كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الجنس الآخر): المرأة وعلاقة اضطهاد طويل الأمد

سيمون دي بوفوار (Simone de Beauvoir 1986-1908) أحد أبرز الفلاسفة والكتَّاب الوجوديين الفرنسيين، أنتجت كتابات عديدة تُعدُّ حجر أساس في النسوية، من أهمها كتاب (الجنس الآخر) أو (الجنس الثاني) الصادر عام 1948 بمجلدين، ويتفق كثيرٌ من الفلاسفة على أنَّه أعظم إبداعاتها.

وقد لاقى الكتاب جمهورًا واسعًا منذ صدوره، وكان مثيرًا للجدل إلى درجة أنَّ الفاتيكان أدرجه آنذاك على فهرس الكتب المحظورة، وبقي أحد النصوص التأسيسية للفلسفة الوجودية والنسوية ودراسات المرأة حتى الآن؛ إذ طرح الكتاب فكرة أنَّ المرأة ارتبطت بعلاقة اضطهاد طويلة الأمد عن طريق جعلها ظلًّا للرجل، وقد وجدت بوفوار أنَّ الذات تحتاج إلى الآخر لتعريف نفسها على أنَّها ذات، ومع ذلك فمن المفترض أن تكون حركة فهم الآخر للذات موضوعية بالقدر نفسه غالبًا، وقد رأت أنَّ الرجل الذي يتولى دور الذات يُعرِّف المرأة باستمرارعلى أنَّها الآخر منه.

وأكدت على أنَّ الوجود الإنساني تفاعلٌ غامض بين الجنسين، ولكنَّ الرجل حظي بامتياز التعبير والسمو، في حين أُجبرت النساء على الحياة المتكررة وغير الإبداعية والتي من شأنها استنزاف طاقات المرأة دون إبداع حقيقي.

وقد اقترحت بوفوار التحقيق في كيفية ظهور هذه العلاقة غير المتكافئة جذريًّا، وكذلك في الهياكل والمواقف والاقتراحات التي تستمر في الحفاظ على قوتها الاجتماعية.

فبحث الجزء الأول من الكتاب في "الحقائق والأساطير" من وجهات نظر بيولوجية ونفسية ومادية وتاريخية وإنثربولوجية، فرأت في مناقشة البيولوجيا والتاريخ أنَّ النساء يعانين من ظواهر معينة؛ كالحمل والرضاعة والطمث، وهي تجارب غريبة عن الرجل وتؤدي إلى اختلاف ملحوظ في وَضْع المرأة، ولكنها لا تجعلها تابعًا للرجل؛ وذلك لأنَّ البيولوجيا والتاريخ ليسا مجرد حقائق لمراقب غير متحيز، بل يدمجها ويفسرها كلٌّ على هواه.

وتضيف أنَّ التحليل النفسي والمادية التاريخية يسهمان في غرس رؤى هائلة في الحياة الجنسية للمرأة، ولكنَّ ذلك كله يفشل في دراسة الصورة كاملة؛ فهم جميعًا ينكرون على المرأة حرية الاختيار ويتجاهلون الأهمية المادية للمرأة.

ومن الناحية الفلسفية، فإنَّ هذه المناقشة تفشل في حصر الأنثى في صورة المؤنث الأبدي (الأم والعذراء والوطن والطبيعة) وما إلى ذلك من الصور المثالية، وهذا ما حمَّل الأنثى عبئًا وجوديًّا مرهقًا دون لمس عمقها بوصفها أنثى.

وتبدأ بوفوار الجزء الثاني بأشهر عباراتها: "المرء لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة"، ويلاحق الكتاب في جزأيه تعليمَ المرأة وتأطير تجاربها الجنسية في المراحل كلها.

وتوضح بوفوار كيف تُجبَر النساء على التخلي عن مطالبهن بالتسامي وبالذاتية الأصلية عن طريق القبول التدريجي بالدور السلبي والمنسلب أمام إرادة الرجل، بالإضافة إلى أنَّها تدرس أدوار المرأة: الأم والزوجة والعاهرة، وكيف تُجبَر النساء على الزواج والإنجاب والحياة الرتيبة وعلى كونها أوعية جنسية للرغبة الذكورية عوضًا عن أداء دورها في ميادين العمل والإبداع.

لم تدَّعِ بوفوار أنَّ الرجل قد نجح في تدمير حياة المرأة وتجريدها من حقوقها وتغريبها عن ذاتها، ولم تبرِّئ المرأة كذلك من خضوعها ذاك للرجل، بل وتعتقد أنَّ هناك عديدًا من المواقف التي تحمل سوء النية؛ إذ يتهرب الجميع ممَّا آلت إليه حال المرأة متذرِّعين بالعادات والمعتقدات بصفتها حججًا مسبقة الصنع.

وتختتم بوفوار عملها بتأكيدها على المطالب الملموسة على اختلافها لتحرير المرأة واستعادة شخصيتها، وافتخارها بالتفكير والعمل والإبداع بالمصطلحات التي يستخدمها الرجل نفسها، وتطالب بالمساواة مع الرجل وتعديل القوانين والعادات، وتعزيز الفكر الوجودي للفرد بصرف النظر عن جنسه.

معلومات الكتاب: