الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

«اللاسلطوية/ الأناركية - Anarchism».. طريقٌ إلى الثورة أم إلى الفوضى؟

«اللاسلطوية/ أو الأناركية - Anarchism» هي أيديولوجيا اجتماعية وسياسية تعاود الظهور في التاريخ باستمرارٍ وبأشكالٍ وبلدانٍ مختلفةٍ مضيفةً بعدًا آخر إلى حركتها (2)، وعلى الرغم من تنوُّع تياراتِ وأفكارِ «اللاسلطوية» وروَّادها؛ فإن ما يوحِّد هذا التنوُّع هو النقد العام للسلطة، وتشكِّك «اللاسلطوية» في مبرِّرات أفراد السلطة (قوة السلطة)، وعادةً ما تنادي بمطالبَ أخلاقيةٍ تدور حول المساواة والحرية الفردية والاستقلال. وألهَمَت «اللاسلطوية» النظرياتِ الطوباوية والثورية لنشوء مجتمعٍ مثاليٍّ غير قسريٍّ ورؤيةٍ عن الازدهار البشري أيضًا، وكانت ملهِمةَ لجهودٍ عمليةٍ برَزت في الواقع -أي التطبيق خارج دائرة التنظير- في محاولةٍ لإنشاء مجتمعٍ معادٍ لحالة السلطة، وأثَّرت في أجنداتٍ سياسيةٍ راديكاليةٍ وثورية (1).

وتعني كلمة «اللاسلطوية/ أو الأناركية - Anarchy» -وهي مشتقةٌ من الكلمة اليونانية (Anarkhia)-: ((ضد السلطة أو دون الحاكم)). ومع تطور الأفكار السياسية يمكن النظر إلى «اللاسلطوية» بجسبانها التصور النهائي لكلٍّ من (الليبرالية الحديثة) و(الاشتراكية)، ويمكن إدراج الفروع المختلفة للتيار اللاسلطوي إلى أيٍّ من هاتين الأيديولوجيتين لاتفاقهما مع المطالب القائمة على ضرورة الحرية الفردية والمساواة وابتعادهما عن هرم السلطة التراتبية والتسلط. ولم تنشأ السلطوية -من الناحية التاريخية- بوصفها رد فعلٍ للفجوة وتفسيرًا لها بين الفقراء وسلطة الأثرياء عليهم -أو الضعفاء وسلطة الأقوياء عليهم- فحسب، ولا تفسيرَ لسبب اضطرار الأفراد إلى الصراع من أجل نصيبهم في الملكية العامة ضد السلطة المُحتكِرة لهذه الموارد وهذه القوة، بل ونشأت «اللاسلطوية» لتُجيبَ عن سؤال "ما الخطأ الذي يحدث بعد انتهاء ثورات الفقراء ممّا يعيد الأمور إلى حالها قبل الثورة؟" أيضًا. ومن الأمثلة على هذا النوع من الأسئلة؛ ما عقب بعد النتيجة النهائية للثورة الفرنسية، فقد انتهت ليس فقط بحكمٍ إرهابيٍّ وظهور طبقةٍ حاكمةٍ حديثة الثراء؛ ولكن أيضًا بإمبراطورٍ جديدٍ محبوبٍ -نابليون بونابرت (1821-1769 -  Napoléon Bonaparte"- ينشر سلطته عبر حروبه (2).

ويعرّف المؤرِّخ الأناركي الألماني "رودولف روكر - 1958-1873 Rudolf Rocker" «اللاسلطوية» بأنها: 

"ليست نظامًا اجتماعيًّا ثابتًا ومنغلقًا على نفسه، بل هي اتجاهٌ معينٌ في التطور التاريخي للإنسانية؛ التي -وعلى النقيض من جميع أشكال الوصاية الفكرية المرتبطة بالمؤسسات الدينية والحكومية- تسعى جاهدةً للكشف عن جميع القوى الفردية والاجتماعية في الحياة وتحريرها. وذلك على الرغم من  أن الحرية ليست مثالًا مطلقا، بل مجرد مفهومٍ نسبيٍّ يميل باستمرارٍ إلى التمدد والتأثير في دوائرَ أوسعَ وفي طرقٍ متنوعة. وليست الحرية، بالنسبة للأناركيين؛ مصطلحًا فلسفيًا مجردا؛ لكنها فرصةٌ حيويةٌ وملموسة؛ تسمح لِكل إنسانٍ ببلوغ أكمل تطورٍ لقدراته جميعها وإمكانياته ومواهبه التي وهبته الطبيعة إياها. وتحويل ذلك كله إلى رصيدٍ اجتماعي" (3). 

"الدولة ليست كيانًا يمكن إسقاطه بثورة، ولكنها حالةٌ -أو علاقةٌ معينةٌ بين البشر، أو شكلٌ للسلوك الإنساني- يمكن أن نسقطها بعقد علاقاتٍ أخرى، وإنتاج سلوكياتٍ مختلفة" (2).

*راجع مقال (الخوف أساس نشوء الدولة برؤية توماس هوبز): هنا

المصادر:

1. Fiala, Andrew, "Anarchism", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL =  هنا

2. وارد، كولين. (2014). اللاسلطوية؛ مقدمة قصيرة جدًّا. ترجمه: عبد السلام، مروة. (ط1). القاهرة: مؤسسة هنداوي. ص7.9.15

3. غيران، دانيال. (2015). الأناركية من النظرية إلى التطبيق. ترجمه: سلطاني، عومرية. (ط1). القاهرة: تنوير للنشر والإعلام. ص27.28.57