الفلسفة وعلم الاجتماع > علم المنطق والأبستمولوجيا

التفكير القائم على التمنِّي (Wishful Thinking)

لأن الحوار أصبح النهج المُتَّبَع في عالمٍ أساسه التواصل وغايته الإقناع؛ تصبح الحجة وسيلتَه، ولكن يقع كثيرٌ من المحاورين في مغالطاتٍ منطقيةٍ في أثناء تقديمهم الحجج إما جهلًا وإما عمدًا بهدف تضليل المتلقّي وخداعه بصحة الحجة الخاطئة. نقدم لكم سلسلة المغالطات المنطقية.

يحاول المغالِط في مغالطة «التفكير القائم على التمنِّي - Wishful Thinking» أن يدَّعي أن ما يقوله صحيحٌ أو خاطئٌ بناءً على أمنياته بأن يكون هذا أو ذاك، أو أن تصدِّقَ أن شيئًا ما لا بدَّ أن يكون حقيقيًا لأنه من الجيد أن يكون كذلك، إلا أن مجرد التمنِّي بأن يكون شيءٌ ما صحيحًا لا يُعدُّ سببًا منطقيًا للادِّعاء بأنه صحيح (2,1).

ويُعدُّ «التفكير القائم على التمنِّي» نمطًا شائعًا جدًا في التفكير وشديدَ الإغراء؛ وذلك لأنه يمنحنا الفرصة لتجنُّب التفكير في الحقائق المرة، ويكون في أشد حالاته أحدَ أكثر الأنماط تجسيدًا لخداع النفس، وللتفاؤل غير المُبرَّر في أخفِّها، وقد يلجأ الناس إلى خداع أنفسهم أو التبرير لكي يواجهوا الأدلة والحقائق التي من شأنها أن تقوِّض أمنياتهم (1).

ويمكن أن نقول عن «التفكير بالتمنِّي» إنه (انحيازٌ إدراكيٌّ - Cognitive Bias) أكثر منه «مغالطةً منطقية»؛ فهو يتسبب في إجبار الشخص على تقييم الأدلة بصورةٍ مختلفةٍ تمامًا بناءً على النتائج التي يرجو حدوثها، ولن يكون «التفكير بالتمنِّي» تقنيةً مؤثرةً إلا إذا امتلك الشخص تأثيرًا في ما يريد تحقيقه واتخذ جميع الخطوات اللازمة لتحقيقه بدلاً من الاكتفاء في تمنِّي حدوثه (3).

مثال (1): لا بدَّ من وجود خطٍأ ما في كتاب التاريخ الماثل أمامي، فكيف يُعقَل أن يقول إن أحد أهم الشخصيات التاريخية في حضارتنا وأنبلهم قد كان له سلوكياتٌ غير أخلاقية!؛ إذ لا يمكن أن أصدق أن شخصًا صالحًا مثله يمكن له أن يقوم بمثل هذه الأفعال الشائنة.

الشرح: إن تصديق شخصٍ لحقيقةٍ ما أو عدم تصديقه لها لأنه يرجو أن تكون مختلفةً لا يجعل منها صادقةً أو كاذبة.

مثال (2): أعرف من عمق قلبي بأنني سأنجح في الامتحان غدا.

الشرح: من الواضح أن المتكلم لا يعرف ذلك أبدا، ثم إن استخدامه عبارة "من عمق قلبي" يعد دليلًا على أنه مجرد «تفكيرٍ تقليديٍّ قائمٍ على التمنِّي» الشديد بنجاحه في الامتحان (3).

مثال (3): أؤمن -بما لا يقبل الشك- بأننا عندما نموت؛ ستتجدَّد أجسادنا وتصبح أكثر شبابًا وسنُمنَح الخلودَ ونبقى مع الذين نحبهم، ولا يمكنني أن أتخيل أن الحياة بأكملها ستنتهي بمجرد أن نموت.

الشرح: إن إعجاب الشخص بفكرةٍ وتمنِّيه وجودَها ليس دليلًا منطقيًا على وجودها، وإن عدم إعجابه بخلافها لا يدحضها.

المصادر:

1. واربرتون نايجل. (2007). التفكير من الألف إلى الياء. ترجمة عباس، هالة وعباس، أسامة. (ط1). بيروت: مركز نماء للبحوث والدراسات. ص 194.

2.  Fallacies | Internet Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Iep.utm.edu. 2020 [cited 24 July 2020]. Available from: هنا

3.  Bennet. Bo. (2012). Logically Fallacious: The Ultimate Collection of Over 300 Logical Fallacies. (1st edition). Sudbury, MA: eBookIt. pp. 321, 322