings, quotes of Henri Rousseau [Internet]. Henrirousseau.net. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا