البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

ترجمة عمر الكلاب إلى ما يقابله من عمر الإنسان

تبيِّن النظرية النسبية لآينشتاين أنَّ الوقت مفهوم نسبيٌّ، وإذاما رحل بعضنا إلى أماكن معينة في الفضاء لسنوات قد يعود إلينا بالعمر نفسه الذي غادر به، ولكن ماذا عنا نحن الذين لم نغادر الأرض ألبتة؟ هل تُقدر أعمارنا بعدد المرات التي تدور بها الأرض حول نفسها وحول الشمس فعلًا؟ أو أنّ الموضوع أكثر تعقيدًا من ذلك؟ وماذا عن الأنواع الأخرى؟ فهل تشيخ الكلاب مثلًا بالمعدل ذاته الذي نشيخ به؟ و ما مدى صحة الاعتقاد القائل إن سنةً واحدة من عمر الكلاب تعادل سبعَ سنين بشرية؟


عادل العام الواحد من عمر الكلاب سبعةَ أعوام بشرية، نشأ هذا الاعتقاد الشائع بين الناس اعتمادًا على مبدأ المقارنة بين وسطَيْ فترة حياة الإنسان (70 عامًا) وما يقابلها من فترة حياة الكلاب (10 أعوام)، ولكن تبيّن أن هذه المقارنة ليست صحيحةً تمامًا، وقد جاء العلماء بمعادلة مبنيَّة على أسس علمية أدق للمقارنة بين عمر الكلاب والبشر(1).

تعتمد هذه المعادلة على مفهوم حديث نسبيًا يُدعى الساعةَ الفوق الجينية أو الإيبي جينية (Epigenetic clock)، وهي مقياس لتقدير العمر الإيبي جيني (Epigenetic age)(1،2،3).

❀ بدايةً علينا الإشارة إلى أنَّ علم فوق الجينات Epigenetics علم مختصٌّ بدراسة التعديلات الكيميائية التي تطرأ على DNA الكائن الحي دون إحداث أي تغيير على التسلسل الجيني، فيعبِّر العمر الإيبي الجيني أو الفوق الجيني عن العمر البيولوجي المرتبط بمدى تدهور الوظائف الفيزيولوجية لأنسجة الجسم وأعضائه الذي يحسب عبر رصد  إحدى أهم التغييرات الكيميائية الفوق الجينية ومراقبتها، وهي عملية متيلة الDNA (4)، (وعلى نحوٍ خاص متيلة الأساسين النكليوتيديين منقوصي الأوكسجين السيتوزين والغوانين أو ما يدعى اختصارًا بـCpGs ) (1،2،3). ولأن التغيير في عمليات متيلة عشرات الآلاف من الCpGs  يحدث بمعدلات ثابتة مع تقدم العمر، أمكن ذلك العلماء من بناء نموذج رياضي دعوه الساعةَ الفوق الجينية الذي يستخدم بوصفه مقياسًا لحساب عمر الفرد على نحوٍ دقيق بالاعتماد على هذه التغييرات (2).

لكنَّ عمليات المتيلة هذه تتأثر بعوامل أخرى كنمط التغذية والظروف البيئية المحيطة (2،5) ومن ثمَّ فهي تعكس تأثير نمط حياة الأشخاص في أعمارهم ما يجعل منه مؤشِّرًا دقيقًا لحساب العمر الفعلي، ولهذا السبب يمكن أن نرى أفرادًا ذا أعمار زمنية (Chronological age) متقاربة في حين تكون أعمارهم الإيبي جينية شديدة التفاوت (3).

ولمعرفة كيفية اختلاف الساعة الفوق الجينية لدى الكلاب عن نظيرتها من البشر دَرسَ عالم الجينات "تري إيديكر - Trey Ideker" مع فريقه في جامعة كاليفورنيا- سان دييغو إحدى سلالات الكلاب "لابرادور ريتريفر - Labrador retriever" وأجرى مسحًا لأنماط متيلة الDNA  لجينوم 104 كلاب يتراوح أعمارهم من أربعة أسابيع ل16 عامًا (1).

❀ وعند مقارنة بيانات هذا التحليل مع ما يقابله لدى الإنسان تبيّن وجود علاقة غير خطية* فيما يخص التغيرات الفوق الجينية، فلوحظ أن التوافق بين النوعين كان أكبر ما يمكن في طرفي العمر، أي عندما قورن المسنين من الكلاب بالمسنين من البشر أو الصغار منهما، في حين ظهرت التفاوتات أوضح في مراحل المراهقة والبلوغ والرشد، إذ كانت عمليات المتيلة لدى الكلاب في تلك المراحل أسرع بكثير مما هي عليه لدى البشر وهذا يعني أنها تتقدم في العمر أسرع في السنوات الأولى من حياتها على خلاف ما تظهره الوظائف الفيزيولوجية (1،2)، وتبدأ بعدها بالتباطؤ، فمثلًا قد يتصرف الكلب ذو العامين على أنه جرو صغير على الرغم أنه قارب الوصول بحسب الساعة فوق الجينية لمنتصف عمره (1).

❀ وبناءً على البيانات التي جُمعت بعد تحليل هذه النتائج توصل أخيرًا إلى المعادلة الرياضية القادرة على ترجمة عمر الكلاب (الأكبر من سنة) إلى ما يقابله من عمر الإنسان،

العمر البشري = 16 * ln (عمر الكلب) + 31

❀ فالـ ln يمثل اللوغاريتم الطبيعي لعمر الكلاب (1،2).

إنَّ لدراسة  مثل هذه التغييرات وتمييزها تطبيقاتٍ أوسع بكثير من مجرد تحويل الأعمار بين الأنواع وترجمتها، فمثلًا تُظهر بعض الدراسات علاقةً بين وجود تسارع في العمر الفوق الجيني (أي عندما يكون العمر الفوق الجيني أكبر من العمر الزمني بسنوات عدّة) وزيادة احتمالية الإصابة ببعض الأمراض القلبية الوعائية (6). لذا فإن الجهود المبذولة في هذا المجال قد تساعدنا في الإجابة على بعض التساؤلات المهمّة كمعرفة احتمالية تأثير توقيت التغييرات الفوق جينية إذا ما حدثت باكرًا في مدة الحياة الإجمالية المتوقعة للأنواع أو الأفراد ضمن الأنواع، الأمر الذي سيؤدي إلى فهم عملية الشيخوخة وتحديد التداخلات الممكنة لإطالة العمر المتوقع على نحوٍ أكبر (2).


حاشية:

عملية متيلة الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين (DNA methylation): إضافة مجموعات الميتيل (-CH3) إلى الأسس النكليوتيدية منقوصة الأوكسجين (التي هي أحجار بناء الDNA)، وتعد هذه العملية من الخصائص النموذجية المميزة لمعظم حقيقيات النوى التي اُحتفظ بها تطوريًّا لما تؤديه من دور أساسي في تمايز الخلايا و تنظيم القدرة الانتساخية للمادة الوراثية (5).

* العلاقة غير الخطية: نوع من العلاقات الطردية التي تربط مُعطَيين أو أكثر؛ إذ يكون التغير الحاصل بالاتجاه ذاته سواءً بالزيادة أو النقصان ولكن بمعدل غير ثابت، أي إن التغير بإحدى المعطيات غير مرتبط بتغير الآخر.

المصادر:

  1. Morell V. Here's a better way to convert dog years to human years, scientists say. Science. 2019;. هنا
  2. Wang T, Ma J, Hogan A, Fong S, Licon K, Tsui B et al. Quantitative Translation of Dog-to-Human Aging by Conserved Remodeling of the DNA Methylome. Cell Systems. 2020;. هنا
  3. Horvath S, Raj K. DNA methylation-based biomarkers and the epigenetic clock theory of ageing. Nature Reviews Genetics. 2018;19(6):371-384. هنا
  4. Sierra M, Fernández A, Fraga M. Epigenetics of Aging. Current Genomics. 2015;16(6):435-440. هنا
  5. Pelizzola M, Ecker J. The DNA methylome. FEBS Letters. 2010;585(13):1994-2000. هنا
  6. Mendelson M. Epigenetic Age Acceleration. Circulation: Genomic and Precision Medicine. 2018;11(3). هنا